عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. في مشهد ليبي مألوف يتكرر منذ سنوات، عاد الجدل القانوني والسياسي إلى واجهة المشهد عقب إعادة انتخاب محمد تكالة رئيسًا للمجلس الأعلى للدولة يوم 27 يوليو الجاري، في جلسة طغت عليها الانقسامات بين الكتل السياسية، وتخللها اعتراض واضح من الرئيس السابق للمجلس خالد المشري، الذي تمسك بأحقيته في المنصب مستندًا إلى حكم قضائي سابق لصالحه. إلا أن المستجد هذه المرة هو دخول بعثة الأمم المتحدة على الخط، عبر ترحيب رئيسها هانا تيتيه بنتائج الجلسة، مما فتح الباب أمام تساؤلات عن حيادها ودورها في التيسير السياسي.
وبعد إعلان نتيجة هذه الجلسة أكد رئيس كتلة التوافق الوطني بالمجلس الأعلى للدولة، عادل كرموس، أن خالد المشري اعترض على الجلسة الأخيرة وتمسك بحقه في الرئاسة، مشيرًا إلى أنه استند في ذلك إلى حكم قضائي لصالحه. وأوضح كرموس، في تصريحات صحفية، أن الخلافات تم تجاوزها بعد حضور ما يزيد عن ثلثي أعضاء المجلس، وهو النصاب القانوني الكافي لتعديل اللائحة الداخلية وإجراء الانتخابات، مضيفًا أن الجلسة التأمت برئاسة محمد تكالة، رغم اعتراضه الشخصي على ترؤسه للمجلس.
وقال كرموس: “هذه هي قواعد الديمقراطية، والنتائج يجب احترامها كما احترمناها في السابق”، مشددًا على أن البعثة الأممية وجدت نفسها أمام أمر واقع ناتج عن إرادة داخلية للمجلس، وأن اعترافها بالجلسة وما تمخض عنها يُعد إجراءً طبيعيًا. واعتبر كرموس أنه لا مجال الآن لأي اعتراضات أو طعون، داعيًا إلى فتح صفحة جديدة من الحوار الجاد مع مجلس النواب حول الملفات العالقة، وأهمها المناصب السيادية والمصالحة الوطنية.
لكن هذه المقاربة قوبلت برؤية قانونية وتحليلية مغايرة، عبّر عنها المحلل السياسي والقانوني عبدالله الديباني في تصريح لموقع “أفريقيا برس”، حيث قال إن “إعادة انتخاب محمد تكالة جاءت في سياق جدل قانوني وإجرائي كبير، خاصة في ظل غياب خالد المشري وكتلته، واحتجاج عدد من الأعضاء على شرعية الجلسة والإجراءات التي تمت خلالها”. وأضاف أن النظام الداخلي للمجلس يشترط توافقًا على جدول الأعمال وإعلانه مسبقًا، وهو ما لم يُلتزم به حسب ما أكده بعض الأعضاء، ما يُضعف شرعية ما جرى ويفتح الباب أمام الطعون ورفض مخرجات الجلسة.
الديباني اعتبر أن “النتائج قد تؤدي إلى حالة ازدواج قيادة داخل المجلس، وتُضعف شرعيته كمؤسسة حوار سياسي ودستوري”، محذرًا من أن موقف بعثة الأمم المتحدة “المبارك” للنتائج، دون الإشارة إلى هذا الجدل، يُفهم على أنه انحياز ضمني لطرف على حساب آخر، ما يُقوض ثقة الليبيين في حياد البعثة، ويُظهرها في موقع المساهم في تعميق الأزمة لا حلها.
من جهته، رأى المحلل السياسي محمد امطيريد، في تصريح خاص لـ”أفريقيا برس”، أن الجدل القانوني بشأن الجلسة ما يزال قائمًا ولم يُحسم، مؤكدًا أن دعم البعثة لهذه الخطوة بدا وكأنه “انتصار خاص للبعثة أكثر من كونه انتصارًا لثكالة”، على حد تعبيره. وأوضح أن هذه الخطوة تهدف، في رأيه، إلى إفشال أي مشروع وطني محلي يُبنى على توافق بين مجلسي الدولة والنواب، والرامي لتأسيس حكومة جديدة قد تُنهي مرحلة حكومة الدبيبة، والتي تراجعت سيطرتها الفعلية في طرابلس، مستشهدًا بزيارة شخصيات موالية للحكومة المنافسة وتجولها العلني داخل العاصمة.
امطيريد أشار أيضًا إلى أن البعثة، بدعمها لترشح تكالة، المدعوم من تيار الدبيبات، تسعى لإجهاض مساعي عقيلة والمشري لتشكيل حكومة بديلة، كانت تحظى بقبول متزايد في دوائر داخل طرابلس. كما اعتبر أن إعادة انتخاب تكالة ستعزز الانقسام داخل مجلس الدولة، وستدفع بالمشري إلى عدم التسليم بنتائج الجلسة، ما يُنذر بتصعيد في المرحلة المقبلة.
ويرى متابعون أن ما حدث ليس إلا استمرارًا لنمط مألوف من التنازع على الشرعية داخل المؤسسات الليبية، حيث سبق للمشري أن تمسك بمنصبه في مواجهات سابقة مع تكالة، والآن تتكرر ذات الصورة، ولكن مع اختلاف الأدوار والمواقف.
وفي المحصلة إن إعادة انتخاب محمد تكالة لرئاسة المجلس الأعلى للدولة لا تمثل فقط خلافًا إجرائيًا حول لائحة أو نصاب، بل تكشف عن صراع عميق بين مشروعين سياسيين متباينين كما يقول امطيريد.
وهنا تطرح تساؤلات جدية عن حياد المؤسسات الدولية الفاعلة في ليبيا. وفي وقت تحتاج فيه البلاد إلى توافق داخلي حقيقي للخروج من المأزق السياسي، يبدو أن خطوة إعادة الانتخاب كرّست الانقسام أكثر مما قرّبت وجهات النظر. وما لم تُفتح قنوات حوار جدّي وشامل بين القوى الفاعلة داخل المجلس، ومع مجلس النواب، فإن الجمود السياسي سيبقى سيد الموقف، في ظل مؤسسة مشلولة ومشهد يتجه نحو مزيد من التشرذم.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس