توترات بين ليبيا وتونس: عنوانها التهريب على الحدود

12
توترات بين ليبيا وتونس: عنوانها التهريب على الحدود
توترات بين ليبيا وتونس: عنوانها التهريب على الحدود

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. شهدت العلاقات بين ليبيا وتونس في الآونة الأخيرة توترات كبيرة أثرت بشكل ملحوظ على التعاون التجاري والإنساني بين البلدين، ما دفع العديد من الخبراء والمحللين إلى تحليل القضايا الأساسية التي تقف وراء هذه التوترات. تركز هذه القضايا في الغالب على عمليات التهريب والتجارة غير الرسمية عبر الحدود، والتي لطالما كانت سمة بارزة في العلاقة بين الجارتين.

خلفيات التوترات: قضية التهريب عبر معبر رأس جدير

في البداية، يتضح أن التوترات بين ليبيا وتونس تأخذ طابعًا أمنيًا وتجاريًا. أحد أبرز المحاور التي أثارت هذا التوتر هو قضية التهريب عبر معبر رأس جدير، المعبر الحدودي الذي يعد من أهم نقاط التبادل التجاري بين البلدين. قامت السلطات الليبية مؤخرًا بتوقيف مجموعة من التونسيين مهربين لسلع مختلفة ووقود، وبسيارات تضر بالسلامة المرورية حسب وزارة الداخلية الليبية، وجاء ذلك بعد الحكم بالسجن على أحد المواطنين الليبيين في تونس بتهمة تهريب سلعة من تونس وهي 150 كيلوغرامًا من الكسكسي. وقد أعلنت وزارة الداخلية الليبية عن ضبط عدة مركبات تونسية أثناء محاولتها تهريب سلع وبضائع من ليبيا، بالإضافة إلى تهريب الوقود عبر خزانات غير قانونية. وتم إحالة الموقوفين إلى النيابة في طرابلس.

هذا التصعيد الأمني جاء في وقت حساس بالنسبة للعلاقات الثنائية، حيث تسعى كل حكومة إلى حماية اقتصادها من عمليات التهريب التي تؤثر بشكل كبير على السوق المحلي في كلا البلدين.

دعوة لمراجعة القوانين والعقوبات

في إطار هذه التوترات، أطلق أسعد زهيو، رئيس الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية، تصريحات عبر منشور على صفحته الرسمية “فيس بوك ” تشير إلى أن الحكم الذي صدر بحق المواطن الليبي في تونس كان غير متناسب مع حجم الجريمة المرتكبة.

كان بوشكمة قد حُكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة تهريب 150 كيلوغرامًا من الكسكس المدعّم، وهي العقوبة التي وصفها زهيو بأنها “مبالغ فيها”.

زهيو دعا إلى ضرورة مراجعة القوانين المتعلقة بالتهريب، مشيرًا إلى أن العقوبات يجب أن تكون متناسبة مع حجم الجريمة وظروف الأفراد الاقتصادية، خصوصًا في ظل الأوضاع الصعبة التي يعاني منها العديد من المواطنين في المناطق الحدودية. كما أشار إلى أنه إذا تم تطبيق نفس المعايير على المواطنين التونسيين الذين يمارسون تهريب السلع المدعمة في ليبيا، فإن ذلك قد يؤدي إلى توقيف آلاف الأشخاص، ما يزيد من حدة الأزمة بين البلدين. هذه التصريحات تسلط الضوء على الحاجة الماسة لإعادة النظر في السياسات الحدودية والتهريبية بين البلدين.

الدعوة للمعاملة بالمثل

مواقع التواصل الاجتماعي الليبية شهدت حملة واسعة، تدعو السلطات إلى اتخاذ إجراءات مماثلة ضد التونسيين الذين يتم ضبطهم بتهريب داخل الأراضي الليبية، وهو ما سارعت الحكومة إلى تنفيذه. من جانبه، أبدى النائب في البرلمان التونسي عن مدينة بن قردان الحدودية علي زغدود استياءه من ما وصفه بـ “الإرهاب الاقتصادي” الذي تمارسه السلطات الليبية ضد تجار بن قردان، مطالبًا بفرض المعاملة بالمثل على الليبيين في تونس. وقد أكد زغدود أن هذه السياسات قد أثرت سلبًا على الاقتصاد المحلي في المناطق الحدودية التونسية، وأنها تزيد من معاناة المواطنين الذين يعتمدون على التجارة عبر الحدود لكسب رزقهم. هذه الدعوة للمعاملة بالمثل تعكس القلق المتزايد من تصاعد التوترات التجارية بين الدولتين. وتصريح زغدود جاء خلال كلمة له في جلسة متلفزة داخل البرلمان التونسي بعد التوتر الحاصل في الحدود.

الجانب الأمني: إجراءات السلطات الليبية لمكافحة التهريب

على الصعيد الأمني، تتخذ الحكومة الليبية إجراءات صارمة لمكافحة عمليات التهريب عبر الحدود، وهي إجراءات تهدف إلى حماية الاقتصاد الوطني وتعزيز الأمن العام حسب بيان إدارة المنفذ. ففي وقت سابق، أعلنت وزارة الداخلية الليبية عن ضبط مركبات تونسية كانت تحاول تهريب سلع وبضائع من ليبيا. كما تم ضبط شحنات وقود مهربة عبر خزانات غير قانونية، وهو ما يعكس التحديات التي تواجهها السلطات في ليبيا في محاربة عمليات تهريب الوقود، الذي يعد أرخص بكثير في ليبيا من تونس.

وتؤكد الحكومة الليبية على استمرارية جهودها لمكافحة كافة أشكال التهريب، مع اتخاذ تدابير رادعة ضد المخالفين. ورغم هذه الجهود، فإنها تثير ردود فعل متباينة في تونس، حيث يرى البعض أن هذه الإجراءات قد تتسبب في تفاقم الوضع الاقتصادي في المناطق الحدودية بين البلدين.

دعوات لنهج أكثر توازنًا في التعامل مع القضايا الحدودية

تتزايد الدعوات من جانب سياسيين وحقوقيين في كلا البلدين لتحقيق “المعاملة بالمثل” في قضايا التهريب، وهو ما يعد خطوة هامة نحو تحقيق العدالة في التعامل مع الجانبين.

ففي الوقت الذي تُشدد فيه السلطات الليبية على محاربة عمليات التهريب التي تؤثر على الاقتصاد الوطني، يطالب البعض في تونس بتطبيق نفس المعايير على التجار الليبيين الذين قد يواجهون عقوبات مماثلة إذا ارتكبوا نفس الأفعال على الأراضي التونسية.

رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبدالكبير، وفي منشور عبر صفحته على الفيس بوك، أشار إلى ارتفاع عدد التونسيين الموقوفين في المدة الأخيرة من الطرف الليبي إلى أكثر من 50 تونسيًا من بينهم قصر، على خلفية التهريب، بالإضافة إلى حجز أكثر من 25 عربة وتحويلها إلى داخل ليبيا. طالب عبدالكبير السلطات التونسية ونظيرتها الليبية بمتابعة الملف والإفراج عن الموقوفين وإيجاد حلول لتجاوز الصعوبات المتكررة التي تعترض المواطنين التونسيين في ليبيا.

هذا النهج قد يساعد في تهدئة الأوضاع على جانبي الحدود، ويعزز التعاون بين البلدين في مجالات الأمن والتجارة.

وتم التوصل إلى اتفاق بين حكومتي ليبيا وتونس بشأن إطلاق سراح بعض السجناء في إطار جهود حل النزاعات الناتجة عن عمليات التهريب. فقد تم الإفراج عن ثلاثة ليبيين مقابل 49 تونسيًا كانوا محتجزين في طرابلس بتهمة تهريب السلع المدعمة. هذا التطور يُظهر رغبة مشتركة من قبل الجانبين في تخفيف حدة التوترات، بينما يسعى الطرفان إلى إيجاد حلول متوازنة تضمن حماية حقوق المواطنين في كلا البلدين.

نحو تعاون أكثر فعالية بين تونس وليبيا

في ظل التوترات المستمرة بين ليبيا وتونس، يبقى تعزيز التعاون الثنائي والحوار المشترك بين الجانبين هو السبيل الأمثل لحل القضايا العالقة. يجب أن تتم مراجعة السياسات الحدودية والتجارية بشكل يضمن العدالة للجميع ويأخذ في الاعتبار الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعاني منها المواطنون في المناطق الحدودية. من خلال تحقيق المعاملة بالمثل وتطوير التعاون القضائي، يمكن للبلدين أن يتجاوزا هذه الأزمات ويعززا علاقاتهما الثنائية بما يحقق مصالح الشعبين.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here