عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. في ظل تصاعد التوترات الأمنية في العاصمة الليبية طرابلس، عاد الملف الأمني مجددًا إلى صدارة المشهد السياسي، وسط تساؤلات عن مدى جدية الحكومة في التعامل مع سطوة الجماعات المسلحة، وقدرتها على فرض هيبة الدولة، وبسط نفوذها على المؤسسات السيادية.
جاءت تصريحات رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، لتفتح الباب واسعًا أمام تحليلات سياسية وقانونية متباينة، بين من يراها خطوة نحو فرض هيبة الدولة، ومن يعتبرها محاولة ظرفية لكسب نقاط في معركة سياسية متغيرة.
ففي أعقاب الاشتباكات الأخيرة وخروج عدة مظاهرات في طرابلس، رفضًا لسياسة الحكومة في تعاملها مع التشكيلات المسلحة، تم التوصل إلى اتفاق تهدئة بين حكومة الدبيبة وجهاز الردع المتمركز في قاعدة معيتيقة شرق العاصمة. وفي هذا السياق، وبعد أيام من الهدوء صرح رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة خلال اجتماع مع وزارة العدل قائلًا: “مشروعنا هو الوقوف مع الدولة ضد العصابات والظلم، ولن نتراجع عنه.”
كما أضاف: “استمرار ذلك المعتقل سيّئ الصيت، محليًا ودوليًا، أمرٌ مرفوض تمامًا.” في إشارة واضحة إلى سجن معيتيقة.
وقد شدّد على أن: “نقوم بجهد لن نتراجع عنه أبدًا لانتزاع جهاز الشرطة القضائية من يد الميليشيات.” وختم مؤكدًا على أن: “حملتنا مستمرة ولن تتوقف.”
وفي هذا الإطار، أوضح المستشار القانوني هشام الحاراتي، في حديث خاص مع “أفريقيا برس”، أنه من حيث المبدأ لا يمكن بناء دولة حديثة دون تفكيك البُنى الموازية، ونوه إلى ضرورة إعادة الاعتبار للجهات القضائية والأمنية الرسمية، وفي مقدّمتها الشرطة القضائية والنيابة العامة.
وأضاف أن استمرار وجود أجهزة أمنية تتبع سلطات أمر واقع، خارج الإطار المؤسسي والقانوني، يشكّل خرقًا للمعايير الدستورية وتهديدًا مباشرًا لحقوق الإنسان ولسيادة الدولة.
وشدّد الحاراتي على أن معالجة هذه الظاهرة يجب أن تكون شاملة، لا انتقائية، وأن تتم ضمن رؤية متكاملة تستند إلى القواعد الدستورية والشرعية، لا في سياقات سياسية ظرفية.
كما أوضح أن التوقيت الحساس لهذه التصريحات، وما يُرافقها من حديث عن ترتيبات سياسية مقبلة، يدفع البعض للتشكيك في نوايا الإصلاح، ويطرح تساؤلات حول مدى ارتباط هذه الخطوات بمشروع حقيقي لبناء الدولة، أو بكونها أدوات ضغط مرحلية.
وختم حديثه بالتأكيد على أن المصلحة الوطنية تقتضي تغليب الحكمة والحوار، خصوصًا في ظل ظرف داخلي هشّ وخطير لا يحتمل مزيدًا من التصعيد، معتبرًا أن الاستقرار لا يُبنى بالقوة، بل عبر توافق وطني يعيد للمؤسسات مكانتها.
من جهته، أشار المحلل السياسي عبدالله الديباني، في تصريحه لـ”أفريقيا برس”، إلى أن تصريحات الدبيبة تأتي في سياق محاولة لإعادة رسم مشهد القوة والشرعية لصالحه، لكنها تعكس في جوهرها أزمة حكم وفقدان للسيطرة الميدانية، أكثر من كونها تعبيرًا عن قرار سياسي فعلي.
من وجهة نظر الديباني أعادت تصريحات الدبيبة الملف الأمني إلى الواجهة، ليس باعتبارها تطورًا طبيعيًا، بل إعلانًا عن فشل متكرر في السيطرة على التشكيلات المسلحة.
وأضاف أن عودة الاشتباكات المدة الماضية في قلب العاصمة، تزامنًا مع احتجاجات شعبية، تؤكد أن طرابلس لا تزال خاضعة لمنطق التوازنات الميدانية، لا منطق الدولة.
ونوّه إلى أن الحديث عن “انتزاع” الشرطة القضائية من يد الميليشيات يُعد اعترافًا مباشرًا بعجز الحكومة عن فرض سلطتها، ما يُعيد الأزمة إلى نقطة الصفر، حيث تبقى الدولة غائبة فعليًا.
ورأى الديباني أن تصريحات الدبيبة تفتقر إلى أي خطة عملية أو جدول زمني للتنفيذ، ما يجعلها أقرب إلى “تصريحات مناسباتية” لامتصاص الغضب، أكثر من كونها خطوات فعلية نحو التغيير.
وأشار إلى أن وعودًا سابقة أُطلقت بشأن تفكيك الميليشيات لكنها لم تُنفذ، مشدّدًا على أن الجدية تُقاس بالفعل لا بالقول.
وخلص إلى أن اعتماد الحكومة على ولاءات هذه التشكيلات يجعل أي تحرك ضدها بمثابة انتحار سياسي، ما يُضعف احتمالات التنفيذ الحقيقي لهذه الوعود.
ورجّح الديباني أن هذه التصريحات مجرّد ضغط إعلامي وسياسي مؤقت، يهدف إلى الترويج لصورة “الرجل القوي” في سياق الحديث عن ترتيبات حكومية جديدة.
وأوضح أن الدبيبة يحاول الظهور كقائد لمعركة “استعادة الدولة”، دون أن يخوضها فعليًا. وأكد أن الاتفاق مع جهاز الردع لم يتضمن أي خطوات إصلاحية أو عقابية حقيقية، بل جاء كـ”تسوية ميدانية” تهدف إلى التهدئة وليس الحل.
تصريحات رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وإن حملت نبرة تصعيدية ضد الجماعات المسلحة، تظل محدودة التأثير ميدانيًا في غياب استراتيجية متكاملة مدعومة بإرادة سياسية حقيقية.
فالمشهد الأمني في طرابلس لا يزال مرتهنًا لتوازنات السلاح والتحالفات المرحلية، لا لسلطة الدولة ومؤسساتها.
وإذا لم تُقرَن هذه التصريحات بإجراءات فعلية لإعادة بناء المؤسسة الأمنية على أسس قانونية وشفافة، فإنها ستبقى مجرد جولة إعلامية عابرة، في معركة مؤجلة لاستعادة هيبة الدولة الليبية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس