جاكلين زاهر
أفريقيا برس – ليبيا. أثار اجتماع الفريق خالد حفتر، رئيس أركان «الجيش الوطني» الليبي، مع ممثلين بعدد من كتائب مصراتة، ردود فعل متباينة، حيث رأى البعض أن اللقاء «خطوة نحو التقارب بين شرق ليبيا وغربها»، فيما اعتبره آخرون «محاولة لتقسيم المدينة التي تمثّل كتائبُها ركيزة أساسية في دعم حكومة (الوحدة الوطنية) المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة».
وعبر منصات التواصل الاجتماعي، سارع مؤيدو «الجيش الوطني» إلى الترحيب بالاجتماع الذي عُقد في مدينة سرت، واعتبره المحلل السياسي أحمد العبود «خطوة في الاتجاه الصحيح لتوحيد العمل العسكري والأمني»، كما وصفه رئيس المؤسسة الليبية للإعلام، محمد بعيو، بأنه «عمل شجاع كسر الحاجز النفسي بين الليبيين، وقطع الطريق على دعاة الفتنة».
في المقابل، قوبل الاجتماع برفض وانتقاد واسعَين من شخصيات ونشطاء من مصراتة، الذين قللوا «من ثقل المشاركين فيه»، مؤكدين أنهم «لا يمثلون المدينة ولا يعكسون مواقفها السياسية».
ووفق بيان صادر عن القيادة العامة لـ«الجيش الوطني»، وتصريحات بعض قياداته، فقد تم الاتفاق في اجتماع سرت على تشكيل «قوة مشتركة» لمكافحة الإرهاب والهجرة غير المشروعة، إضافة إلى «وقف التصعيد الإعلامي الذي لا يخدم مصلحة الليبيين». لكن سرعان ما ردّ «جهاز مكافحة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة»، التابع لحكومة «الوحدة الوطنية»، بنشر بيان نفى فيه مشاركة أيّ من عناصره في الاجتماع، واصفاً ما تم تداوله بـ«الشائعات». كما أصدر ما يسمى «حراك شباب وثوار مصراتة» بياناً مصوراً، استنكر فيه «لقاء بعض القيادات بخالد حفتر في سرت»، مؤكداً أن ما حدث «تصرفات فردية لا تمثل المدينة، ولا تخدم إلا مصالح شخصية ضيّقة».
بدوره، قال عميد بلدية مصراتة، محمود السقوطري، إن من ذهبوا إلى سرت «لا يمثلون مصراتة، ولا أي جهاز أو كيان بها»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «اللقاءات الجدية لا تتم دون تنسيق مع أهالي وقيادات المدينة، التي تمثلها فعلياً، ولا تتم في مدن خاضعة للطرف الآخر».
كما رأى مسؤول عسكري سابق من أبناء مصراتة، شارك في معركة «بركان الغضب» التي شكلتها قوات طرابلس لصد هجوم «الجيش الوطني» على طرابلس عام 2019، أن من ذهبوا إلى سرت «لا يمثلون الكتائب الرئيسية بمصراتة». واعتبر المسؤول – الذي رفض ذكر اسمه – أن اجتماع سرت جاء «بعد الاشتباكات الأخيرة، التي جرت بين فصيلين في مصراتة، لإظهار الانقسام داخلها»، منتقداً تسلّم من شاركوا في الاجتماع «درع وفاء» باسم شهداء المدينة، قدّمه خالد حفتر تقديراً لدور مصراتة في تحرير سرت من قبضة «داعش» نهاية عام 2016.
ورغم تفهّمه للأصوات الداعية إلى «لمّ شمل الليبيين»، لفت المسؤول العسكري إلى أن «كثيراً من أهل مصراتة والغرب الليبي عموماً لا يزالون يختزنون ذكريات حرب العاصمة، ويرون أنها قد تتجدد تحت أي ذريعة»، مفنّداً ما طُرح خلال الاجتماع حول تشكيل «قوة مشتركة» بين شرق ليبيا وغربها، وذكّر بأن «اللجنة العسكرية المشتركة الليبية (5+5) هي الجهة المخوّلة من الأمم المتحدة بالإشراف على جهود توحيد الجيش الليبي».
لكن رغم هذا الرفض، ظهرت أصوات أخرى من مصراتة والغرب الليبي ترحّب باللقاء، وعدّته «مؤشراً على بداية جديدة».
وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى «الوحدة» التي تتخذ من العاصمة مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان، وتحظى بدعم «الجيش الوطني»، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب.
في السياق ذاته، أوضح المحلل السياسي، عبد الحكيم فنوش، أن واشنطن سعت منذ فترة لجمع صدام حفتر مع نائب وزير الدفاع في حكومة «الوحدة» عبد السلام الزوبي، الذي ينتمي لمصراتة، لبحث إمكانية تشكيل قوة مشتركة بين شرق ليبيا وغربها، لكن لم يُسفر هذا المسار عن أي نتائج حتى الآن.
وقال فنوش إن لقاء سرت «لا يرتبط بتلك المساعي»، ورجّح أنه أتى ضمن «محاولات الجيش الوطني لكسر الجمود مع الغرب، وربما استقطاب من يرغب في الانضمام من شخصيات عسكرية بهذا الغرب لقياداته».
ورأى فنوش أن هذه التحركات «قد تُربك المشهد السياسي في طرابلس، خصوصاً موقف الدبيبة، إذا ما نجح الجيش الوطني فعلياً في جذب شخصيات عسكرية من الغرب»، معتبراً أن ذلك «قد يمهّد لإمكانية دعم تنفيذ أي رؤية سياسية تطرحها القيادة العامة في المستقبل لقيادة البلاد بالمرحلة المقبلة».
وأعرب عن قناعته بأن «قطاعاً واسعاً من أبناء مصراتة تجاوزوا فعلاً خصومات الماضي، ويؤيدون المصالحة»، لافتاً إلى «تولّي فتحي باشاغا الذي يعد أحد رموز مصراتة رئاسة الحكومة المكلّفة من البرلمان قبل ثلاثة أعوام، ومحاولته الدخول إلى العاصمة بدعم من مؤيديه هناك وفي مسقط رأسه».
وانتهى فنوش موضحاً أن من يرفضون أي تقارب اليوم «هم في الغالب من المستفيدين من بقاء الوضع الراهن، وليسوا من الحريصين على حقوق الشهداء».
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس





