تهريب الوقود… «فاتورة باهظة» تُثقل كاهل الليبيين

تهريب الوقود... «فاتورة باهظة» تُثقل كاهل الليبيين
تهريب الوقود... «فاتورة باهظة» تُثقل كاهل الليبيين

جاكلين زاهر

أفريقيا برس – ليبيا. تصاعدت المخاوف والتحذيرات في ليبيا من عمليات تهريب واسعة للوقود، ولا سيما بعد تقرير دولي تحدّث عن اتساع هذه الجرائم لحساب شخصيات في شرق البلاد وغربها.

وجاء تقرير «ذا سنتري» -وهي منظمة تحقيقات إعلامية أميركية غير ربحية، تُعنى بكشف شبكات الفساد والجريمة- الأحد الماضي، ليكشف عن أن خسائر ليبيا جرّاء تهريب الوقود بين عامي 2022 و2024، بلغت نحو 20 مليار دولار.

ولا تقتصر خطورة الأمر على الخسائر المالية بل تمتد إلى مشهد سياسي مأزوم تُرعى فيه عمليات التهريب من شخصيات نافذة سياسياً وعسكرياً، ترفع شعارات «خدمة المواطن» و«محاربة الجريمة»، وفق ما ورد في التقرير، الذي رجّح أيضاً استخدام عائدات التهريب لتعزيز نفوذ تلك الشخصيات في المشهدين السياسي والأمني.

التفاعل الواسع مع تقرير المنظمة يعود، وفق مراقبين، إلى توافقه مع القناعة العامة السائدة حول تفشي تهريب الوقود، مرجحين أن يؤدي ذلك إلى «مزيد من تآكل الثقة بين المواطنين -الذين أثقلت هذه العمليات كاهلهم- والسلطة».

ويقول عضو «لجنة الدفاع والأمن القومي» في مجلس النواب، علي التكبالي، إن الأرقام الواردة حول «الفاتورة الهائلة للتهريب أحدثت صدمة عميقة لدى قطاعات واسعة من الشارع، بمن في ذلك مَن توقفوا منذ سنوات عن متابعة الشأن السياسي، وركزوا على معاناتهم وأوضاعهم المعيشية الصعبة».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، «أن المواطن البسيط، الذي يعاني ارتفاع الأسعار بسبب تقلبات سعر صرف العملة الأجنبية، قارن تلقائياً بين دخله المحدود ومليارات تُهدر وتصب في جيوب المهربين».

وحذّر البرلماني من «تجاهل حالة الغضب الشعبي، وكيف أن الشارع قد يكون على أهبة الانفجار، وإن بدا هادئاً»، خصوصاً «في ظل الكشف اليومي عن قضايا فساد من دون إجراءات واضحة لاسترداد الأموال أو محاسبة كبار المتورطين في أغلب الأحيان».

وتشهد ليبيا ازدواجية في السلطة بين حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة المتمركزة في طرابلس غرب البلاد، وحكومة أسامة حماد المُكلفة من البرلمان، وتحظى بدعم قائد «الجيش الوطني»، خليفة حفتر، وتُسيطر على المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب.

ويرى التكبالي أن المعالجة الحقيقية لملف التهريب والجريمة المنظمة «ترتبط بتفعيل العقوبات الأممية ضد معرقلي الانتخابات»، عادّاً أن تطبيق تلك العقوبات «يُمكن أن يُسهم في تفكيك شبكات التهريب المرتبطة بأطراف في السلطة».

في المقابل، انتقد عضو «المجلس الأعلى للدولة»، علي السويح، تجاهل الحكومتين تقرير «ذا سنتري» وعدم الرد عليه أو تفنيده، عادّاً ذلك «دليلاً على غياب الرغبة أو القدرة على وقف نزيف المال العام ومكافحة التهريب».

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، توقف السويح عند توصيف التقرير لتهريب الوقود بأنه «بات أزمة وطنية كبرى تُكلف ليبيا نحو 6.7 مليار دولار سنوياً»، مشيراً إلى أن التهريب بهذا النهج «لم يعد نشاطاً محدوداً، بل تحوّل إلى فساد منهجي تُشارك فيه شخصيات ذات مسؤولية، كما ورد بالتقرير».

وتضمّن التقرير اسم قيادي عسكري محسوب على «الجيش الوطني»، كما تضمن أسماء مقربين من حكومة «الوحدة الوطنية».

وسجّل مصرف ليبيا المركزي عجزاً في العملة الصعبة لعامي 2023 و2024، رغم استقرار إنتاج النفط، وظروف السوق الإيجابية، وهو ما أرجعه تقرير «ذا سنتري» إلى أن جزءاً كبيراً من النفط يُقايض بواردات الوقود التي تستحوذ شبكات التهريب على «أكثر من نصفها».

وكان المصرف قد أعلن في أبريل (نسيان) الماضي، مبادلة النفط مقابل وقود مستورد بقيمة 42 مليار دينار (نحو 8.6 مليار دولار)، وهو رقم يرى السويح، «أن الاستهلاك الفعلي للبلاد لا يحتاج منه سوى ثلثه، في حين يذهب الباقي إلى شبكات تهريب برعاية شخصيات نافذة سياسياً وعسكرياً».

وحذّر من أن «ازدياد كشف قضايا فساد تخص مسؤولين بارزين، قد يدفع صغار الموظفين إلى ممارسات مشابهة، في ظل تقاضي قطاع واسع 2000 دينار أو أقل شهرياً».

وانضم السويح إلى «الدعوات المطالبة برفع الدعم عن المحروقات بوصفها آلية لتقليص التهريب وإعادة توجيه الموارد لقطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية». ويرى أن «رفع الدعم تدريجياً مع تخصيص حصص وتعويضات مالية للمواطنين قد يكون الخيار الأكثر واقعية، في ظل عدم القدرة على تأمين الحدود الطويلة للبلاد».

ويبلغ سعر لتر البنزين 0.150 دينار -أحد أدنى الأسعار عالمياً- ما يجعل تهريبه نشاطاً بالغ الربحية.

ورغم امتلاك ليبيا ثاني أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا، وإنتاجها نحو 1.4 مليون برميل يومياً، لا يزال المواطنون يقفون في طوابير طويلة أمام محطات الوقود، نتيجة التهريب والاعتماد شبه الكامل على السيارات الخاصة لغياب النقل العام.

واستفادت شبكات تهريب الوقود والبشر والسلاح من الفوضى والانقسام اللذين تليا سقوط نظام الرئيس الراحل القذافي عام 2011 لتوسيع نشاطها.

ورغم إقراره بانتشار التهريب، يُشكك المحلل السياسي عبد الحميد فنوش في مصداقية تقرير «ذا سنتري»، عادّاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الاتهامات الموجهة دون أدلة أممية قد تنطوي على «استهداف سياسي».

ويرى فنوش أن «حالة الاصطفاف السياسي الحاد جعلت الأطراف المتنافسة تتبادل الاتهامات فور صدور التقرير، بدلاً من المطالبة بالتحقق من مضمونه أو دعوة النيابة العامة لفتح تحقيق».

ورأى الكاتب أن «توقيت صدور التقرير يُشير إلى محاولة توظيفه لعرقلة توافد وفود قبائل المنطقة الغربية إلى بنغازي ولقاء حفتر، عبر إثارة الحديث عن مسؤولية قيادات في الشرق».

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here