المهدي هندي
أفريقيا برس – ليبيا. منذ أكثر من عقد، تعيش ليبيا حالة من الدوران في حلقة سياسية مفرغة؛ تتبدل فيها المسارات والمبادرات، بينما تبقى النتائج شبه ثابتة. ومع انطلاق ما يُعرف بـ«الحوار المهيكل» برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، يعود السؤال الجوهري إلى الواجهة: هل نحن أمام مسار فعلي للحل، أم أمام آلية جديدة لإدارة الوقت وإطالة أمد الوضع القائم؟
لا يمكن إنكار أن بعثة الأمم المتحدة لعبت دورًا مهمًّا في مراحل مفصلية، خاصة في تثبيت وقف إطلاق النار ومنع الانزلاق نحو مواجهة عسكرية شاملة أو حتى عدم انقسام الدولة فعليًّا إلى دولتين . غير أن تطور دورها في المرحلة الحالية يثير تساؤلات متزايدة. فبدلًا من الدفع نحو حسم سياسي واضح، تبدو البعثة وكأنها تكتفي بإدارة توازن هش، عبر مسارات حوار متكررة لا تُفضي إلى قرارات ملزمة أو مساءلة حقيقية.
هذا النهج، بقصد أو من دونه، يمنح النخب السياسية التي أخفقت مرارًا شرعية متجددة، ويؤدي عمليًّا إلى «تدوير الأزمة» بدل تفكيكها، في ظل غياب واضح لآليات تنفيذ أو جداول زمنية صارمة.
في هذا السياق تبرز الأنباء المتداولة حول نية رئيس حكومة الوحدة الوطنية (عبدالحميد الدبيبة) إجراء تعديل وزاري واسع قد يشمل عددًا كبيرًا من الحقائب والمناصب التنفيذية. ويُقدَّم هذا التوجه بوصفه استجابة لحالات استقالة سابقة أو ملاحقات قضائية مرتبطة بملفات فساد، غير أن توقيته وطبيعته يطرحان تساؤلات حول أهدافه الحقيقية.
فالتعديل المرتقب لا يبدو في جوهره، جزءًا من مسار إصلاحي متكامل، بقدر ما يُقرأ كمحاولة لإعادة ترميم صورة الحكومة وإعادة ترتيب موازين داخلية، عبر الاستغناء عن شخصيات تآكل حضورها السياسي أو أصبحت عبئًا على السلطة التنفيذية، في خطوة تهدف إلى كسب الوقت واحتواء الضغوط المحلية والدولية.
القلق الأكبر يتمثل في التقاطع الواضح بين التحركات الحكومية ومسار «الحوار المهيكل» الذي ترعاه الأمم المتحدة. فالمعطيات المتداولة تشير إلى أن هذا الحوار، بصيغته الحالية، يقوم على توصيات غير ملزمة وجدول زمني مفتوح، ما قد يحوله إلى مظلة زمنية تضمن استمرار الوضع القائم لفترة أطول.
إطلاق مسار حواري يمتد لأشهر، يتبعه تشكيل لجان إضافية، من شأنه عمليًّا إرجاء أي استحقاق حاسم، وربما تأمين بقاء السلطة التنفيذية الحالية حتى منتصف عام 2026. هذا الواقع يعزز الانطباع بأن المجتمع الدولي رغم خطابه الداعم للحل السريع، يفضّل مقاربة تقوم على «الاستقرار المُدار» بدلًا من معالجة جذور الأزمة.
تبدو أولويات الفاعلين الدوليين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، مركّزة على ضمان استمرار تدفق النفط ومنع انفجار أمني واسع، حتى وإن كان ذلك على حساب معالجة الانقسام السياسي العميق. وفي هذا الإطار تتحول ليبيا إلى نموذج لـ«الفوضى المسيطر عليها»، حيث يُدار الانهيار بدلًا من وقفه، وتُترك الشرعيات المتآكلة قائمة ما دامت تؤدي وظيفة الحد الأدنى من الاستقرار.
لا تعاني ليبيا من نقص في المبادرات، بقدر ما تعاني من غياب الإرادة السياسية للحسم. فأي حوار لا يُقترن بآليات تنفيذ واضحة ومواعيد نهائية ملزمة ومحاسبة فعلية للمعرقلين، سيظل مجرد تمرين سياسي يضاف إلى سجل طويل من الفرص الضائعة.
إن بناء الدولة لا يتحقق بتغيير الوجوه أو إطالة المسارات، بل بإنهاء ازدواجية السلطة وإعادة القرار إلى الشعب عبر عملية سياسية واضحة المعالم. ودون ذلك ستبقى ليبيا رهينة حلول مؤجلة، تُصاغ خارج حدودها، بينما يستمر تآكل ما تبقى من مؤسساتها في الداخل.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس





