ارتفاع الدولار… أزمة نقدية معقدة وتداعيات قاسية على المواطن

ارتفاع الدولار… أزمة نقدية معقدة وتداعيات قاسية على المواطن
ارتفاع الدولار… أزمة نقدية معقدة وتداعيات قاسية على المواطن

ماهر الشاعري

أفريقيا برس – ليبيا. تعيش ليبيا واحدة من أكثر مراحلها الاقتصادية تعقيداً، في ظل تفاقم الأزمة النقدية وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار الليبي، ما ألقى بظلاله الثقيلة على حياة المواطنين ومعيشتهم اليومية.

هذا التدهور المتسارع يأتي في سياق سياسي منقسم وتخبط في السياسات المالية والنقدية، انعكس بشكل مباشر على أسعار السلع الأساسية، وتراجع القدرة الشرائية، وزيادة الأعباء المعيشية على الأسر الليبية.

وبين غياب حلول جذرية وتعدد مراكز القرار، تتزايد المخاوف من اتساع رقعة الأزمة وتأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية على المدى القريب والمتوسط.

مزيج معقد وعوامل متداخلة

من جهته، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة مصراتة الليبية، الدكتور علي الغويل: إن “استمرار ارتفاع سعر الدولار مقابل الدينار الليبي يعود إلى مزيج معقد من العوامل الاقتصادية والسياسية المتداخلة”.

وأوضح الغويل في حديثه لـ”سبوتنيك”، أن السبب الرئيسي يتمثل في الطلب المرتفع على الدولار نتيجة الإنفاق الكبير من الحكومتين في شرق وغرب البلاد، إلى جانب قلة تنوع مصادر العملة الأجنبية والاعتماد شبه الكامل على عائدات النفط.

كما أشار إلى انتشار الفساد وتهريب العملة عبر منظومات الاعتمادات الوهمية، فضلاً عن التدخلات السياسية وعدم الاستقرار الذي ينعكس سلباً على الثقة في الدينار الليبي، إضافة إلى ضعف السياسات النقدية الموحدة بين شرق البلاد وغربها.

وحول مدى إسهام الانقسام السياسي وتعدد مراكز القرار في تعميق الأزمة النقدية، أكد الغويل أن تأثيره كان كبيراً جداً، موضحاً أن وجود حكومتين ومصرفين مركزيين في فترات سابقة أدى إلى تضارب السياسات المالية، وإصدار دين عام غير موحد، وضعف التنسيق في إدارة الاحتياطيات النقدية، الأمر الذي أسهم في فقدان الثقة في النظام المصرفي ودفع المواطنين إلى اللجوء للسوق الموازية.

وفيما يتعلق بانعكاسات تذبذب سعر الصرف وارتفاع الدولار على حياة المواطن، بيَّن الغويل أن ذلك أدى إلى ارتفاع مباشر في أسعار السلع المستوردة باعتبار أن معظم احتياجات الليبيين تأتي من الخارج، إلى جانب تآكل القدرة الشرائية للرواتب، خاصة لدى الطبقتين المتوسطة والفقيرة.

كما تسبب ذلك في حالة عدم استقرار داخل السوق، شجعت على تخزين الدولار والمضاربة به، وأسهمت في توسع السوق الموازي وحرمان بعض الفئات من الحصول على العملة الأجنبية بالسعر الرسمي.

وبشأن السيناريوهات والحلول الممكنة للأزمة الاقتصادية والنقدية، شدد الغويل على أن المعالجة تبدأ بتوحيد المؤسسات المالية، وعلى رأسها المصرف المركزي، ووقف الانقسام السياسي، مع تحسين إدارة الاحتياطي النقدي وضبط منظومة الاعتمادات.

كما دعا إلى دعم الإنتاج المحلي للحد من الاعتماد على العملة الصعبة، وتعزيز الشفافية في الإنفاق العام ومكافحة الفساد، إضافة إلى تعديل سعر الصرف بشكل تدريجي ومدروس بما يضمن تحقيق قدر من الاستقرار الاقتصادي والنقدي.

قصور المركزي

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي محمد درميش إن استمرار ارتفاع سعر الدولار مقابل الدينار الليبي يعود بالأساس إلى قصور البنك المركزي في إدارة الأزمة، وعدم فاعلية التنسيق مع أدوات السياسات الاقتصادية والتجارية والمالية.

،وأوضح في تصريحات لـ”سبوتنيك” أن المصرف المركزي، وللأسف، ما زال يكرر الأخطاء ذاتها التي ارتكبت على مدى عشرات السنين، من خلال تبني قرارات أحادية، أبرزها اللجوء إلى تخفيض سعر الصرف بحجة الاستدامة وحقوق الأجيال القادمة، دون معالجة جذرية للاختلالات القائمة.

وفيما يتعلق بالعوامل الاقتصادية والسياسية، أشار درميش إلى أن ليبيا تتمتع بمقومات اقتصادية ومالية قوية، حيث يحتل الاقتصاد الليبي موقعاً مميزاً من حيث الموارد، ويتمتع بمركز مالي جيد جداً، لكنه يفتقر إلى إدارة كفؤة قادرة على استثمار هذه الإمكانات بالشكل الصحيح.

وأضاف أن حدة التجاذبات السياسية تلقي بظلالها على مستوى الأداء الحكومي، إلا أن تأثيرها في المرحلة الراهنة بات أقل مما كان عليه خلال السنوات الماضية.

وأوضح أن التجاذبات والانقسامات السياسية كانت لها تداعيات واضحة في السابق، غير أن توحيد البنك المركزي، إلى جانب المؤسسة الوطنية للنفط ومؤسسات الاستثمار، ساهم في الحد من تأثير الانقسام مقارنة بالفترة ما بين عامي 2015 و2020.

وحول انعكاسات تذبذب سعر الصرف وارتفاع الدولار على حياة المواطن، وصف درميش هذه الانعكاسات بـ”الكارثية”، مشيراً إلى الارتفاع الكبير في أسعار السلع والخدمات، وتراجع مستوى دخل الفرد، واستنزاف مدخرات المواطنين.

كما لفت إلى فقدان عدد كبير من العاملين في القطاع الخاص لوظائفهم، نتيجة عجز المؤسسات والأنشطة ذات رأس المال الصغير والمتوسط عن مواكبة التغيرات السريعة التي فرضتها تقلبات سعر الصرف.

وفيما يخص الحلول، شدد الخبير الاقتصادي على ضرورة وضع خطة استراتيجية شاملة توحد بين السياسات التجارية والمالية والنقدية ضمن سياسة اقتصادية واحدة، مع متابعة المتغيرات بشكل يومي ومستمر، بل وعلى مدار الساعة عند الحاجة.

وأكد أن هذه الخطوات من شأنها الإسهام في استعادة قوة الدينار الليبي، وتهيئة بيئة جاذبة للمال والأعمال الخاصة، والقضاء على الاحتكار، ورفع مستوى أداء القطاعات العامة بمختلف أنواعها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here