تمديد الوجود العسكري. هل تكرّس أنقرة “الأمر” بالمشهد الليبي؟

تمديد الوجود العسكري. هل تكرّس أنقرة
تمديد الوجود العسكري. هل تكرّس أنقرة "الأمر" بالمشهد الليبي؟

أفريقيا برس – ليبيا. في خطوة لم تكن مفاجئة للمراقبين لكنها تحمل دلالات توقيت حمالة أوجه، أقر البرلمان التركي تمديد مهمة القوات المسلحة في ليبيا لعامين إضافيين. ومع دخول هذا التفويض حيز التنفيذ حتى مطلع عام 2026، يعود الجدل مجدداً إلى الواجهة: هل تحول الوجود العسكري الأجنبي من “إجراء مؤقت” إلى “ركن ثابت” في معادلة الأزمة الليبية؟

تستند الحكومة التركية في مبرراتها إلى ضرورة “منع عودة الصراعات” وحماية المصالح الاستراتيجية. لكن القراءة العميقة لما وراء النص تشير إلى أن أنقرة، التي استثمرت سياسيًّا وعسكريًّا في الغرب الليبي منذ عام 2020، ليست في وارد التخلي عن أوراق قوتها في ظل مشهد إقليمي مضطرب.

ويرى محللون أن أنقرة تربط ملف وجودها العسكري في قاعدة “الوطية” و”محيط طرابلس” بملفات أكبر، تبدأ من ترسيم الحدود البحرية واتفاقيات الطاقة في شرق المتوسط، ولا تنتهي عند حدود التنافس مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى المتواجدة على الأرض الليبية.

“فخ الستاتيكو” وتعقيد مهام الـ (5+5)

تأتي هذه الخطوة لتضع مزيداً من العقبات أمام اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، التي يظل بند “إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية” هو العقدة الأبرز في منشار اجتماعاتها.

معضلة التوازن: يرى مراقبون أن التمديد التركي يمنح ذريعة للأطراف الدولية الأخرى (خاصة روسيا عبر فيلق أفريقيا) للبقاء في الشرق والجنوب، مما يكرس حالة “الستاتيكو” أو الجمود العسكري، ويحول خطوط التماس إلى حدود نفوذ غير معلنة.

الموقف المحلي: بينما ترى أطراف في طرابلس أن الوجود التركي يمثل “ضمانة أمنية” تمنع انزلاق العاصمة نحو مواجهات مسلحة جديدة، تعتبر قوى أخرى في الشرق أن هذا التمديد يمس بالسيادة الوطنية ويعرقل فرص توحيد المؤسسة العسكرية.

ليبيا في ميزان “المساومات الكبرى”

الباحثون في الشأن الليبي يشيرون إلى أن “بقاء القوات” بات ورقة تفاوضية في يد القوى الخارجية أكثر مما هو مطلب للأطراف المحلية. فالتمديد التركي لمدة عامين -وهي فترة طويلة نسبيًّا- يعكس قناعة دولية بأن الحل السياسي في ليبيا ليس قريباً، وأن القوى المنخرطة في الصراع تستعد لسيناريوهات طويلة الأمد.

المفارقة هنا تكمن في أن هذا التواجد العسكري، الذي بدأ تحت لافتة “دعم الشرعية”، بات اليوم يواجه تساؤلات ملحة حول دوره في إطالة أمد الأجسام السياسية الحالية، حيث يوفر “استقرارًا هشًّا” يسمح للنخب السياسية بالاستمرار في السلطة دون الحاجة لتقديم تنازلات مؤلمة للذهاب نحو الانتخابات.

إلى أين تتجه البوصلة؟

يبقى السؤال الملح أمام الليبيين: هل يملك الفاعلون المحليون القدرة على انتزاع ملف “السيادة” من طاولة المساومات الدولية؟

الواقع يشير إلى أن تمديد الوجود التركي، يقابله صمت أو “تكيف” من قوى دولية أخرى، مما يحول الأزمة الليبية من صراع محلي على السلطة إلى “صراع إرادات” دولي محكوم بضوابط دقيقة تمنع الانفجار، لكنها تمنع أيضًا الحل.

في نهاية المطاف، يبقى مستقبل القوات الأجنبية -تركية كانت أو غيرها- مرهوناً بإنتاج سلطة ليبية موحدة قوية، تمتلك من الشرعية ما يكفي لتقول “شكراً” لجميع القوى الخارجية، وتبدأ رحلة استعادة القرار الوطني السيادي.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here