حفتر يعيين نجله نائبا له.. التوريث يعيد ليبيا إلى المربّع الأول

0
حفتر يعيين نجله نائبا له.. التوريث يعيد ليبيا إلى المربّع الأول
حفتر يعيين نجله نائبا له.. التوريث يعيد ليبيا إلى المربّع الأول

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. لم يكن قرار المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي في الشرق، بتعيين ابنه صدام نائباً له في الذكرى 83 لتأسيس الجيش الليبي مجرد خطوة إدارية أو إجراء عسكري داخلي، بل فتح باباً واسعاً للنقاش حول ظاهرة التوريث التي لم يتخلص منها العالم العربي حتى بعد الثورات والدماء التي سالت في أكثر من بلد. إنها عقدة قديمة تتكرر بصيغ جديدة، وكأن دروس التاريخ لم تصل بعد إلى العقل الباطن للقادة والحكام العرب.

التوريث.. متلازمة عربية متجددة

في عيون كثير من الليبيين، القرار ليس إلا استمراراً لنهج توريث السلطة والمناصب الذي يكرّس الاستبداد ويقوّض فكرة الدولة الحديثة. فالمشهد الليبي المنقسم أصلاً بين شرق وغرب، يجد نفسه أمام خطوة تعيد إنتاج نفس المعضلة التي عرفتها جمهوريات عربية تحولت إلى “ملكيات جمهورية” بحكم الأمر الواقع.

الاستقرار أولاً أم سلطة عائلية؟

يرى الكاتب والباحث السياسي الليبي فوزي الحداد، في حديث إلى DW عربية، أن تعيين صدام حفتر يعكس “ضرورة ملحة” فرضها واقع عمر المشير وتقدمه في السن. ويقول إن “كبر سن القائد العام يتطلب وجود بديل جاهز، وهذا القرار جاء ليمنح المؤسسة العسكرية والشرق الليبي شيئاً من الاستقرار. صدام أثبت في السنوات الماضية قدراته في متابعة المؤسسة وتطويرها، وهو صمام أمان لاستمرار النهج العسكري ذاته.”

لكن في المقابل، يوضح المحلل السياسي صلاح البكوش في تصريح خاص لـ”أفريقيا برس”، أن الدور المتنامي لصدام يُشكّل أساس استراتيجية عائلته لضمان نفوذ طويل الأمد في شرق ليبيا.

ويرى أن حفتر بتعيينه لابنه نائباً له يوجّه رسالتين: وحدة العائلة حول مسألة الخلافة، ورفض أي خارطة طريق تنتقص من هيمنتها الأمنية والسياسية والاقتصادية. ويضيف أن هذه السيطرة العائلية قد تُسهم في استقرار شرق ليبيا على المدى القصير، لكنها تخاطر بتفاقم الانقسامات، مشيراً إلى أن الكثير من الشخصيات العسكرية والقبائل تعتبر صعود أبناء حفتر تهميشاً لتضحياتهم، ومحسوبيةً تفتقر إلى الشرعية والجدارة.

صناعة “صنم جديد”

وفي تصريح خاص لـ”أفريقيا برس”، وصف المحلل السياسي والاستراتيجي محمود إسماعيل الرملي تعيين صدام بأنه “إجراء باطل بطلاناً مطلقاً”، قائلاً:

“حفتر بقايا من انقلاب سبتمبر ويحمل الجنسية الأمريكية، وبالتالي لا شرعية له منذ البداية. واليوم يريد توريث ابنه، وهو أمر لا سند له لا دستورياً ولا قانونياً. ما يحدث ليس بناء دولة، بل صناعة صنم جديد. إنها محاولة يائسة وبائسة لإبقاء السلطة داخل الأسرة، وهذا سيزيد من تفتيت الجيش ويكرس الانقسام.”

ويرى الرملي أن الخطوة جاءت بدافع إحساس حفتر بدنو أجله وسعيه لتأمين مستقبل أبنائه. لكنه اعتبرها “مأساة كبيرة” لأنها تكشف أن ليبيا تدار كقبيلة لا كدولة، وتحمل في طياتها رسائل “الضحك على الليبيين وتضحيات فبراير”.

مشروع أسري” تحت غطاء “رؤية 2030”

قيادة قوات حفتر بررت القرار بأنه يأتي ضمن “رؤية 2030” لتطوير الأداء العسكري. لكن محمود إسماعيل يرى أن حفتر يسعى لترسيخ حكم عائلي يشمل كل مفاصل الدولة، إذ لم يكتفِ بالجيش، بل وزّع أدواراً على أبنائه وأصهاره في الاتصالات والمالية وصناديق الإعمار وحتى كرة القدم والشأن الاجتماعي وهي دلالة أن الموجود ليس دولة وإنما هي قبيلة أو لعلها أسرة تحاول اقتسام ليبيا والسيطرة عليها وواقعيا إن تلك مأساة ومأساة كبيرة.

صراع الشرعيات

الأزمة لم تقف عند حدود التوريث فقط، بل فتحت سؤالاً قانونياً حول “من هو القائد الأعلى للجيش الليبي؟”. ففي حين أعلن عضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي رفض القرار باعتباره من صلاحيات المجلس وأن مثل هذه القرارات تصدر من المجلس الرئاسي بصفته قائدا أعلى للجيش، في المقابل يرى البرلمان في الشرق أن هذا القرار في الإتجاه الصحيح ويباركها. هذا التضارب يعمق الإنقسام ويؤكد أن ما يسمى بالجيش الليبي لم يلتئم بعد في مؤسسة واحدة.

درس لم يُستوعب

بين من يبرر القرار بحجة الاستقرار ومن يرفضه باعتباره تكريساً لمؤسسة أسرية، يظل جوهر القضية أن التوريث في العالم العربي لم يُدفن بعد، رغم أنه كان من أبرز أسباب الثورات التي اندلعت في العقد الماضي. وكأن الدماء التي سالت لم تكن كافية لإقناع الحكام أن الدولة أكبر من العائلة، وأن المؤسسة لا تُبنى على القرابة بل على الكفاءة.

فليبيا التي أنهكتها الانقسامات منذ أكثر من عقد، تجد نفسها اليوم أمام خطر إعادة إنتاج استبداد جديد تحت عباءة التوريث، ما ينذر بمزيد من التفتيت والاصطدام، ويؤكد أن عقلية “الزعيم الأب والابن الوريث” ما زالت تلاحق العرب كظل ثقيل لم يتبدد.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here