عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. تزايدت المخاوف في ليبيا بشأن احتمال توطين المهاجرين غير النظاميين على أراضيها، وذلك على خلفية تصريحات نُسبت إلى وزير الحكم المحلي في حكومة الوحدة الوطنية بالعاصمة طرابلس، ما أثار ردود فعل حادة من بعض الأطراف السياسية في البلاد. هذه المخاوف تأتي في وقت حساس تعاني فيه ليبيا من تحديات داخلية، تهدد أمنها وسيادتها الوطنية، وسط غياب سلطة الدولة الفاعلة في العديد من المناطق. أحدث هذه المخاوف ظهرت بعد اجتماع جمع بين وزير الحكم المحلي، بدر الدين التومي، ورئيسة بعثة المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا، نيكوليتا جيوردانو، خلال الأيام القليلة الماضية، حيث ناقش الطرفان التحديات الراهنة التي تواجه ليبيا في ملف الهجرة. ورغم أن الاجتماع كان يهدف إلى التنسيق حول دعم البلديات في التعامل مع النزوح الداخلي للمواطنين الليبيين، إلا أن تصريحات إعلامية نسبت إلى التومي تبني مقترحات لتوطين المهاجرين غير النظاميين في ليبيا، ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية.
رفض وتنديد بالتدخلات الخارجية وتحذيرات للحكومة
أصدر خالد المشري متحدثًا بصفته رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا بيانًا رسميًا، أكد فيه رفض المجلس القاطع لمحاولات توطين المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا. واعتبر خالد المشري أن “ذلك يمثل انتهاكًا للسيادة الوطنية وخطرًا ديموغرافيًا يهدد الأمن القومي للبلاد”.
أيضًا حول هذا الموضوع، عبّر تجمع الأحزاب الليبية في بيان رسمي تحصلت “أفريقيا برس” على نسخة منه عن قلقه البالغ إزاء ما اعتبره محاولات لتوطين المهاجرين غير النظاميين في ليبيا، مؤكدًا أن مثل هذه المبادرات قد تشكل تهديدًا للأمن القومي والهوية الوطنية. ولفت التجمع إلى أن أي مشروع يتضمن توطين المهاجرين قد يغير التركيبة الديموغرافية للبلاد، خاصة في المناطق الساحلية الحيوية، ما قد يؤدي إلى صراعات اجتماعية جديدة بسبب نقص الموارد وغياب سلطة الدولة.
كما انتقد التجمع ما وصفه بـ “التدخلات الخارجية”، واعتبر أن بعض المبادرات التي تُطرح تحت غطاء إنساني وتنموي قد تكون مدفوعة بأجندات خارجية تهدف إلى تغيير التوازن الاجتماعي في ليبيا. وحذر التجمع من أن أي محاولات لتوطين المهاجرين قد تؤدي إلى “إهدار الموارد الوطنية”، في وقت يواجه فيه المواطن الليبي صعوبات جمة في الحصول على خدمات أساسية مثل الكهرباء والرعاية الصحية.
مخاوف من ردود الفعل والعنف ضد المهاجرين
أكدت عضو مجلس النواب ربيعة أبوراص رفض العنف ضد المهاجرين أو الاستيلاء على ممتلكاتهم. وقالت أبوراص عبر “فيسبوك”: “نرفض أي شكل من أشكال التوطين وندعم برامج الترحيل الطوعي للمهاجرين والحفاظ على كرامتهم، مع التأكيد على أن القضية لا تقتصر على فئة معينة أو لون بشرة محدد. هناك بعض الجنسيات تسيطر على الغذاء والدواء وهو ما يشكل خطرًا على الصحة العامة والأمن الغذائي ولا أحد يحرك ساكنًا”. وأضافت: “وفي الوقت نفسه، نرفض تمامًا أي شكل من أشكال العنف ضد المهاجرين أو الاستيلاء على ممتلكاتهم أو تعرضهم لأي أذى، فهذه مسؤولية الجهات الرسمية وحدها التي تنجر وراء دعوات مجهولة الهدف”، مشددة على الجهات الأمنية متابعة مصادر هذه الدعوات والحد من أثرها على الأوضاع الأمنية والسياسية للبلاد. واستكملت: “ما يجري حاليًا من تحريض ممنهج على العنف، وخاصة في المنطقة الغربية، لا يستهدف المهاجرين فحسب، بل يبدو كأنه حملة مدبرة ضد المنطقة بأكملها وخاصة العاصمة طرابلس، مما قد يجر المنطقة الغربية والبلاد إلى عواقب خطيرة تضر بمصلحة ليبيا وسمعتها، وخاصة بعد صدور تقارير تؤكد وجود مقابر جماعية للمهاجرين غير الشرعيين في جنوب البلاد”. وتابعت: “لذا، من الضروري التحلي بالحكمة وعدم الانجرار وراء هذه الدعوات التحريضية التي يدير بعضها أشخاص غير ليبيين يسعون لتأجيج الفتنة وزيادة التوتر”. وأشارت أبوراص إلى أن تقنين الهجرة والاستفادة منها في تنمية سوق العمل الليبي هو الخيار الأفضل، أما الدعوة إلى العنف والتحريض والانجرار وراء هذه الدعوات فهو فصل من فصول التراجع الأمني والسياسي.
وفي بيان صحفي للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان جاء فيه أن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا ومنظمة شباب الصحراء للتنمية وحقوق الإنسان، تتابع ببالغ القلق ما يجري نشره وتداوله عبر المنصات الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي من محتويات إعلامية تحريضية وإدراجات تحمل محتوى تحريضي على الكراهية والعنف ضد المهاجرين غير النظاميين في ليبيا، وهو ما من شأنه أن يُخل بالالتزامات القانونية والإنسانية الملقاة على عاتق السلطات الليبية فيما يتعلق بضمانات الحماية الإنسانية للمهاجرين غير النظاميين طبقًا لأحكام القانون الدولي الإنساني.
وكما عبرت المؤسسات الحقوقية عن بالغ استيائها واستنكارها حيال حملات التحريض على كراهية الأجانب والمهاجرين والعمال الوافدين عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية، والمنصات الإعلامية، ومخاطر حدوث جرائم وأعمال عنف بحق المهاجرين والأجانب المتواجدين في البلاد جراء هذه الحملات الإعلامية التحريضية، وما يترتب عليها من آثار وتداعيات سلبية وكارثية على البلاد.
هذا التصعيد في المخاوف من توطين المهاجرين والخوف من أي أعمال عنف ضد المهاجرين الغير نظاميين يأتي في وقت تعاني فيه ليبيا من حالة من الفوضى السياسية والصراع المستمر، مما يجعل أي محاولة للتدخل في هذا الملف من قبل أطراف خارجية موضع جدل واسع. وأشار التجمع إلى أن ليبيا ليست ملزمة بأن تكون وجهة للمهاجرين غير النظاميين، الذين يتسلل العديد منهم عبر حدودها المفتوحة بسبب عصابات الاتجار بالبشر.
في الختام، بهذا الشكل، تتواصل حالة الغموض حول سياسة الهجرة في ليبيا، وتبقى المخاوف المتعلقة بتوطين المهاجرين غير النظاميين تحت مرمى الرصد والتحليل، وسط دعوات متزايدة للتوضيح والشفافية في التعامل مع هذا الملف الجدلي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس