عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. في توقيت بالغ الحساسية، فجّرت تصريحات أدلى بها رجل الأعمال وعضو مجلس النواب الليبي محمد الرعيض موجة غضب واسعة في الشارع الليبي، بعد دعوته إلى رفع الدعم عن الوقود والكهرباء والمياه، وتحميله المواطن مسؤولية الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد. تصريحات اعتبرها كثيرون صادمة ومستفزة، مما أشعل حملة مقاطعة شعبية واسعة ضد منتجات شركة “النسيم” المملوكة له، في مشهد يعكس بداية تحول ملحوظ في وعي الشارع الليبي باستخدام سلاح المقاطعة كأداة ضغط سياسي واقتصادي. هذا المقال يحلل ردود الأفعال، ويستعرض مواقف أبرز الشخصيات الاقتصادية والسياسية تجاه ما حدث.
التصريحات وردود الأفعال
في أعقاب تصريحات الرعيض خلال المنتدى الاقتصادي الليبي، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بدعوات غاضبة لمقاطعة شركة “النسيم”، التي تُعد من أكبر الأسماء في السوق الغذائي الليبي، في حملة وصفها البعض بأنها غير مسبوقة. وأكد مراقبون أن هذه الحملة تمثل نقلة نوعية في استخدام القوة الشرائية كسلاح مدني ضاغط على السياسيين ورجال الأعمال.
عدد من الشخصيات العامة والسياسية انتقدوا تصريحات الرعيض بشدة، معتبرين إياها محاولة مكشوفة لتحميل المواطن مسؤولية الفشل الاقتصادي، متجاهلين الأسباب الحقيقية للأزمة مثل الإنفاق الموازي، الفساد المالي في العقود الحكومية، وإهدار المال العام.
وردًا على تصريحات الرعيض، أكد الخبير المصرفي فوزي ددش في تصريح لـ”أفريقيا برس”، أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في ليبيا يزداد سوءًا يومًا بعد يوم، ويؤثر سلبًا على حياة المواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود. وقال ددش إن المواطن الليبي أصبح يعيش في حالة من القلق المستمر بسبب تداعيات الوضع الاقتصادي الذي أثر على ظروفه اليومية.
وأشار إلى أن تصريحات الرعيض التي ألقى فيها اللوم على المواطن لا تعكس الواقع، مؤكدًا أن المسؤولية تقع على الحكومة، البرلمان، والأجهزة الرقابية التي لم تتخذ الإجراءات اللازمة للإصلاح الاقتصادي في ظل الأزمة الحالية.
وأضاف ددش أن رفع الدعم عن السلع هو خطوة ضرورية لمحاربة الفساد، خاصة في ظل احتكار بعض التجار والمهربين للسلع الأساسية، لكن ذلك يجب أن يتم بشكل عادل وفي إطار إصلاح اقتصادي حقيقي.
وأكد أن التصريحات التي ألقيت في المنتدى الاقتصادي، والتي حملت المواطن المسؤولية، كانت غير مناسبة وغير واقعية، مشددًا على أن المسؤولية تقع على عاتق المسؤولين الذين كانوا السبب الرئيسي في تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. كما دعا إلى ضرورة تبني سياسات اقتصادية واضحة تعتمد على الإصلاح الحقيقي وتعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات الاقتصادية، خاصة في هذه الظروف الصعبة.
من جانبه، قال الأكاديمي والمحلل السياسي عبدالله الديباني لأفريقيا برس”تصريحات محمد الرعيض جاءت في توقيت حساس، وهي تعكس انقطاعاً كبيراً بين بعض النخب السياسية والاقتصادية وبين هموم المواطن الليبي اليومية. دعوته لرفع الدعم وتحميل المواطن مسؤولية الأزمة يظهر تجاهلاً للأسباب الجذرية التي أدت إلى هذا الانهيار الاقتصادي، مثل الفساد المالي، الفوضى الإدارية، والإنفاق الموازي، وليس سلوك المواطن العادي. بالتالي، لا يمكن الاتفاق مع تحميل المواطن وحده تبعات أزمة معقدة نشأت أساساً بسبب سوء الإدارة والنهب المنظم لموارد الدولة. وأكد أن تأثير المقاطعة كان كبيرًا جدًا وسريعًا، كما ظهر في ردود الأفعال العنيفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وحملة المقاطعة.
هذه التصريحات زادت من حالة الاحتقان الشعبي وأضعفت أكثر من ثقة المواطن في مجلس النواب والمجالس الاقتصادية التابعة له. في ظل غياب الشفافية والإصلاحات الحقيقية، كل تصريح يعتبر مستفزًا أو محابيًا لفئات معينة يؤدي تلقائيًا إلى تقويض مصداقية المؤسسات الرسمية أمام الرأي العام. وأضاف أن حملة المقاطعة تعتبر ظاهرة مهمة وإيجابية من ناحية الوعي الشعبي.
للمرة الأولى يتجه المواطنون لاستخدام “القوة الشرائية” كوسيلة ضغط حقيقية على رجال الأعمال المتورطين سياسيًا أو الذين يستهينون بهموم الناس. إذا استمرت هذه الثقافة وتوسعت بطريقة منظمة، قد تتحول إلى أداة ضغط فاعلة، تجبر الفاعلين السياسيين والاقتصاديين على مراجعة مواقفهم والاقتراب أكثر من احتياجات الشارع.
ونوه بأن لغاية الآن، معظم التصريحات حول رفع الدعم تبدو كأنها شماعة لتبرير الفشل الإداري والمالي، وليست جزءًا من خطة اقتصادية مدروسة. ولا توجد ملامح حقيقية لإصلاحات اقتصادية جادة: لا تعزيز لقطاع الإنتاج، لا استثمار في مشاريع تنموية حقيقية، ولا إعادة تنظيم للقطاع المصرفي أو المالي. رفع الدعم بدون إصلاح شامل سيؤدي فقط إلى زيادة الفقر والمعاناة، ويصب في صالح النخبة القليلة التي تستفيد من الوضع الراهن”.
أما محمد الرعيض، فقد نشر بيانًا عبر صفحته الرسمية على “فيسبوك” جاء فيه: “حديثي لم يكن موجهًا ضد المواطن الليبي، ولم يتضمن تحميله مسؤولية السياسات الاقتصادية التي لم يكن طرفًا في صياغتها. لم أدعُ إطلاقًا إلى رفع الدعم الحكومي دون توفير بدائل عادلة ومنصفة. ما أطرحه باستمرار هو مبدأ الإصلاح التدريجي العادل. تصريحاتي جاءت بدافع الحرص العميق على مستقبل الاقتصاد الوطني، داعيًا إلى فتح نقاش جاد ومسؤول حول الاختلالات الهيكلية المتراكمة في النظام الاقتصادي الليبي على مدى عقود.
الحاجة إلى حلول شجاعة ومتوازنة من شأنها أن تضمن حقوق المواطنين وتعزز الثقة في مؤسسات الدولة. المواطن الليبي لا يستفيد بالشكل الكامل من منظومة الدعم الحالية، وموارد الشعب تُستنزف عبر أنظمة غير فعالة. أؤمن بحق الشباب الليبي في التعليم والعمل، مع ضرورة مواءمة المهارات مع متطلبات سوق العمل، بما يسهم في خلق فرص حقيقية ومستدامة”.
في الختام، ما بين تصريحات الرعيض وتداعياتها الشعبية، يتكشف المشهد الليبي عن وعي متزايد لدى المواطن بأهمية دوره في معادلة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. المقاطعة كسلاح مدني دخلت فعليًا حيز التنفيذ، لتصبح رسالة قوية إلى النخب السياسية والاقتصادية بأن الشارع لم يعد صامتًا ولا قابلًا بالتهميش. المرحلة القادمة ستتطلب من الجميع، سياسيين ورجال أعمال، إعادة حساباتهم بعناية إذا أرادوا الحفاظ على ثقة الناس، وسط أزمات مركبة لا تحتمل المزيد من السياسات المرتجلة أو التصريحات المستفزة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس