القضاء الليبي في طاحونة الخلافات السياسية

القضاء الليبي في طاحونة الخلافات السياسية
القضاء الليبي في طاحونة الخلافات السياسية

المهدي هندي

أفريقيا برس – ليبيا. يشهد المشهد القضائي في ليبيا واحدة من أكثر مراحله تعقيدًا منذ سقوط النظام السابق، إذ تعمّقت التوترات بين مؤسسات الدولة المنقسمة سياسيًّا بين الشرق والغرب، لتصل إلى قلب السلطة القضائية، التي ظلت لعقود تُعد آخر خطوط التماسك المؤسسي في البلاد.

في الآونة الأخيرة، تصاعد الجدل حول شرعية المؤسسات القضائية عقب إنشاء المحكمة الدستورية العليا في بنغازي بقرار من مجلس النواب “قانون رقم 5 لسنة 2023 م” ، وإعلانها إلغاء الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في طرابلس، ما اعتُبر خطوة مثيرة للانقسام القانوني والسياسي. هذه التطورات جاءت بعد سلسلة من الخلافات حول الأحكام القضائية ومدى إلزاميتها في ظل ازدواج السلطات التنفيذية والتشريعية.

من جهة، أكد المجلس الرئاسي الليبي على ضرورة احترام استقلال القضاء وحماية الحقوق، واعتبر أن الأحكام القضائية، خصوصًا تلك التي أبطلت محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، تمثل انتصارًا لسيادة القانون والحريات العامة. وشدد أعضاء المجلس على أن القضاء يجب ألا يُستخدم كأداة في الصراع السياسي، محذرين من محاولات تسييسه أو الضغط عليه.

في المقابل، اعتبر رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب “أسامة حماد” أن قرارات المحكمة العليا في طرابلس تفتقر إلى الشرعية، بدعوى أن الدائرة الدستورية السابقة قد أُلغيت قانونًا. هذا الموقف يعكس اتساع الهوة بين المؤسستين التنفيذيتين المتنازعتين، ويؤكد أن الخلاف لم يعد سياسيًّا فحسب، بل قانونيًّا ودستوريًّا أيضًا.

إنشاء المحكمة الدستورية العليا في بنغازي مثّل منعطفًا حادًّا في مسار القضاء الليبي. فبينما يرى مؤيدو الخطوة أنها مبنية على قانون صادر عن سلطة تشريعية منتخبة، يصفها منتقدوها بأنها سابقة خطيرة تهدد وحدة القضاء وتكرّس الانقسام المؤسسي.

عضو مجلس النواب “خليفة الدغاري” مثلًا حذر من “ازدواجية قضائية” قد تُقوّض الجهود المبذولة للحفاظ على وحدة الجهاز القضائي، فيما رأى خبراء قانونيون أن إنشاء المحكمة دون وجود دستور نافذ يُفقدها الأساس الشرعي الكامل.

وفي المقابل، دافع عدد من النواب عن شرعية المحكمة، مؤكدين أن مجلس النواب يملك صلاحية تشريعية كاملة في المرحلة الانتقالية، وأن أي طعن في ذلك هو محاولة لإحداث “فراغ قانوني” جديد يعمّق الأزمة.

يرى مراقبون أن استمرار هذا الصراع القانوني بين الشرق والغرب سيؤدي إلى ازدواج المرجعيات القضائية ويُفقد الثقة في مؤسسات العدالة، خاصة إذا باتت الأحكام الصادرة من طرابلس أو بنغازي تُقابل بالرفض من الطرف الآخر.

ويحذّر رئيس المجلس الأعلى للقضاء، المستشار “مفتاح القوي”، من أن استمرار الانقسام “قد يقوّض ما تبقى من هيبة القضاء الليبي”، داعيًا إلى تغليب المصلحة الوطنية وإبعاد القضاء عن التجاذبات السياسية.

تؤكد المعطيات أن الحلّ لا يمكن أن يكون قانونيًّا بحتًا، بل سياسيًّا بالدرجة الأولى، إذ أن توحيد القضاء يتطلب توافقًا شاملًا بين الأطراف المتنازعة على مرجعية دستورية واحدة. ويبدو أن إعادة بناء الثقة بين المؤسسات، واحترام الشرعية القانونية القائمة، هما الطريقان الوحيدان لإنقاذ ما تبقى من وحدة الدولة الليبية ومؤسساتها.

يبقى القضاء الليبي، رغم ما يواجهه من تحديات، حجر الزاوية في أي مشروع وطني حقيقي لإعادة بناء الدولة. غير أن استمراره كأداة عدالة مستقلة يتوقف على قدرة الأطراف السياسية على تجاوز انقساماتها واحترام حدوده الدستورية، قبل أن يتحول إلى ساحة أخرى من ساحات الصراع الذي أنهك البلاد منذ أكثر من

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here