الإعلام الليبي يقع في قبضة البرلمان والحكومة

33
الإعلام الليبي يقع في قبضة البرلمان والحكومة
الإعلام الليبي يقع في قبضة البرلمان والحكومة

أفريقيا برس – ليبيا. بين الرغبة في التنظيم والتقييد وقع الإعلام الليبي في قبضة البرلمان والحكومة ونال نصيبه من القرارات والقوانين التي امتدح بعضها وانتقد آخر تحت شعار حرية الإعلام والصحافة، فانتقد من وصل إلى مرتبة القانون الذي يجرم، وامتدح من وضع لغرض التنظيم.

وبالنظر إلى وضع الإعلام الليبي بشكل عام، فقد تعرض الصحافيون على مدار أعوام سابقة لأشكال مختلفة من الاضطهاد وتكميم الأفواه خاصة في المنطقة الشرقية محل تواجد البرلمان، فقد غيب صحافيون وناشطون قسرا وآخرون اقتيدوا إلى السجن بتهمة الكلمة.

إلا أن المستجد في سلسلة هذه الأحداث هو القرارات المتتالية التي صدرت بداية من مجلس النواب الليبي والتي لاقت استهجانا ورفضا واسعا، ومن ثم ما صدر عن حكومة الوحدة الوطنية التي لاقى بعضها قبولا والآخر رفضا.

البرلمان والتجريم

في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي أعلن الناطق الرسمي باسم مجلس النواب الليبي عبدالله بليحق إن مجلس النواب أقر بالأغلبية مشروع قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية.

بليحق نشر هذا الإعلان في تصريح مقتضب على صفحته بموقع فيسبوك تعليقًا على الجلسة المغلقة التي عقدها مجلس النواب صباح الثلاثاء برئاسة النائب الأول لرئيس المجلس فوزي النويري.

القانون الذي صوت عليه مجلس النواب دار حوله جدل كبير جدا بل اعتبر خطوة جديدة من قبل البرلمان لتكميم أفواه المواطنين ومنعهم من التصريح بآرائهم أو خوض النقاشات السياسية التي تتضمن رفضا لتصرفات البرلمان ومن يقوم البرلمان بدعمهم.

وقد تضمن القانون الذي أقره البرلمان والذي حمل مسمى «قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية» أن يعاقب بالحبس وغرامة لا تقل عن ألف دينار كل من قام بنشر معلومات تثير النعرات الجهوية والنعصرية. كما جاء في نص القانون «يعاقب بالحبس كل من ركب أو زج بتصريح مكتوب أو صور أو صوت لأحد الأشخاص بقصد الإضرار بهم».

كما يعاقب القانون، بحسب المادة 37 بالسجن لمدة قد تصل إلى 15 عامًا وغرامة مالية باهظة لا تقل عن عشرة آلاف دينار ليبي «كل من بث إشاعة أو نشر معلومات أو بيانات تهدد الأمن أو السلامة العامة في الدولة أو أي دولة أخرى». وُتحذّر المنظمات من خطورة استخدام هذه المادة لاستهداف ومعاقبة الصحافيين والصحافيات، والمدافعين عن حقوق الإنسان .

وفي المادة 7 يبيح القانون للسلطات الليبية حق الرقابة الشاملة على كل ما ينشر على شبكات التواصل الاجتماعي و «أي نظام تقني آخر» بالإضافة إلى تمكين الهيئة الوطنية لسلامة وأمن المعلومات – وهي هيئة إدارية تقنية تابعة للحكومة- من حجب المواقع والمحتوى بدون أحكام قضائية.

ونصت مادة أخرى من القانون أن «يعاقب بالحبس وغرامة لا تقل عن ألف دينار كل من أضر بالغير على وسائل الاتصال بقصد إشباع رغبته الجنسية».

وفي الواقع فقد تم التصويت على هذا القانون بسرعة؛ إذ تم اعتماد مشروع القانون المقترح بعد يوم واحد فقط من طرحه في أجندة المجلس، ودون التشاور مع المجتمع المدني الليبي، سواء جمعيات أو منظمات أو نشطاء في المجال الرقمي أو المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان.

وما أن أعلن بليحق عن تصويت البرلمان على هذا القانون وموافقته بالأغلبية عليه بدأ الجدل والاستهجان في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشر الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي منشورات رافضة لما جاء في القانون.

حيث قالت مجموعة من منظمات المجتمع المدني أن مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الجديد هو قانون قمعيّ بامتياز ويشكل خطراً حقيقياً على الحقوق والحريات في ليبيا، موضحة أن المواد المضمّنة فيه ستحد بصفة كبرى من حرية التعبير في الفضاء الإلكتروني وستمنح السلطات الليبية الحرية لاستهداف وقمع النشطاء/ات والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان وتقييد حرية الصحافة والنشر.

ولم يكتف مجلس النواب بإصدار هذا القانون فحسب بل أصدر قرارا آخر في ذات الفترة الزمنية بنقل تبعية وكالة الأنباء الليبية إليه، وقد جاءت حزمة القرارات هذه قبل فترة بسيطة من موعد الانتخابات المحدد سابقا والمؤجل حديثا .

وقد لاقى قرار الضم وتغيير التبعية من الرفض والاستهجان ما لاقاه القرار السابق، حيث أصدرت مجموعة من منظمات المجتمع المدني ولجنة مراجعة قانون المطبوعات بيانا وصفوا فيه هذه الخطوة بالاستثنائية للسيطرة والهيمنة على الإعلام العمومي، حتى لا يكون مستقلاً.

ودعا المنظمات لجنة مراجعة قانون المطبوعات والمنظمات بإلغاء القانون المشار إليه، والذي من شأنه أن يزيد من تأثير رئاسة مجلس النواب على المشهد الإعلامي بأكمله، ويهدد حرية وسائل الإعلام والتعددية في البلاد على حد تعبيرها .

الحكومة بين التنضيم والقمع

وعقب مبادرات البرلمان وقوانينه وقراراته الفجائية انضمت الحكومة إلى خط سير البرلمان إلا أنها اتبعت نهجا أقل حدة، فقد امتدحت وانتقدت على اختلاف القرارات وعلى اختلاف وجهات النظر.

ومن ضمن القرارات التي لاقت مدحا وترحيبا من قبل المتتبعين والصادرة من الحكومة، قرار إنشاء هيئة عامة لرصد المحتوى الإعلامي، وحسب نص القانون فتختص الهيئة برصد وتتبع الإخلالات المهنية في الخطاب الإعلامي وخاصة خطاب الكراهية بكافة أشكاله والأخبار الزائفة والمضللة في وسائل الإعلام التي تستهدف ليبيا بالداخل والخارج.

وحسب القرار، سوف تصدر الهيئة تقاريرها بعد اعتمادها والتصويت عليها من مجلس للتقيم يتولى النظر وتقييم الإخلالات المهنية المرتكبة ويرأس مجلس التقييم قاض ويضم في عضويته ممثلين عن المجتمع المدني، والقضاء، والصحافيين، والعاملين بقطاع الإعلام ممن يشهد لهم بالكفاءة والنزاهة.

ورحبت المنظمة الليبية للإعلام المستقل والمؤسسة الليبية للصحافة الاستقصائية وشبكة أصوات للإعلام ومنظمة جديد للإعلام الرياضي بإصدار هذا القرار، معتبرة الخطوات التي تتخذها حكومة الوحدة الوطنية من أجل التنظيم المؤقت للإعلام وفقا للمعايير الدولية لحرية الصحافة، في الوقت الذي لم تصدر فيه السلطات التشريعية المتعاقبة أي قانون أو لوائح تنظم الإعلام وتضمن حرية الرأي والتعبير.

ورغم وضوح مهام الهيئة إلا أنها لم تسلم من النقد هي الأخرى، في إطار الحديث عن التضييق على الصحافيين والكتاب، إلا أن رئيس الهيئة جلال عثمان أوضح في تصريحات صحافية مهام الهيئة تحديدا نافيا مساهمة مهامها في أي تضييق على الصحافيين موضحا أنها ستعمل على تنظيم قطاع الإعلام السمعي البصري وضمان تعدده وتنوعه وتوازنه واستقلاليّة وسائله.

وأضاف عثمان أن الهيئة ستحرص على ضمان حرية التعبير في إطار احترام الضوابط القانونية وكذلك دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، مشددا على أن مبادئ الهيئة تتعارض مع فرض أي نوع من الرقابة القبلية وأن الرقابة مرفوضة لديها .

وتطرق عثمان إلى الإعلان الدستوري حيث قال أن فرض الرقابة على وسائل الإعلام يتعارض مع الإعلان الدستوري، ومع المواثيق والعهود الدولية التي وقعت عليها ليبيا.

إلا أن الحكومة أصدرت قرارا آخر لقي نقدا واستهجانا واسعا قبل إصدارها لهذا القرار والذي يحمل تعديلا لمهام واختصاصات وإسم ادارة الإعلام والتواصل الحكومي، حيث جاء في القرار أن تختص الإدارة بالإشراف على وسائل الإعلام المختلفة ومتابعة جودة المحتوى المنشور فضلا عن تنفيذ الإجراءات والتوصيات المتعلقة بدعم الصحافة وحماية جميع العاملين في المجال.

حيث دعت مجموعة من المنظمات حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة إلى التراجع عن القرار الحكومي رقم 301 لسنة 2021 والذي من شأنه أن يزيد من تأثير الحكومة على المشهد الإعلامي بأكمله ويهدد حرية وسائل الإعلام والتعددية في البلاد.

وتابع البيان أن القرار رقم 301 لسنة 2021 المتعلق بتقرير بعض الأحكام في شأن إدارة الإعلام والاتصال يمثل خطراً حقيقياً على حرية واستقلالية الإعلام في ليبيا، حيث وقع إسناد سلطات واسعة جدا لهيئة إدارية تخضع لرئيس الحكومة للإشراف على قطاع الإعلام من دون أي مراعاة للمعايير الدولية.

وحث البيان الحكومة على تدارك هذه الخطوة الخاطئة من أجل ضمان إطار قانوني ملائم للإعلان الدستوري والمعايير الدولية بشأن حرية التعبير والحق في المعلومات، داعيا إلى عدم اتخاذ أي قرارات ترتيبية مستقبلية إلا بعد القيام بالمشاورات الضرورية مع المنظمات المهنية والصحافيين/ات والأكاديميين/ات والجهات الفاعلة الأخرى في المشهد الإعلامي. وقال البيان أن القرار يتعارض مع المادة 15 من الإعلان الدستوري، التي نصت على ضمان الدولة لحرية الرأي وحرية التعبير الفردي والجماعي، وحرية البحث العلمي، وحرية الاتصال، وحرية الصحافة ووسائل الإعلام والطباعة والنشر. كما يتعارض مع المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المصادق عليه من طرف ليبيا .

وأضاف أنه بموجب المعايير الدولية، ينبغي أن تكون وسائل الإعلام العمومية مستقلة عن الحكومة، علاوة على ضرورة وجود ضمانات قوية لاستقلاليتها الإدارية والوظيفية.

وقال البيان «يؤكد هذا القرار مخاوفنا التي عبرنا عنها في السابق عندما حذرنا من اقتسام المؤسسات الإعلامية العمومية بين جهات حكومية مختلفة، حيث أصبحت إدارة الإعلام والاتصال الحكومي مختصة بمتابعة المحتوى المنشور على المؤسسات التابعة لمجلس الوزراء والتأكد من أنها تحترم جملة من الضوابط بعضها ذو طابع سياسي كالاستقرار ودعم العملية السياسية مما يؤشر على نية واضحة في توظيف وسائل الإعلام العمومية التابعة لمجلس الوزراء».

في نفس السياق، ختم البيان أن من شأن تطبيق هذا القرار أن يخلق ازدواجية في تطبيق القانون، حيث ستخضع وسائل الإعلام التابعة لمجلس الوزراء إلى معايير مختلفة عن تلك المعمول بها بالنسبة إلى بقية وسائل الإعلام الخاضعة لجهات حكومية أخرى، الأمر الذي يمكن أن يزيد من تدهور المشهد الإعلامي الليبي وخاصة عدم وضوح الإطار القانوني والتنظيمي.
نسرين سليمان

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here