الكتاب المدرسي مرآة للفساد في الحالة الليبية

الكتاب المدرسي مرآة للفساد في الحالة الليبية
الكتاب المدرسي مرآة للفساد في الحالة الليبية

ناشط سياسي

أفريقيا برس – ليبيا. يشبه المشهد التعليمي في ليبيا هذه الأيام سباقًا يتعثر عند كل خطوة؛ أشبه بطفل يحمل حقيبته المدرسية ولكنه يقف أمام باب مغلق، ينتظر من يفتح له الطريق إلى الدرس الأول.

فالمشكلة لم تعد مجرد تأخر في وصول الكتب، بل تحوّلت إلى قضية رأي عام تكشف تراكمًا من الإهمال وسوء الإدارة وتداخل المصالح، بما جعل حق مليوني طالب عرضة للتجاذبات وتحركات القضاء.

سباق مع الزمن… ومحاولات “إنقاذ” متأخرة

أعلنت وزارة التعليم في حكومة الوحدة الوطنية عن استلام عدد من المراقبات شحنات جديدة من الكتاب المدرسي، بعضها وصل بعد أسابيع من بداية العام الدراسي. شحنات توزعت على مناطق مثل بني وليد، سرت، الزاوية، مصراتة، وسوق الجمعة وغيرها؛ خطوة اعتبرتها الوزارة “جزءًا من خطة التوزيع”، لكنها في الميدان بدت أشبه بمحاولة لتدارك تقصير وقع بالفعل.

فالمدارس – وفق نقيب معلمي طرابلس – لم تستلم سوى 70% من الكتب حتى منتصف نوفمبر، فيما بقيت الكميات المتبقية عالقة في مطابع إيطاليا، في تكرار شبه مطابق لأزمة العام الماضي.

من التقصير إلى الإضرار بالمصلحة العامة

التحول الحاسم جاء من جهة القضاء. ففي بداية نوفمبر أمرت النيابة العامة بحبس وزير التعليم المكلف “علي العابد”، إضافة إلى مدير مركز المناهج التعليمية والبحوث التربوية، على خلفية ملف طباعة الكتب.

التهم الموجهة لم تقف عند حدود سوء الإدارة؛ فقد أكدت النيابة أن التجاوزات أضرت بالمصلحة العامة وأخلّت بحق الطلاب في الوصول إلى مصادر التعلم الأساسية.

وجاء في التحقيقات أن الوزير كلّف شركة البشير للطباعة – وهي شركة حديثة التأسيس – بطباعة الكتب، وشرع في فتح اعتماد مستندي بقيمة 9 ملايين دولار لصالحها، رغم الملاحظات الرقابية. تدخل مصرف ليبيا المركزي لاحقًا لإيقاف الاعتماد لكن بعد أن كان الضرر قد وقع بالفعل.

الأزمة لا تبدو جديدة فحبس العابد يأتي بعد أشهر فقط من حكم قضائي سابق بسجن الوزير السابق “موسى المقريف” بتهم تتعلق بالمحسوبية في عقود الطباعة. ما يعني أن المشكلة أصبحت بنية معطوبة في ملف التعاقدات، لا مجرد خطأ فردي أو تقصير مرحلي.

ديوان المحاسبة… رقابة استباقية أمام تراكم الشبهات

ولم يكتفِ ديوان المحاسبة بالرصد اللاحق للمخالفات؛ فقد أعلن عن وجود خروقات مالية وإدارية “جسيمة” في عقود طباعة وتوريد الكتب، مؤكدًا أن هذه المخالفات كانت سببًا مباشرًا في التأخير.

وفي خطوة لافتة، قرر الديوان إخضاع جميع معاملات طباعة الكتب للعام الدراسي 2025–2026 لرقابة مصاحبة مسبقة، في محاولة لقطع الطريق على أي تجاوزات محتملة.

خاتمة: حين يتحول الكتاب إلى مؤشر دولة

الأزمة المتكررة ليست مجرد خلل في إدارة ملف خدمي، بل هي مرآة تعكس وضعًا أعمق. فحين يصبح الكتاب المدرسي – وهو أبسط أدوات التعليم – أزمة مزمنة تتكرر عامًا بعد عامٍ، فهذا يعني أن الخلل لم يعد في الورق والحبر، بل في منظومة تصنيع القرار، وفي مسارات التعاقد وفي غياب خط دفاع مؤسسي يحمي المصلحة العامة.

قد يكون الحل كما يقترح مختصون، في إنشاء مطبعة حكومية داخل ليبيا أو حتى عدة مطابع في الشرق والغرب والحنوب علي سبيل المثال، أحدها تختص بالتعليم الأساسي وأخرى بالمتوسط وهكذا، أو على الأقل اعتماد آليات تعاقد أكثر صرامة وشفافية.

فالكتاب المدرسي ليس مجرد مادة مطبوعة؛ إنه مؤشر على أمن تعليمي، وقياس لقدرة الدولة على حماية مستقبل أطفالها، قبل أن يكون بندًا في ميزانية أو صفقة في ملف التوريد.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here