الانتخابات الليبية بين تعقيدات المشهد السياسي والأمني

28
الانتخابات الليبية بين تعقيدات المشهد السياسي والأمني
الانتخابات الليبية بين تعقيدات المشهد السياسي والأمني

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. منذ عام 2011، لا تزال ليبيا تعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، إذ تتوالى محاولات إعادة بناء الدولة وترسيخ المؤسسات الديمقراطية، غير أن هذه الجهود تصطدم بعوائق داخلية وخارجية، مما أدى إلى تأجيل العملية الانتخابية عدة مرات. تُعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية خطوة محورية ينتظرها الشعب الليبي، الذي أظهر استعداده للمشاركة الفعالة في بناء مستقبل أفضل، حيث بلغ عدد المسجلين في القوائم الانتخابية ثلاثة ملايين ليبي، ما يعادل 80% من الناخبين المؤهلين للتصويت، وفقًا لبيانات المفوضية الوطنية العليا للانتخابات. ورغم هذا التوجه الشعبي، يظل إجراء الانتخابات في ليبيا تحديًا، إذ تعرقلها قوى سياسية وعسكرية متنازعة تفتقر إلى الثقة المتبادلة وتختلف حول القوانين والإجراءات الانتخابية.

وفي حوارات “أفريقيا برس” مع بعض القوى والقادة السياسيين، رأى فتح الله بشير السعداوي “الحاجة إلى مرحلة انتقالية جديدة تفضي لإنتخابات برلمانية” في هذا السياق، يرى فتح الله بشير السعداوي، رئيس حزب المؤتمر الوطني، أن الوضع السياسي الليبي يزداد سوءًا مع مرور الوقت، خصوصًا بعد تصريحات بعثة الأمم المتحدة حول الحالة الراهنة في ليبيا.

وأوضح السعداوي أن الخلافات المستمرة حول تعيين مبعوث جديد للأمم المتحدة، بسبب تعنت بعض الأطراف الدولية مثل روسيا، قد زادت من الجمود السياسي ومنعت تقدم الحوار. ويدعو السعداوي إلى “مرحلة انتقالية جديدة تُشرف على الانتخابات وتتمتع بإطار زمني واضح”، مؤكدًا أن مثل هذه المرحلة قد تساعد في تجاوز الانقسامات وتؤمن تنظيم الانتخابات تحت إشراف دولي يضمن نزاهتها.

وأكد السعداوي على أن غياب الثقة بين الأطراف السياسية المتصارعة يُعَد أحد أبرز التحديات التي تعرقل إمكانية إجراء الانتخابات. ويرى أن القوى الحالية، في ظل الانقسام الحاد، لن تقبل بنتائج انتخابات قد تخدم طرفًا على حساب آخر، ما لم يتم إعداد بيئة انتخابية تضمن نزاهة وحيادية العملية. ويشير السعداوي إلى أن المجتمع الدولي يلعب دورًا محوريًا في دعم مقترح “مرحلة انتقالية محددة المهام”، تكون مهمتها إعداد القوانين الانتخابية العادلة وتهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات على مستوى ليبيا بالكامل.

بشير البخبخي: الانتخابات البرلمانية حل وسطي في ظل حالة الانسداد الرئاسي

بدوره، يرى المحلل السياسي بشير البخبخي أن ليبيا “تعيش في عنق الزجاجة”، حيث تفتقر مؤسسات الدولة إلى الشرعية الشعبية، ويقع البلد في قبضة مشروع سياسي يسعى لفرض أجندته بالقوة. وأكد البخبخي لـ “أفريقيا برس” أن “الوضع الحالي يحول دون إجراء انتخابات رئاسية؛ إذ يمثل هذا الاستحقاق حالة جدلية قد تؤدي إلى انسداد في العملية السياسية بسبب تعارض المصالح بين الأطراف المتنازعة”.

وأشار البخبخي إلى أن من الأفضل التوجه نحو “الانتخابات البرلمانية” فقط كحل وسط، حيث توفر هذه الانتخابات خطوة تجديد الشرعية البرلمانية وتخفف من حدة التوتر حول الانتخابات الرئاسية، التي يرى أنها أصبحت “محفوفة بالمخاطر”. وأوضح أن التحدي الأساسي يتمثل في صناعة قانون انتخابي قابل للتطبيق، إذ لم تكن القوانين الانتخابية التي وضعها البرلمان قابلة للتنفيذ، وهو ما أكده قرار مجلس الأمن رقم 2702 بضرورة وضع قوانين انتخابية عملية وواقعية.

وأكد البخبخي أن دور المجتمع الدولي في هذه المرحلة يجب أن يركز على دعم “الواقعي” من العملية الانتخابية، وتجنب السيناريوهات التي تؤدي إلى انسداد سياسي، مشددًا على أهمية مشاركة الأمم المتحدة في صياغة القوانين الانتخابية والإشراف على الانتخابات.

البشير الجويني: ضرورة بناء مناخ توافقي شامل

أما المحلل السياسي والخبير في الشأن الليبي، البشير الجويني، فقد أكد لـ “أفريقيا برس” أن “العملية الانتخابية تتطلب توافقًا شاملاً بين مختلف الأطراف السياسية والعسكرية”. ويرى الجويني أن التحدي الأكبر يكمن في القبول الشعبي لنتائج الانتخابات، وهو أمر ضروري لضمان نجاح المسار الديمقراطي. ويشير إلى أن الانتخابات ليست مجرد عملية إجرائية، بل هي “حالة مناخية كاملة”، تشمل تحقيق توافق واسع وتهيئة المناخ الأمني الذي يسهم في إنجاحها.

وأشار الجويني إلى أن الانتشار الواسع للأسلحة ووجود مؤسسات منقسمة يجعل من الصعب تجاوز العقبات الأمنية والهيكلية التي تعرقل العملية الانتخابية. ويرى أن دعم دول الجوار لليبيا يمكن أن يسهم في تعزيز الاستقرار، مشددًا على أهمية بناء بيئة انتخابية تسمح بمشاركة كل الأطراف.

وأضاف الجويني أن الانتخابات تتطلب مجموعة من القوانين التي تنظم المشاركة والترشح، مؤكدًا على أهمية خلق مناخ انتخابي مشجع يكفل للجميع حقوقهم السياسية، ويرى أن هذا الهدف يمكن تحقيقه فقط عبر دور فعال للمجتمع الدولي، وخصوصًا بلدان الجوار التي تستطيع لعب دور بناء في دعم المسار الديمقراطي في ليبيا.

دور المجتمع الدولي في تحقيق انتقال سلس نحو الديمقراطية

يتفق الخبراء والسياسيون في ليبيا على أن المجتمع الدولي يلعب دورًا رئيسيًا في تحقيق عملية انتخابية نزيهة وعادلة. ويرى البعض أن تأخير تعيين مبعوث جديد للأمم المتحدة يعمق الجمود السياسي، بينما يؤكد آخرون على أهمية تشكيل مرحلة انتقالية تضمن وضع القوانين الإنتخابية وتوفير بيئة آمنة للناخبين. وفي ضوء المواقف المتباينة بين الأطراف، تتضح الحاجة إلى دعم خارطة طريق جديدة تشرف عليها الأمم المتحدة، وتضمن مناخًا انتخابيًا يتميز بالنزاهة والمصداقية.

من الواضح أن التحديات التي تواجه الإنتخابات في ليبيا تتجاوز الإشكاليات القانونية أو الفنية، بل تمتد لتشمل انقسامات هيكلية وأمنية وسياسية. ويبدو أن تحقيق التوافق حول مرحلة انتقالية تسبق الانتخابات قد يشكل فرصة ثمينة لإخراج البلاد من دائرة الانقسام والجمود السياسي، في وقت يتطلع فيه الشعب الليبي إلى مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارا.

وتتسم العملية الإانتخابية في ليبيا بتعقيداتها الكبيرة، إذ تواجه تحديات متشابكة تتعلق بالانقسام السياسي والأمني، وعدم الثقة بين الأطراف المتصارعة، وغياب الأطر القانونية القابلة للتطبيق. ومع تسجيل نسبة كبيرة من الناخبين، يظهر بوضوح أن هناك رغبة شعبية في التغيير وإعادة بناء الدولة. ورغم هذه الرغبة، يتفق السياسيون والمحللون على أن نجاح الانتخابات يتطلب تهيئة بيئة توافقية وإرساء ضمانات تضمن نزاهة العملية وشفافيتها.

كما يبقى الدور الدولي حاسمًا في دعم أي خارطة طريق تؤدي إلى انتقال سياسي سلس، حيث يشير الخبراء إلى ضرورة أن تكون هناك مرحلة انتقالية قصيرة تسبق الانتخابات، تُمهد لبيئة آمنة وتضمن إشرافًا محايدًا. وإذا تضافرت الجهود المحلية والدولية لتحقيق هذه الأهداف، قد تصبح الانتخابات خطوة محورية تنقل ليبيا نحو الاستقرار والسلام، وتعيد إليها القدرة على تحقيق تطلعات الشعب في بناء دولة مدنية ديمقراطية يسودها الحق والقانون.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here