اللجوء الأوروبي… طوارئ في إيطاليا واتهامات لبروكسل

7
اللجوء الأوروبي... طوارئ في إيطاليا واتهامات لبروكسل
اللجوء الأوروبي... طوارئ في إيطاليا واتهامات لبروكسل

ناصر السهلي

أفريقيا برس – ليبيا. تتكثف المؤشرات إلى تزايد الضغط على نظام اللجوء الأوروبي، بحسب أرقام حديثة أصدرتها السلطات الإيطالية ومفوضية اللجوء التابعة للأمم المتحدة. ويشهد مسار البحر الأبيض المتوسط خصوصاً ارتفاع عدد القوارب التي تحاول الوصول إلى شواطئ القارة، وأعلنت إيطاليا وحدها وصول نحو 30 ألف مهاجر إلى أراضيها أخيراً من أصل 40 ألف عبروا المتوسط، وتوزع 5 آلاف منهم أيضاً على إسبانيا و4 آلاف على اليونان، وقصد الباقون مالطا وقبرص. وهذا العام قضى أكثر من 522 من هؤلاء المهاجرين غرقاً حتى منتصف إبريل/ نيسان.

وكان وصول أكثر من 105 آلاف مهاجر إلى إيطاليا العام الماضي بين 160 ألفاً عبروا من البحر المتوسط إلى أوروبا، حتم إعادة دق حكومة اليمين المتشدد في إيطاليا بزعامة جورجيا ميلوني جرس الإنذار في شأن الوضع السائد.

ويلاحظ مسؤولون أوروبيون وقيمون على وكالات للهجرة واللجوء أن نماذج جديدة من الهجرة بدأت تظهر، وبينها تزايد من يحاولون الوصول إلى أوروبا عبر وسط البحر الأبيض المتوسط من جنسيات مصرية وتونسية.

وتعتقد إيطاليا تحديداً بأن الأمور وصلت إلى مرحلة حرجة مع إعلان بلوغ عدد المهاجرين إلى أراضيها 30 ألفاً، وهو أعلى ثلاث مرات من الفترة نفسها العام الماضي. وترافق مع تزايد أرقام المراكب التي أنقذ ركاب على متنها من الغرق خلال توجههم إلى جزيرة لامبيدوزا خصوصاً، إلى جانب صقلية والطرف الجنوبي من البر الرئيس في كالابريا.

وخلال إجازة عيد الفصح الأخير في إبريل/ نيسان الماضي، واجهت روما أكثر من 40 قارب مهاجرين على متنها أكثر من 3000 راكب كانوا في طريقهم إلى جزرها، ما شكل وضعاً غير مسبوق خصوصاً في لامبيدوزا، حيث تعتبر ظروف عيش القادمين سيئة جداً في ظل عدم توفر عدد كافٍ من المرافق العامة والحمامات والمراحيض، علماً أن مركز الإيواء في لامبيدوزا يعتبر الأكبر لاستقبال مهاجرين ولاجئين في إيطاليا، لكنه مجهّز لاستقبال 450 شخصاً فقط، بينما يكتظ اليوم بنحو 1800، ما يعني بحسب المسؤولة في منظمة “ميديترينيان هوب” للإغاثة مارتا برنارديني أن “أشخاصاً كثيرين يقضون الليل في الخارج”.

إجراءات إيطالية

وبعد عيد الفصح الأخير أعلنت الحكومة الإيطالية حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر من أجل تخصيص مزيد من الأموال لتحسين ظروف مراكز الإيواء، واتخاذ إجراءات تنفيذية سريعة لإعادة المهاجرين واللاجئين إلى النقاط التي انطلقوا منها. وسيلحظ هذا القانون رفض منح القادمين من الجنسيتين المصرية والتونسية حق اللجوء تلقائياً، بعدما زادت أرقامهم من شواطئ دول شمال أفريقيا.

وسبق أن أبرمت روما اتفاقاً باسم “إعادة توطين” مع السلطات التونسية كي تستقبل الأخيرة كل من يجري استبعادهم، تمهيداً لترحيلهم إلى دولهم الأصلية في أسرع وقت.

رسائل إلى الاتحاد الأوروبي

ويعتبر الباحث في مجال الهجرة بالعاصمة الدنماركية كوبنهاغن، جون فيسترغورد، أن “إعلان حالة الطوارئ في إيطاليا “هو دعوة للاتحاد الأوروبي من أجل التدخل والتعامل بشكل مختلف مع الضغوط التي تتعرض لها إيطاليا الدولة الأكثر استقبالاً للمهاجرين واللاجئين الذين يسعون إلى بلوغ أوروبا”. ويؤكد أن “السياسات التي تنتهجها ميلوني توجه أيضاً رسالة إلى المجتمع الإيطالي بأن أمواله تصرف على اللاجئين، في سبيل الإبقاء على الدعم الشعبي لسياساتها المتشددة، وإيجاد رأي عام يمارس ضغوطاً على أعضاء الاتحاد الأوروبي لتنفيذ مهمات تخفيف الأعباء عنها”.

وبالفعل انتهجت روما سياسات أكثر صرامة في منطقة البحر الأبيض المتوسط لوقف تدفق الهجرة، وفرضت عقوبات أشد على مشبوهين في تورطهم بتهريب البشر، وقررت الاستمرار في تطبيق سياسة فرض قيود على عمليات سفن ومراكب الإنقاذ الخاصة بالمنظمات الإغاثية والإنسانية، وتعليق تطبيق اتفاق دبلن المبرم مع الدول الأوروبية في شأن اللاجئين.

وتفيد منظمات تتولى مراقبة عمل خفر السواحل الأوروبي، بأن “البحرية الإيطالية تطبق إجراءات أكثر تشدداً قد تشبه تلك التي تعتمدها البحرية اليونانية في عملياتها لصد مراكب اللاجئين، وتشمل أيضاً عدم الاستجابة لنداءات الإنقاذ قبل غرق المراكب وتحطمها وتوقف بعضها في عمق البحر”، علماً أن مسؤولين في منظمات حقوقية وقانونيين أوروبيين يدرسون حالياً مدى تطابق القانون الجديد للطوارئ مع الاتفاق الأوروبي لحقوق الإنسان.

قضية التونسيين الأربعة

وعموماً ليست السياسات الإيطالية المتشددة وليدة تسلّم تحالف اليمين القومي المتشدد بزعامة السياسية المتهمة بميولها الفاشية ميلوني الحكم العام الماضي، إذ أنها تعود إلى سنوات طويلة، لكن روما وجدت نفسها أخيراً أمام حكم قضائي أصدرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ في شأن قضية أربعة تونسيين أنقذوا عام 2017، ووضعوا في مركز استقبال في لامبيدوزا، ثم اعتقلوا لمدة 10 أشهر في شكل غير قانوني من أجل إجبارهم على توقيع أوراق لم يفهموا محتواها، ثم تبين لاحقاً أنها وثائق لترحيلهم إلى تونس. واعتبرت المحكمة الأوروبية هذا الأمر خرقاً لحقوق هؤلاء التونسيين في تقديم لجوء، وشددت على عدم قانونية قرار منعهم من دخول إيطاليا مدى الحياة.

ويذكر فيسترغورد أن “إيطاليا تخشى حالياً أن يصبح القرار القضائي الأوروبي الأخير سابقة يستخدمها اللاجئون والمنظمات الحقوقية في المستقبل لنقض أو ربما إلغاء سياسات الترحيل المريبة التي تطبقها بهدف ردع الوصول إلى أراضيها، من خلال اتفاقات مبرمة مع تونس وأطراف في ليبيا”، علماً أن محامية التونسيين الأربع، لوسيا جيناري، صرحت بأن قضايا مماثلة سترفع في المستقبل أمام المحكمة الأوروبية.

توسّع استشعار الخطر

على صعيد آخر، تشعر دول أوروبية أخرى في غرب وشمال القارة بتزايد عدد القادمين من شمال أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، واتخذت بعضها فعلياً إجراءات احترازية أكثر صرامة في شأن منح اللجوء، وبينها الدنمارك والنمسا وهولندا وبلجيكا وفرنسا.

وفي السياق ترغب السلطات الدنماركية في تسريع تطبيق اتفاق أبرمته مع رواندا لترحيل طالبي لجوء إليها، بحسب ما قالت وزارة الهجرة التي أعلنت أن “ضغوط طالبي اللجوء وغرق مزيد منهم في البحر الأبيض المتوسط يذكّر بالوضع أثناء أزمة اللاجئين عام 2015، حين ارتفع عدد الذين قدموا طلبات لجوء في القارة إلى نحو مليون شخص”.

وكانت النمسا رفعت الصوت عالياً العام الماضي بعدما وصل 100 ألف لاجئ إلى أراضيها مع تزايد عمليات التهريب عبر طريق البلقان خصوصاً من الجنسية الهندية. أوضحت فيينا أن تهريب الهنود يحصل من خلال السفر إلى صربيا ثم إلى المجر وصولاً إلى النمسا. كما زادت أرقام الهجرة واللجوء بعدما استعاد طريق روسيا وبيلاروسيا نشاطه في تهريب آلاف إلى دول الاتحاد الأوروبي الذي يعتبره سياسيون غربيون محاولات روسية للضغط على القارة.

تحذير دنماركي

وتعليقاً على الزيادة المتوقعة في عدد المهاجرين واللاجئين، يحذر الوزير الدنماركي ديبفاد بيك من أن نظام اللجوء الأوروبي سيصل إلى نقطة انهيار إذا استمرت المعدلات نفسها، ويتوقع أن تشهد بلاده الصغيرة التي يسكنها 5.5 ملايين شخص ضغوطاً هائلة على نظام دراسة الطلبات التي سيكون التعامل معها أكثر صعوبة من مرحلة ذروة قدوم اللاجئين عام 2015. من هنا تعزز السلطات الدنماركية تدابير مراقبة حدودها البرية الوحيدة مع ألمانيا لمنع دخول “غير المخولين” من خلال فحص جوازات السفر، وأيضاً إعادة من يحاولون الانتقال إلى السويد عبر أراضيها.

ويشير بيك، خلال حديثه عن مخاطر عودة أزمة اللجوء إلى سابق عهدها، إلى أن القارة الأوروبية تضم ملايين المقيمين بصفة غير قانونية، وآخرين في أماكن بعيدة عن عيون الشرطة، ولا تخضع لأنظمة مراقبة الهجرة. ويقول إن “بروكسل (الاتحاد الأوروبي) نائمة، في وقت تزداد أرقام اللاجئين والمتخفين عن الأنظار، وغالبيتهم من الذكور الذين يعيشون في ظروف سيئة باعتبار أن بعض المرافق لم تعد قادرة على استيعاب أعداد القادمين، كما الحال في بلجيكا التي استقبلت 35 ألفاً منهم العام الماضي، وهولندا 40 ألفاً، والرقمان مرتفعان مقارنة بالسنوات الماضية”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here