عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. أكد الخبير السياسي الليبي إبراهيم بلقاسم أن زيارة وفد حكومة الدبيبة جاءت في إطار تعزيز العلاقات مع الأطراف الغربية والإقليمية التي تدعم التحول الحالي في سوريا، وتسريع الاعتراف بالتغييرات التي طرأت.
وأوضح في حواره مع “أفريقيا برس” أن حكومة الدبيبة تسعى من خلال هذه الزيارة إلى إثبات قدرتها على الاستفادة من التحولات الإقليمية وتوظيفها لصالحها.
وأشار إلى أن حكومة الدبيبة أعادت فتح السفارة الليبية في دمشق بعد قطع العلاقات مع نظام الأسد منذ عام 2011، وحافظت على تواصلها مع النظام حتى قبيل سقوطه.
وأضاف أن الحكومة وجدت نفسها في موقف محرج أمام الحليف التركي، الداعم الرئيسي للمعارضة السورية. وفي ظل هذا التحول، جاءت هذه الزيارة كمحاولة لتصحيح الموقف وتداركه، مع تقديم الدعم بجميع أشكاله لحكام دمشق الجدد.
كيف تقيم توقيت زيارة وفد حكومة الدبيبة إلى دمشق بعد انهيار النظام السوري؟
التوقيت الذي اختارته حكومة الدبيبة لزيارة دمشق يعد حساسًا للغاية ويعكس تقديرًا دقيقًا للتطورات الأخيرة في سوريا. بعد الأنهيار التدريجي للنفوذ الروسي في سوريا، ومع عودة سوريا إلى الساحة الإقليمية كان من الضروري على حكومة الدبيبة أن تتحرك سريعًا لاستباق هذا التغيير وتعزيز علاقاتها مع دمشق في وقت يمر فيه الوضع السوري بتغيرات ملحوظة. الوضع السوري شهد مؤخرًا تحولًا في السياسة الخارجية السورية، والتي قد تؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الإقليمي في هذا السياق، تعتبر الزيارة بمثابة خطوة استباقية من قبل حكومة الدبيبة لتنسيق المواقف والتموضع الاستراتيجي في المنطقة.
كما أن الزيارة تأتي في وقت تزداد فيه التحديات السياسية في ليبيا ومن هنا جاء الاهتمام بتعزيز العلاقة مع سوريا خاصة في ظل التوترات السياسية والاقتصادية التي تواجهها حكومة الدبيبة داخليًا وخارجيًا.
ما هو الهدف من لقاء وفد حكومة الدبيبة مع أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) رئيس الإدارة الجديدة في سوريا؟
في البداية لقاء وفد حكومة الدبيبة مع الجولاني يعد خطوة غير تقليدية في السياسة الليبية تجاه سوريا، حيث كان من غير المتوقع أن يتم هذا اللقاء في السابق بالنظر إلى التعقيدات السياسية والأمنية التي تحيط بالمنطقة في فترة الاحداث وحكم الأسد.
اللقاء اليوم يعكس تحركًا جديدًا في سياسة حكومة الدبيبة التي كانت حتى وقت قريب تعترف بنظام بشار الأسد إلى آخر ساعاته ولديها سفير في دمشق وهذا جاء بعد قطيعة مع نظام الأسد منذ 2011 بعد انهيار نظام القذافي ونشوب الأحداث في سوريا كان المجلس الانتقالي الليبي وقتها أول المعترفيين بـ”الثورة السورية”.
وهنا كما يُظهر هذا اللقاء أن حكومة الدبيبة تهدف لترميم العلاقات السورية-الليبية من خلال تعزيز التعاون في مجالات متعددة، مثل السياسة والأمن، وهو ما قد يكون في إطار سعي حكومة الدبيبة للتأثير على مجريات الأحداث الإقليمية، وضمان الحفاظ على تواجدها على الساحة السياسية.
وأيضا هذه الخطوة ربما تشير إلى رغبة الحكومة في إعادة التأكيد على موقفها الداعم لتحول في سوريا ومغازلة كل داعمي هذا التحول من القوى الإقليمية والمحلية وهذا في الحقيقة يعكس التخبط في سياسة حكومة الدبيبة وإنها تفتقد لمشروع سياسي واضح وثابت وأنها ذات سياسة براغماتية تتغير بتغير المعطيات التي على الأرض.
كيف ترى دلالات مشاركة آمر الاستخبارات العسكرية محمود حمزة ضمن الوفد؟
مشاركة محمود حمزة تدل بوضوح على أن اللقاء كان يركز بشكل كبير على الجوانب الأمنية والعسكرية.
الملف الأمني بين ليبيا وسوريا يعد أحد الملفات الحساسة فهناك جوانب مرتبطة بالمقاتلين السوريين الذين تواجدوا في ليبيا على مدار السنوات الماضية سواء في صفوف قوات حفتر أو في الغرب الليبي كما أن هناك تساؤلات حول دور المرتزقة السوريين في النزاع الليبي وعلاقة هذه القوات مع تركيا وخصوصا في الغرب الليبي حيث صرح وزير خارجية حكومة السراج محمد سيالة وقت حرب طرابلس 2019 عند دخول المقاتليين السوريين بأنهم بهوية تركية وهذا يفتح باب لنقاش حول هذا الملف.
كما إن زيارة حمزة تشير أيضا إلى أن هناك رغبة في التنسيق بين الجانبين في هذا الملف بشكل خاص خصوصًا في ما يتعلق بمعالجة الوجود العسكري الأجنبي في ليبيا.
علاوة على ذلك، هناك قضايا أمنية أخرى مثل تهريب المخدرات وخاصة حبوب الكبتاجون التي أغرقت ليبيا في السنوات الأخيرة والتي يُحتمل أن تكون لها علاقة بالاجهزة الموالية للنظام السوري السابق وأيضا ملف الهجرة عبر المطارات وهذا موثق، من هنا فإن التنسيق الأمني والعسكري بين الجانبين سيكون ذا أهمية بالغة وهذا في صلب هذه الزيارة.
كيف يمكن تفسير زيارة وفد حكومة الدبيبة إلى دمشق في الوقت الذي تتحدث فيه مصادر عن إعادة تشكيل الحكومة في ليبيا بداية العام المقبل؟
مع اقتراب إعادة تشكيل الحكومة في ليبيا، يبدو أن حكومة الدبيبة تسعى لتوطيد علاقاتها مع بعض الدول الإقليمية الكبرى لضمان استقرار موقفها سواء في الداخل أو في المفاوضات المقبلة مع كل الأطراف.
أيضا هذه الزيارة إلى دمشق قد تكون جزءًا من سعي الحكومة الليبية لإعادة ترتيب أولوياتها في السياسة الخارجية، حيث تركز على تعزيز الروابط مع سوريا في وقت يسعى فيه المجتمع الدولي لتحديد مستقبل الحكومة الليبية.
من جهة أخرى قد تكون الزيارة محاولة لإظهار قوة حكومة الدبيبة أمام الداخل الليبي من خلال إشتراكها في قضايا إقليمية هامة مثل الأزمة السورية وبالتالي تكرس نفسها كلاعب أساسي في المنطقة، خاصة في وقت تزداد فيه الضغوط عليها من الخصوم السياسيين داخل ليبيا.
هذه الزيارة قد تكون أيضًا خطوة لتوثيق العلاقات مع بعض الأطراف التي تقف إلى جانب النظام السوري الجديد بما في ذلك تركيا التي تعد حليفًا استراتيجيًا مهمًا لحكومة الدبيبة ولايمكن خسارته كما تعتبر حليفا استراتيجيا لحكام دمشق الجدد.
هل تتوقع أن تكون لهذه الزيارة انعكاسات على الأوضاع الداخلية في ليبيا خاصة في ظل التحديات السياسية التي تواجه حكومة الدبيبة؟
حكومة الدبيبة تواجه تحديات حقيقية على الصعيد السياسي والاقتصادي، والزيارة إلى دمشق قد تُعتبر خطوة لتحسين موقع الحكومة على الساحة السياسية الليبية والدولية.
من المتوقع أن تكون هناك تأثيرات متعددة منها تعزيز موقف حكومة الدبيبة أمام الغرب، خاصة أمام الدول التي تدعم تحولًا سياسيًا في سوريا أو تدعم الإصلاحات الداخلية في ليبيا.
في الداخل قد يجد معارضو حكومة الدبيبة في هذه الزيارة فرصة لتوجيه انتقادات شديدة للسياسات الخارجية للحكومة، في المقابل قد تسعى الحكومة إلى استخدام هذه الزيارة لتعزيز موقفها أمام القوى المحلية الداعمة لهذا التحول في سوريا مثل بعض التكتلات أو القوى العسكرية التي ترى في هذا التقارب مصلحة استراتيجية وتعزيز لموقفهم إقليميا ومحليا.
إذا ما هي الرسائل المحددة التي توجهها الحكومة من خلال هذه الزيارة ؟
أولها رسالة دعم للتحول السوري: اللقاء مع الجولاني قد يُفهم كرسالة دعم من حكومة الدبيبة لتحولات المشهد السوري بما في ذلك الاعتراف بالتغيرات التي طرأت على النظام السوري وأثرها على المعادلات الإقليمية.
ثانيا تعزيز العلاقات الإقليمية: قد يكون اللقاء محاولة من حكومة الدبيبة لإظهار التزامها بتوثيق العلاقات مع القوى الإقليمية التي تدعم تحولات الوضع في سوريا خاصة تركيا.
ثالثا الملف الأمني: اللقاء قد يكون أيضًا رسالة بشأن التزام الحكومة الليبية بمعالجة القضايا الأمنية المشتركة، مثل المقاتلين الأجانب وتهريب المخدرات، بما يضمن استقرار الأوضاع في ليبيا وسوريا على حد سواء.
وآخرها رسالة للخصوم الداخليين في ليبيا: قد تهدف الزيارة إلى إرسال رسالة إلى خصوم حكومة الدبيبة في الداخل الليبي مفادها أن الحكومة قادرة على إجراء تحركات استراتيجية تُعزز من موقفها الإقليمي وتستفيد من التحولات الدولية لصالحها هذه الرسائل قد تهدف أيضًا إلى تقديم طمأنة لدول الغرب أو دول الأقليم مثل تركيا التي لها نفوذ في الداخل الليبي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس