تامر هنداوي
أفريقيا برس – ليبيا. جاء مشهد انسحاب وزير الخارجية المصري سامح شكري من الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة 158 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري الأسبوع الماضي، في القاهرة، مع تسليم رئاسة الدورة لوزيرة خارجية حكومة الوحدة الوطنية الليبية نجلاء المنقوش، شارحا للموقف المصري من التطورات السياسية الليبية.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أن الانسحاب جاء تحفظاً على تولي نجلاء المنقوش رئاسة الدورة، وهي وزيرة خارجية حكومة منتهية ولايتها. وتسلمت نجلاء المنقوش، ممثلة ليبيا، رئاسة أعمال الدورة الـ158 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري.
ويأتي ذلك في الوقت الذي أعربت فيه الحكومة المكلّفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا عن رفضها تولي حكومة الوحدة الوطنية رئاسة الدورة الـ158 لمجلس جامعة الدول العربية.
وذكرت حكومة باشاغا أنّ الجامعة العربية بهذا الإجراء تخالف دورها المعهود في التضامن الكامل مع دولة ليبيا في أزمتها ومساعدتها على وحدة أراضيها والاعتراف بالحكومة الليبية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الليبي.
وأضافت أنّ مثل هذه الإجراءات تهدد الاستقرار ووحدة ليبيا وتمثل الانحياز إلى طرف سياسي منتهي الولاية وفاقد الشرعية والقانونية، وفقاً لتعبيرها.
وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان إحداهما منتهية ولايتها في طرابلس برئاسة عبدالحميد الدبيبة، وأخرى مكلفة من البرلمان بقيادة فتحي باشاغا المدعوم من الجنرال خليفة حفتر. وتدعو مصر إلى الاعتراف بالحكومة التي صادق عليها البرلمان الليبي وتعتبر أن شرعية حكومة الدبيبة منتهية.
وفي مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، قالت نجلاء المنقوش: نحن نحترم موقف وزير الخارجية سامح شكري ولكن ليس بالضرورة أن نتوافق معه، لأنه مخالف لميثاق جامعة الدول العربية وقرارات مجلس الأمن، ومعروف أن حضوري اليوم مدعوم بمواثيق دولية.
وردا على سؤال حول سبب عدم اعتذار ليبيا عن رئاسة هذه الدورة مثلما حدث سابقا لتفادي وقوع أزمة داخلية للعمل العربي، قالت المنقوش: لا توجد أزمة، ما حدث هو اختلاف في وجهات النظر، ودائما هناك اختلافات في وجهات النظر، هناك وجهة نظر سياسية معينة قد نختلف أو نتفق معها، وموضوع النقاش كان سلسا جدا، واستمرت الدورة ونجحت وترأستها ليبيا.
ولم تمثل ليبيا مجرد دولة حدودية مع مصر خلال السنوات الماضية، خاصة بعد عام 2013 وتولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المسؤولية عقب الإطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي، بل اعتبر النظام المصري أن استقرار ليبيا وسيطرة فصيل موال لمصر يمثل تأمينا للحدود المصرية باعتبارها كانت معبرا للمسلحين الإسلاميين الذين يتخذون من ليبيا مقرا لشن هجمات في مصر خاصة في الصحراء الغربية، إضافة إلى ملف غاز شرق المتوسط الذي شهدا صراعا كبيرا بين مصر وتركيا بشكل خاص.
وأمام فشل الحل العسكري في حسم الصراع في ليبيا طوال السنوات الماضية، ظهرت الرغبة لدى جميع الأطراف في اعتماد الحل السياسي، وربما كان لفشل المشير خليفة حفتر- في تحقيق نجاح عسكري فيما سمي بمعركة طرابلس ضد حكومة الوفاق الوطني – الدور في لجوء الأطراف المحلية والدولية لطرق جديدة تعتمد الحل السياسي.
وعادت المخاوف للقاهرة مرة أخرى من عودة الملف الييبي للاستقطاب العسكري بدلا من السياسي، بعد أن شهدت طرابلس قبل أيام اشتباكات عنيفة بين قوات حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، وقوات باشاغا رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب، راح ضحيتها 32 قتيلا و159 جريحا، حسب إحصاءات رسمية.
وفي أول رد فعل على اشتباكات العاصمة، دعت الخارجية المصرية جميع الأطراف الليبية إلى وقف التصعيد واستئناف الحوار، وضرورة حماية المدنيين.
وفي بيان مقتضب، أكدت الخارجية حرص مصر على توصل الأشقاء الليبيين إلى حل ليبي ليبي توافقي، على نحو يلبّي تطلعاتهم ورؤيتهم للانطلاق نحو المستقبل، ويحقق الاستقرار المنشود.
وتنذر الاشتباكات الأخيرة بأن الأوضاع في ليبيا بدأت الانتقال من الاستقطاب السياسي إلى العودة إلى العنف المسلح، ما تعتبره القاهرة خطرا على الأمن القومي لمصر، وعلى ملايين المصريين الذين تعدّ ليبيا مصدر رزقهم الوحيد سواء بالعمل أو التجارة، كما أن للقضية أبعادًا إقليمية ودولية متشابكة مع المصالح المصرية.
واستضافت العاصمة الألمانية برلين، على مدار يومين، مؤتمرا دوليا حول الأزمة الليبية بحضور ممثلي مجموعة خمس دول غربية ومصر وتركيا.
وتسعى برلين لدعم جهود استقرار ليبيا من خلال المؤتمر الذي عقد بصيغة 3+2+2 والتي تشمل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة باعتبارها 3 أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي إضافة لإيطاليا وألمانيا، ويضاف إليهما مصر وتركيا، برعاية الأمم المتحدة.
وشددت الخارجية الألمانية، في بيان أعلنت فيه استضافتها للمؤتمر، على الالتزام الألماني بدعم جهود تحقيق السلام المستدام في ليبيا، دون أن تكشف محاور المناقشات.
وقال سفير ألمانيا لدى ليبيا مايكل أونماخت عبر حسابه الرسمي على «تويتر» إنه شارك مع المبعوث الألماني الخاص لليبيا كريستان بوك في الاجتماع مع مبعوثي الدول المذكورة لمناقشة الأوضاع في ليبيا، مؤكدا أن الوحدة الدولية ضرورية إذا أردنا مساعدة ليبيا في إيجاد حل مستدام.
انتخابات مبكرة
من جانبها، أعلنت سفارة الولايات المتحدة الأمريكية، أن المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، سافر برفقة نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون شمال أفريقيا جوشوا هاريس إلى برلين في الفترة من 8 إلى 9 أيلول/سبتمبر، لإجراء محادثات مع الشركاء الدوليين بشأن الجهود المشتركة لدعم السلام والاستقرار في ليبيا.
وقال نورلاند: «تنضم الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة والشركاء الدوليين في دعوة جميع الأطراف في ليبيا للانخراط في الحوار والعمل بحسن نية على خريطة طريق ذات مصداقية لإجراء انتخابات مبكرة». وتابع «لقد أكدت من جديد على هذا الهدف في مكالمتي يوم 6 أيلول/سبتمبر مع رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح والتي اتفقنا فيها على أنه من الضروري إجراء الانتخابات دون تأخير».
وسبق أن عقدت الدول السبع، 3 جولات سابقة من الاجتماعات في تموز/يوليو الماضي في إسطنبول، ومطلع حزيران/يونيو الماضي في تونس، والاجتماع الثالث جرى في العاصمة الإيطالية روما نهاية الشهر نفسه.
واتفقت هذه الدول في اجتماعاتها على 3 مبادئ لحل الأزمة، وهي ضرورة قيام قادة ليبيا بإكمال المسار الدستوري للانتخابات، والحفاظ على حياد المؤسسة الوطنية للنفط والمناصب السيادية، وضرورة ضمان الاستخدام الشفاف والعادل للموارد الليبية.
وشهد آب/اغسطس الماضي، تحركات للقاهرة بشأن الوضع في ليبيا، من خلال زيارة غير معلنة لكلّ من رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري إلى القاهرة.
وشهدت الزيارة بحث ملفين أساسيين، هما التشاور بشأن تشكيل حكومة جديدة في ليبيا يكون بمقدورها تحقيق التوافق بين الأقاليم الليبية والعمل على ترتيب الوضع وتهيئته لإجراء الاستحقاقات الانتخابية، وإعادة إطلاق مسار المفاوضات بشأن المسار الدستوري، والتوافق على القاعدة الدستورية.
وفشلت اللجنة الدستورية المشتركة المشكَّلة من أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة في التوافق على كل القوانين الانتخابية خلال جولتين من المفاوضات استضافتهما القاهرة منتصف العام الجاري، قبل أن يفشل أيضاً اللقاء الذي عُقد في مدينة جنيف السويسرية في حزيران/يونيو الماضي بين صالح والمشري في التوصلّ لحل بشأن المواد الخلافية، التي تتعلق بشروط الترشح للانتخابات الرئاسية، والتي شكّلت السبب الأساسي في انهيار العملية الانتخابية التي كانت مقررة في الرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وتسعى القاهرة إلى اعتماد حل للأزمة السياسية الليبية يتمثل في تشكيل حكومة جديدة مصغرة، تكون مهمتها تصريف الأعمال اليومية العاجلة، والتحضير للانتخابات، التي يتوافق الجميع على أنها الحل الأمثل للأزمة في ليبيا.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس