المهدي هندي
أفريقيا برس – ليبيا. يشهد شرق البحر الأبيض المتوسط تصعيدًا جديدًا يضع ليبيا في قلب صراعٍ إقليميٍ معقدٍ حول حقوق التنقيب عن النفط والغاز. فقرار اليونان الأخير بمنح أربع مناطق بحرية لتحالفٍ تقوده شركة “شيفرون” الأمريكية، رغم اعتراض ليبيا، يُعَدّ تحديًا مباشرًا للموقف الليبي ولـ مذكرة التفاهم التركية-الليبية لترسيم الحدود البحرية الموقَّعة عام 2019.
يشير هذا التطور إلى أن الحدود البحرية الغنية بالهيدروكربونات أصبحت ساحة “لعبة كبار” تتداخل فيها مصالح الطاقة والنفوذ الجيوسياسي، مما يهدد بزيادة التوتر في المنطقة.
في خضمِّ الانقسام السياسي وتعقيد المشهد الإقليمي، تجد ليبيا نفسها في موقفٍ بالغ الحساسية؛ ففي الوقت الذي تسعى فيه حكومة الوحدة الوطنية لتعزيز حقوقها البحرية والحفاظ على تحالفها الاستراتيجي مع تركيا، تبقى الساحة الداخلية منقسمة، مما يعرقل اتخاذ موقفٍ موحَّد إزاء هذه التحديات الإقليمية.
تؤكد حكومة طرابلس على أهمية الحوار الأخوي مع جيرانها، وتحديدًا مصر واليونان، للوصول إلى حلٍّ تفاوضي بشأن ترسيم الحدود، وفقًا لما أكده محمد الحراري، رئيس لجنة ترسيم الحدود الليبية، مشددًا على أن اعتراض الدولتين حقٌّ مكفولٌ في إطار القانون الدولي.
في المقابل، أودعت مصر مذكرة احتجاجٍ لدى الأمم المتحدة، رافضةً الاتفاقية الليبية-التركية ومعتبرةً إياها “باطلة”. هذه التطورات تضع الاتفاقية في ميزان الشرعية الدولية والإقليمية، وتبرز عمق الخلاف حولها.
يُعدّ الموقف الداخلي لمجلس النواب الليبي في شرق البلاد العاملَ الأكثر غموضًا وتأثيرًا. ففي ظل تحسُّنٍ ملحوظٍ في العلاقات بين شرق ليبيا وتركيا مؤخرًا، يظل تبنّي البرلمان لاتفاقية عام 2019 محلَّ شكٍّ كبير.
من المحتمل أن يستغل المجلس حالة التنافس الإقليمي لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية، أو للمطالبة بإعادة النظر في الاتفاقية بما يتوافق مع مصالح جميع الأطراف الليبية. هذا التشتت في الموقف الرسمي يخدم، بشكلٍ غير مباشر، مصالح الدول المعارضة للاتفاقية.
من جهة أخرى من المتوقع أن تظل المفاوضات المتعلقة بالحدود البحرية قائمة، ولكن فرص قبول مجلس النواب للاتفاقية بصيغتها الحالية تبدو ضئيلة. وعليه، فإن المشهد يتجه نحو ثلاثة احتمالات رئيسية:
* المسار التفاوضي: اللجوء إلى مفاوضاتٍ مباشرة بين ليبيا وتركيا من جهة، ومصر واليونان من جهة أخرى، للوصول إلى ترتيبات لترسيم الحدود تُرضي جميع الأطراف.
* التحكيم الدولي: قد تضطر الأطراف إلى اللجوء إلى محكمة العدل الدولية أو محكمة قانون البحار لحسم النزاع حول المناطق المتداخلة.
* تجميد النزاع: استمرار التوترات دون حل، وبقاء الاتفاقية غير مُصدَّقٍ عليها من البرلمان الليبي، مع استمرار كل طرفٍ في إجراءاته الأحادية (مثل منح عقود التنقيب) في المناطق التي يعتبرها تابعةً له.
إن قرار اليونان الأخير، المدعوم بشركة نفطٍ عملاقة مثل شيفرون، يضع مزيدًا من الضغط على السلطات الحاكمة سواء في الشرق أو في الغرب، ويدفعهما نحو تسريع خطواتهما لتوحيد الموقف الداخلي وتفعيل الدبلوماسية لترسيم الحدود الغنية بالموارد قبل أن تتآكل الحقوق البحرية بفعل الإجراءات الأحادية والتنافس الإقليمي المحتدم.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس





