استقالة فرحات بن قدارة: أسباب اقتصادية وخلفيات سياسية في ليبيا

26
استقالة فرحات بن قدارة: أسباب اقتصادية وخلفيات سياسية في ليبيا
استقالة فرحات بن قدارة: أسباب اقتصادية وخلفيات سياسية في ليبيا

أفريقيا برس – ليبيا. في خطوة مثيرة للجدل، أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة قبول استقالة فرحات بن قدارة، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مشيرًا إلى أن استقالته كانت بسبب “ظروف صحية طارئة” حالت دون قدرته على أداء مهامه بالشكل الأمثل.

ورغم الطابع الصحي لهذا الإعلان، فإن المتابعين للشأن الليبي يعتبرون أن الاستقالة هي نتيجة لمجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية التي تعكس تعقيدات الوضع الليبي في هذا التوقيت العصيب.

الخلفيات السياسية التي أدت إلى استقالة بن قدارة

منذ تولي فرحات بن قدارة رئاسة المؤسسة الوطنية للنفط في يوليو 2022، كان يواجه تحديات كبيرة على أكثر من صعيد. كان من المتوقع أن يصبح هذا المنصب نقطة تقارب بين الأطراف السياسية الليبية المتنازعة، حيث تم تعيينه ضمن صفقة سياسية بين حكومة الدبيبة والمشير خليفة حفتر. لكن هذه الصفقة كانت عرضة للاختبار مع مرور الوقت، وخاصة مع تفاقم الخلافات بين الدبيبة وحفتر.

بحسب الباحث المتخصص في الشؤون الليبية، جلال حرشاوي، فإن سقوط فرحات بن قدارة لم يكن نتيجة خطة مدروسة طويلة المدى، بل كان نتيجة لتسارع الأحداث في الفترة الأخيرة. حرشاوي أشار في تصريح له عبر منصة “إكس” إلى أن بن قدارة كان قد وعد في وقت سابق بنقل مقر المؤسسة الوطنية للنفط من طرابلس إلى مناطق سيطرة حفتر في الشرق، إلا أنه تراجع عن هذا الوعد بشكل مفاجئ، وهو ما أحدث قلقًا في الأوساط السياسية وأدى إلى تدهور علاقاته مع الأطراف المختلفة. كما أن محاولات بن قدارة استرضاء عائلة الدبيبة بعد 15 أكتوبر 2023، كانت تهدف إلى تجديد الدعم له، إلا أن هذه الجهود اصطدمت بعائق أكبر يتمثل في النقص الحاد في الدولار داخل خزائن المؤسسة الوطنية للنفط، وهو ما جعل استمرار دعمه أمرًا صعبًا.

وفي تصريح خاص لأفريقيا برس، أوضح المحلل السياسي محمود إسماعيل أن السبب الحقيقي وراء استقالة بن قدارة هو الخلافات العميقة حول العقود، بما في ذلك موضوع النفط المهرب الذي تم مناقشته في مجلس الأمن، بالإضافة إلى قضايا فساد أثارتها عمليات المقايضة التي أُجريت في المؤسسة. وأضاف إسماعيل أنه من الأهمية بمكان أن تخضع قواعد التغيير في مؤسسات الدولة إلى الكفاءة، وليس مجرد حسابات ترضية للجهات السياسية. وأكد على ضرورة إجراء رقابة دقيقة على إيرادات النفط الليبي لضمان حسن إدارة موارده.

الأسباب الاقتصادية التي أدت إلى الاستقالة

لم تقتصر الأزمة التي عانى منها بن قدارة على الخلافات السياسية، بل كانت هناك أيضًا تحديات اقتصادية جسيمة. يُذكر أن ليبيا تعاني من أزمة مالية خانقة نتيجة للتراجع الحاد في إيرادات النفط، فضلاً عن الفساد والهدر في إدارة موارد البلاد. ومن بين هذه القضايا التي أثرت على قدرة بن قدارة على الاستمرار في منصبه، كانت حملة الضغط التي قادها في واشنطن، حيث حاول بن قدارة التأثير على المجتمع الدولي للحفاظ على حياد المؤسسة الوطنية للنفط، وخصوصًا مع الضغوط التي مورست على المؤسسة بعد تصدير النفط عبر قنوات غير شرعية، ما جعل العديد من الأطراف الدولية تشكك في مصداقية هذه الجهود.

من جهتها، نقلت صحيفة “العربي الجديد” عن مصادر مقربة من الدوائر السياسية في ليبيا، أن استبعاد بن قدارة جاء في إطار خطة أكبر بدأت بتصفية الحسابات مع شخصيات سياسية نافذة في النظام، بدءًا من استبعاد محافظ المصرف المركزي السابق، الصديق الكبير، وصولًا إلى بن قدارة. هذه الخطوات تأتي في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية على ليبيا لإصلاح هيكل مؤسساتها الاقتصادية، وعلى رأسها مؤسسة النفط، حيث أصبح النفط يشكل محورًا أساسيًا في الصراع على السلطة والموارد في البلاد.

التداخل بين المصالح المحلية والدولية

تعكس استقالة بن قدارة أيضًا تغيرات جذرية في التوازنات الدولية داخل ليبيا. فبعد التوترات المستمرة بين معسكر حفتر وحكومة الدبيبة، أصبح قطاع النفط هدفًا رئيسيًا في النزاع السياسي، مما دفع القوى الدولية إلى التدخل بشكل أكبر لضمان استقرار هذا القطاع الحيوي. في هذا السياق، تشير الصحيفة إلى أن الأطراف الدولية ومن بينها الأمم المتحدة، بدأت بالفعل في التفاوض على خطط لتغيير إدارة النفط في ليبيا بشكل يتجاوز الصراع الداخلي، مع إمكانية فرض سيطرة دولية على إيرادات النفط الليبي.

الضغوط الدولية ازدادت بعد أن سُمِح لليبيا بإدارة جزء من أموالها المجمدة في الخارج، وهو قرار وصفه رئيس المؤسسة الليبية للاستثمار المكلف من مجلس النواب، أشرف بدر، بـ”التعسفي”، مؤكدًا أن توقيت وآلية تنفيذ القرار يثيران تساؤلات. هذا القرار جاء في وقت حاسم بعد أن قرر مجلس الأمن فرض عقوبات على مبيعات النفط خارج نطاق المؤسسة الوطنية للنفط، ما يُظهر تحولًا في السياسة الدولية تجاه ليبيا. هذه الخطوات جزء من خطة واسعة تهدف إلى إعادة تشكيل السلطة في ليبيا وتحقيق الاستقرار على المدى الطويل.

وفي هذا السياق، أوضح الباحث والمحلل السياسي محمد امطيريد في تصريح خاص لأفريقيا برس أن هناك عدة أسباب وراء استقالة بن قدارة، تتجاوز المسائل الصحية التي تم الإعلان عنها. وأضاف امطيريد أن من بين هذه الأسباب قضية جنسية بن قدارة، حيث يحمل جنسية أجنبية خلافًا للقوانين الليبية التي تمنع شغل المناصب السيادية من قبل حاملي جنسيات غير ليبية. كما أشار إلى أن بن قدارة كان يعاني من ضغوط قانونية وسياسية، خاصة بعد توقيعه على اتفاق مع شركة “إيني” الإيطالية بشأن حقول النفط في ليبيا، والذي قوبل بانتقادات واسعة من عدة جهات، بما في ذلك مجلس النواب وديوان المحاسبة.

وأضاف امطيريد أن هناك ضغوطًا تركية قد تمارس على حكومة الدبيبة، حيث عرضت تركيا دعمًا سياسيًا وعسكريًا مقابل إقالة بن قدارة، وهو ما أدى إلى اتفاق مع “إيني” لتقليص حصتها في بعض الحقول النفطية. هذه الصفقة أدت إلى مزيد من التشكيك في بن قدارة ودوره، مما أسهم في تسريع استقالته.

مستقبل المؤسسة الوطنية للنفط مع مسعود سليمان موسى

بعد قبول استقالة بن قدارة، تم تكليف مسعود سليمان موسى، عضو مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، بتولي مهام رئيس المجلس بشكل مؤقت. يعتبر موسى من الشخصيات البارزة في قطاع النفط الليبي، حيث يمتلك خبرة طويلة في هذا المجال، ويُتوقع أن يكون قادرًا على التعامل مع العديد من القضايا التي أُثيرت في ظل تزايد التوترات السياسية والاقتصادية.

موسى، الذي ينتمي إلى قبيلة المغاربة في أجدابيا شرقي ليبيا، يُعتقد أنه قد يحظى بتأييد أكبر من قبل الأطراف المختلفة في الشرق الليبي، وهو ما قد يساعد في استقرار الوضع في بعض المناطق التي تشهد نزاعًا على السيطرة على حقول النفط ومع هذا يرى امطيريد أن مسعود سليمان سيتم استخدامه لتمرير اتفاقات مع تركيا بإشراف الدبيبة وبعدها سيتم إبعاده وهذا ماسيدخل المؤسسة في نفق المصالح و التجاذبات السياسية وسنقف على أزمة أشبه بأزمة المصرف المركزي التي لم تحل إلابتدخل أممي.

ختاما، استقالة فرحات بن قدارة جاءت في توقيت حساس للغاية، حيث تعكس مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية التي باتت تُهيمن على المشهد الليبي.

الخلافات الداخلية بين الأطراف السياسية، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية والتحديات التي يواجهها قطاع النفط، كانت عوامل رئيسية ساهمت في هذا التحول. أما بالنسبة لمستقبل المؤسسة الوطنية للنفط في ظل مسعود سليمان موسى، فإن الفترة المقبلة ستحدد ما إذا كانت ليبيا ستتمكن من تجاوز هذه الأزمة وإعادة بناء قطاع النفط بشكل يحقق الاستقرار الاقتصادي والسياسي، أم أنها ستظل غارقة في صراعات داخلية ودولية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here