حرائق انتخابية: كيف تفرق شملهم إلا علينا؟!

0
حرائق انتخابية: كيف تفرق شملهم إلا علينا؟!
حرائق انتخابية: كيف تفرق شملهم إلا علينا؟!

طارق القزيري

أفريقيا برس – ليبيا. في فجر 15 من أغسطس 2025، اشتعلت مكاتب المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في الزاوية والعجيلات، بينما قبلها بثلاثة أيام كانت زليتن على موعد مع العنف ضد المفوضية وانتخاباتها.

الأرجح أن كل ذلك ليس أحداثا معزولة، بل رسالة مدروسة مفادها: في ليبيا، حتى انتخاب المجالس البلدية، المعنية بجمع القمامة وإصلاح الطرق، سوف تُمنع بالقوة.

والتوقيت لم يكن صدفة بل عشية الاستحقاق مباشرة وقع التخريب لإجهاض العملية في لحظتها الأخيرة. ألا يمكن القول إنها إستراتيجية واضحة: ضرب الثقة في فكرة الاقتراع ذاتها قبل أن يذهب المواطن إلى الصندوق؟!

* الحرص السياسي المكذوب

بينما تتصاعد ألسنة اللهب، تتسابق البيانات الرسمية في الإدانة، وتتكرر عبارات «الحرص على الديمقراطية».

لكن السؤال الفاضح يظل قائمًا: أين كان هذا الحرص عندما تُركت المكاتب بلا حماية عشية التصويت؟

وزير الداخلية في طرابلس أعلن قبل أقل من يوم من الهجوم على زليتن جاهزية الأجهزة الأمنية لتأمين 50 بلدية. والهجمات وتعددها كشف هشاشة هذه «الجاهزية»؛ لم يُحمَ مكتب واحد من قذيفة وصليات رصاص.

والنتيجة أن المفوضية اضطرت لتعليق الاقتراع!!

هذه الرسالة وصلت بختم ضمان للجميع داخليا وخارجيا، خاصة بعدما تفننت السفارات والمبعوثون في بيان الإشادة بانتخابات سابقة مثل مصراته وغيرها الكثير.

* خارطة التخريب المنظم

الهجمات من زليتن إلى الزاوية والعجيلات، تتضح سلسلة مترابطة، ألا يثير ذا النمط الشكوك حول تنسيق، وخطة موحدة لتعطيل الانتخابات في الغرب؟!

* شواهده سابقة

وما يزيد الشكوك أكثر مراجعة ما حدث سابقاً في مناسبات انتخابية، ففي الشرق، جاء التعطيل بصيغة إدارية أكثر «تهذيباً» لكنها فعالة: تعليمات من مديريات الأمن بوقف توزيع البطاقات في مدن كبرى دون تبرير أو تنسيق مع المفوضية.

وفي الغرب، أغلق رئيس المجلس التسييري في جنزور ـ وهو مرشح ـ مراكز توزيع البطاقات في بلديته. بحجة صدور حكم قضائي، قد تختلف الوسائل، لكن الهدف واحد: منع الاقتراع.

* الجيوش الإلكترونية: غضب بلا فعل

في الفضاء الافتراضي، اشتعلت الوسوم وصور المكاتب المحترقة. لكن الغضب بقي محصورا في الشاشات. الجيوش الإلكترونية التابعة لكل طرف وظفت الأحداث لتصفية الحسابات: أنصار طرابلس اتهموا القيادة العامة، وأنصار الرجمة اتخذوها دليلاً على فشل حكومة الدبيبة.

ولهذا نشطت «الميلشيات الرقمية» وتحول من رفض منع الديمقراطية إلى تنابز آخر لا يفعل شيئًا إلا حماية مطالب الفرقاء: لا للانتخابات.

هذه الجيوش الرقمية لا تحمي الديمقراطية، بل تحمي السرديات السياسية لمرجعياتها. وظيفتها مضاعفة الاستنكار لا الضغط، وإبقاء الغضب في دائرة التعليقات و«الهاشتاغات» بدل تحويله إلى فعل سياسي حقيقي.

والنتيجة وهم بأن «البلاد تغلي»، بينما على الأرض لا احتجاج منظم، لا تحقيق علني بزمن محدد، ولا تسمية واضحة للمسؤوليات. وماذا تفعل الجيوش الإلكترونية غير ذلك؟!

* الانقسام حتى مستوى البلديات

امتد الانقسام بين الشرق والغرب إلى أصغر وحدة إدارية. البلديات، التي كان يُفترض أن تكون بعيدة عن الصراع، تحولت إلى جبهات سياسية. سلطات الشرق رفضت الانتخابات علنا، خشية أن يمنح نجاحها في الغرب شرعية إضافية لحكومة طرابلس. وفي المقابل، لا تستاء طرابلس من التعطيل الشرقي فهو يمنحها حجة خطابية ضد الخصوم على عرقلة متعمدة للمسار الديمقراطي. ويريحهم أيضا فكل ذلك ببساطة يعني: الانتخابات غير ممكنة.

هذه الحسابات الضيقة تدوس على حق المواطن الذي لا يعنيه من يحكم العاصمة أو غيرها، بقدر ما يعنيه من يُصلح طريقه أو يوفر الماء والكهرباء.

ولكن «طريق السكة – الرجمة» يتقاطعون في هم واحد؛ هو منع فوز بعض أنصار النظام السابق خاصة بعد نتائج جيدة لهم سابقا في جولات سابقة، زادت المخاوف، وبات التعطيل ملجأً من مواجهة النتائج.

* البلديات كساحة نفوذ

كذلك أمراء الحرب والشبكات المسلحة يرون في الانتخابات البلدية تهديدا لمصالحهم. المجالس التسييرية المعيّنة أو المنتهية انتخابيا ومتجاوزة للمدة، أكثر طواعية، وأقل مساءلة. لذا، يفضل كثيرون بقاءها أو إعادة تدوير نفس الوجوه، بدل المغامرة بانتخابات قد تأتي بوجوه مستقلة.

هكذا، بدلاً من أن تكون البلديات مدارس للتدريب على الممارسة الديمقراطية، صارت غنائم سياسية توزع بين أصحاب النفوذ.

* إحراق الفكرة

التخريب ليس لإتلاف الأوراق فقط، بل لإتلاف الفكرة في وعي الناس. ثم مهمة الجيوش الإلكترونية أن تكمل المهمة، بتفتيت الغضب وتحويله إلى صراعات جانبية، فتعمل كصمام أمان للنظام السياسي القائم. لذا فهذه الأحداث ليست حوادث عرضية، بل مؤشرات على أزمة عميقة تمتد من رأس الهرم إلى قاعدته.

الاستنكار وحده لا يبني ديمقراطية، ما لم تتم حماية أبسط أشكال الاقتراع، وما لم يُحاسب المعرقلون بوضوح وشفافية، فالحديث عن «حرص سياسي» سيظل مسرحية تنتهي بإطفاء الكاميرات.

وفي الخلفية، يبقى المواطن الليبي وحيدا أمام صندوق انتخابي محروق، يتساءل: متى يصبح صوتي أقوى من أسلحتهم ورصاصهم؟

فمتى يا ترى؟!

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here