عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. شهدت ليبيا في السنوات الأخيرة سلسلة من عمليات الاغتيال ومحاولات القتل والاختفاء التي استهدفت شخصيات سياسية وأمنية واقتصادية بارزة. هذا المسلسل الدامي، الذي يتواصل في ظل غياب الأمن والاستقرار، يعكس صورة قاتمة عن الوضع الداخلي للبلاد، ويزيد من تعميق أزمة الثقة بين الشعب والحكومة الحالية، التي تبدو عاجزة عن توفير الحماية لمواطنيها، لا سيما كبار المسؤولين.
تصاعد الاغتيالات في طرابلس والمدن الغربية
بدأت سلسلة الاغتيالات في ليبيا منذ نحو ثلاث سنوات، ولكنها اتخذت منحى تصاعديًا وخطيرًا منذ العام الماضي. فبين الحين والآخر، تتناثر الأخبار عن محاولات اغتيال أو اختطاف لشخصيات حكومية أو أمنية في طرابلس وغيرها من مدن المنطقة الغربية. كانت البداية مع عمليات استهداف رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، الذي تعرض لعدة محاولات قتل، من بينها استهداف سيارته في مطلع عام 2022، وتعرض منزله لهجوم بطائرة مسيرة. ورغم وجود تفاصيل تكشف عن محاولة القتل، إلا أن نتائج التحقيقات كانت دائمًا غائبة، مما يثير تساؤلات حول جدية التحقيقات وقدرة السلطات على متابعة تلك الجرائم.
في ذات السياق، تعرضت وزيرة العدل حليمة عبد الرحمن لمحاولة اغتيال في عام 2022 على طريق السواني بالقرب من العزيزية، حينما استهدفت سيارة مسلحة موكبها الرسمي. رغم التفاصيل التي أُعلن عنها حول الحادثة، لم تظهر أي نتائج تحقيقات رسمية تكشف عن هوية المهاجمين أو دوافعهم.
غياب نتائج التحقيقات.. هل هو فشل أم تواطؤ؟
إن غياب نتائج التحقيقات حول هذه الجرائم، على الرغم من التفاصيل المعلنة، يثير العديد من التساؤلات حول قدرة الحكومة على معالجة هذه القضايا الأمنية الحساسة. في الحادثة التي وقعت في يونيو 2024 ضد عبد المجيد مليقطة، مستشار الدبيبة، تمت توجيه الاتهام إلى عناصر من جهاز المخابرات بتدبير التفجير عن بعد الذي استهدف سيارته. ورغم التحقيقات، إلا أن الإعلام تحدث عن نفي جهاز المخابرات لأي مسؤولية، مشيرًا إلى أن الحادثة كانت تصرفًا شخصيًا. هذا التباين بين تصريحات الأجهزة الأمنية وتفاصيل التحقيقات يزيد من الغموض حول حقيقة ما يحدث في أروقة الحكم في طرابلس، ويعزز الشكوك بشأن وجود تواطؤ أو تقاعس عن مواجهة هذه الجرائم. كما يتكرر هذا السيناريو اليوم عندما أعلنت النيابة العامة عن كشف أحد العناصر المتورطة في محاولة اغتيال عادل جمعة، ولكن المشتبه به فر خارج البلاد، مما يذكرنا بما حدث في العديد من الملفات، حيث يتم الإعلان عن الاشتباه أو التحقيق مع جهات أو أفراد، ثم يتوقف التحقيق وتُوقف الملاحقة.
وفي تدوينة للكاتب الصحفي الليبي بشير زعبية عبر فيسبوك، أشار إلى تطور التحقيقات الجنائية في ليبيا من “قيدت ضد مجهول” إلى “قيدت ضد هارب في تونس”.
تصفيات أمنية وأزمة سياسية
والمثير للقلق أيضًا هو تورط أطراف أمنية في الأحداث الأخيرة، كما تجسد في حادثة اغتيال عبد الرحمن ميلاد “البيدجا” في سبتمبر 2024. حيث أثار اغتياله، الذي تم في كمين نصبه مسلحون مجهولون غرب طرابلس، موجة من التوترات الأمنية والاجتماعية في المنطقة الغربية. هذا الحادث وقع في وقت حساس، حيث أُعلن عن حبس نائب رئيس جهاز مكافحة التهديدات الأمنية محمد بحرون بسبب تورطه في الحادثة كما أعلن من قبل النيابة وقتها، ولكن في وقت وجيز أُعلن عن فراره خارج البلاد. لم تنتهِ تلك التطورات في طرابلس والمنطقة الغربية، بل تواصلت التوترات مع محاولة اغتيال معمر الضاوي في مدينة الزاوية، مما يعكس حالة الانفلات الأمني المستمر.
محاولة اغتيال عادل جمعة: رسالة سياسية أم فشل السلطة؟
أحدثت محاولة اغتيال عادل جمعة، وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء في حكومة الدبيبة، ردود فعل قوية في الأوساط السياسية والأمنية في ليبيا. هذه الحادثة، التي وقعت على الطريق السريع في طرابلس، تعتبر بمثابة حلقة جديدة في سلسلة الاغتيالات المستمرة، مما يطرح تساؤلات جادة حول مدى قدرة الحكومة على حماية مسؤوليها، وكيفية تأثير ذلك على أمن المواطنين. الإصابات التي لحقت بجمعة جراء إطلاق النار تُظهر ضعف النظام الأمني في البلاد، ويعكس الوضع السياسي الراهن، حيث تتواصل محاولات قتل الشخصيات الحكومية دون الكشف عن هوية الجناة أو تحديد الأسباب الحقيقية وراء هذه الهجمات.
فشل السلطة وحاجة ليبيا إلى انتخابات حرة
في حديثه عن حادثة اغتيال عادل جمعة، صرح الناشط والمحلل السياسي علاء الدين بن عثمان لأفريقيا برس بأن هذه الحادثة تعكس فشل الحكومة الحالية في توفير الأمن والحماية للمسؤولين. بن عثمان اعتبر أن هذه المحاولة هي نتيجة مباشرة لغياب الحكومة الشرعية وعدم قدرتها على فرض الأمن، بل وأن البلاد تفتقر إلى مؤسسات أمنية مستقلة قادرة على التعامل مع التهديدات الجدية.
وأضاف بن عثمان أن ليبيا تعيش حالة من الفوضى السياسية والأمنية في ظل استمرار وجود حكومات منتهية الصلاحية، والتي تفتقر إلى الشرعية الشعبية. وقال إن الحكومة الحالية، في ظل سيطرة الأطراف المسلحة على جزء كبير من البلاد، لا تستطيع تقديم الحلول الفعالة للأزمات الأمنية. وأضاف أنه لا يمكن الحديث عن استقرار حقيقي في ليبيا ما لم تُنظم انتخابات حرة ونزيهة تفرز حكومة شرعية قادرة على مواجهة التحديات الأمنية، وتعيد بناء مؤسسات الدولة على أسس قوية ومستقرة.
وفي تصريح خاص لأفريقيا برس أوضح الباحث السياسي والاستراتيجي محمود إسماعيل أن ما تعانيه ليبيا ليس خلال عامين أو أكثر بل هو منذ 2011، وهو معضلة الإفلات من العقاب، وكانت البداية في إفلات عدد من رموز النظام السابق من العقاب. وأضاف أن ما يحدث مؤخرًا يعكس ما تعانيه ليبيا من أزمة سياسية أثرت على الوضع الأمني والعدلي بشكل عام وخاصة في السنوات الأخيرة. ولكن هذا لا يمكن تجاوزه إلا من خلال توحيد المؤسسات الأمنية والتنفيذية وإزاحة كل الأجسام منتهية الشرعية. وأشار أيضًا، بالرغم من صدور مذكرات قبض وتحقيقات في العديد من الملفات الأمنية شرقًا وغربًا وجنوبًا، لكن وللأسف التأزم السياسي واحتكار السلطة يلقي بظلاله على الحالة الأمنية وعلى سير التحقيقات ونتائجها.
إن مسلسل الاغتيالات المتواصل في ليبيا، وعدم وجود نتائج تحقيقات حقيقية، يظهر بوضوح الأزمة الأمنية والسياسية التي تعيشها البلاد. وتعتبر حادثة محاولة اغتيال عادل جمعة نقطة جديدة في هذا المسلسل المزعج، وهي تطرح تساؤلات عن مصير الأمن في ليبيا إذا كانت الشخصيات الحكومية الكبرى مستهدفة بهذا الشكل. الحل، كما يرى العديد من المراقبين، يكمن في تنظيم انتخابات حرة وشفافة، تفرز حكومة شرعية تمتلك القدرة على بسط الأمن وتحقيق الاستقرار في البلاد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس