أفريقيا برس – ليبيا. تجاهلت حكومة الوحدة «المؤقتة» في غرب ليبيا، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، اتهامات رسمية روسية، وجّهتها إليها موسكو بشأن التعاون مع من وصفتهم بـ«عملاء أوكرانيين» في تنظيم وتسهيل عمليات إرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، بما في ذلك النيجر.
تزامنت هذه الاتهامات مع تقارير إعلامية محلية ظهرت منذ صيف هذا العام، تحدثت عن حصول حكومة الدبيبة على طائرات مسيّرة من أوكرانيا، استخدمتها في صراعها مع ميليشيات محلية، وهي الاتهامات التي أعادت موسكو الحديث عنها.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، الأربعاء، خلال مؤتمر صحافي في موسكو، إن أجهزة الأمن التابعة لحكومة الوحدة «تعاونت بتسهيلات من وسطاء بريطانيين مع عناصر أوكرانيين في تنظيم عمليات إرهابية في منطقة الساحل»، مضيفة أن هذا التعاون شمل «تزويد كييف بطائرات مسيّرة هجومية، وبرامج تدريبية يشرف عليها مدربون من مديرية المخابرات الرئيسية بوزارة الدفاع الأوكرانية».
ورغم حساسية الاتهامات، لم يصدر أي تعليق رسمي من حكومة الدبيبة أو من وسائل الإعلام الموالية لها، فيما أكد مصدر عسكري في شرق ليبيا لـ«الشرق الأوسط» أن «معلومات وصلت بالفعل إلى السلطات هناك بشأن تدريب عناصر أمنية ليبية في أوكرانيا، وتلقي حكومة الدبيبة أنظمة طيران مسيّر»، عاداً أن «هذه المعطيات تعزز الرواية الروسية حول التعاون بين الطرفين».
ويرى المحلل العسكري، محمد الترهوني، أن الاتهامات الروسية «تحمل قدراً من المنطق»، مشيراً إلى أن «وجود طائرات مسيّرة أوكرانية في سماء غرب ليبيا لم يعد سراً»، وأن بعض التيارات المتشددة في المنطقة الغربية «قد تسهم بصورة غير مباشرة في تغذية أنشطة جماعات متطرفة، مثل (بوكو حرام) في النيجر ومالي».
ويأتي هذا الغموض في ظل انقسام سياسي وعسكري متواصل بين حكومة الوحدة في الغرب، والسلطة الموازية في الشرق، التي يقودها البرلمان والجيش الوطني الليبي.
وشكّلت الحرب الروسية – الأوكرانية، منذ اندلاعها في فبراير (شباط) 2022، محوراً جديداً للاستقطاب داخل المشهد الليبي، بحسب متابعين، إذ أبدت حكومة الدبيبة موقفاً مؤيداً لأوكرانيا، ورافضاً للعملية العسكرية الروسية.
وفي يناير (كانون الثاني) 2023، عقدت وزارة الدفاع في حكومة الدبيبة محادثات مع وفد عسكري أوكراني، تناولت – بحسب بيان رسمي حينها – «إمكانات التعاون في مجالات صيانة، وتجديد معدات القوات الجوية والبحرية الليبية، واستعادة قدراتها الفنية». كما عبّر الدبيبة في أكثر من مناسبة عن مخاوفه من تحوّل ليبيا إلى ساحة صراع بالوكالة، بعد تقارير غربية تحدثت عن نقل شحنات أسلحة روسية إلى الداخل الليبي.
في المقابل، تحدثت تقارير أوروبية عن وجود عناصر ليبية ضمن صفوف مجموعة «فاغنر» الروسية في مناطق شرق وجنوب البلاد، غير أن القيادة العامة للجيش الوطني الليبي سارعت إلى نفي تلك المزاعم، مؤكدة أن وجود «المدربين الروس» لا يتجاوز الدعم الفني أو الاستشاري.
ويرى سياسيون ومحللون أن الاتهامات الروسية الأخيرة لحكومة الدبيبة تعكس صراعاً أوسع على النفوذ الإقليمي والدولي في ليبيا، التي أصبحت موقعاً استراتيجياً بالغ الأهمية، يمتد من سواحل البحر المتوسط شمالاً، إلى تخوم الصحراء والساحل جنوباً، بما يجعلها محوراً جيوسياسياً شبيهاً بمناطق الطاقة في بحر قزوين والبحر الأسود.
ويخشى المرشح الرئاسي الليبي السابق، الدكتور مبروك أبو عميد، من أن تكون الاتهامات الروسية «مؤشراً خطيراً قد يدفع ليبيا إلى قلب صراع دولي محتدم بين موسكو وواشنطن، ويقوّض كل الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار الداخلي». وقال بهذا الخصوص: «في حال صحت هذه الاتهامات، فإن حكومة الدبيبة تتحمّل المسؤولية الكاملة عن هذا التصرف الخطير، الذي قد تكون له تداعيات سياسية وأمنية بالغة على مستقبل البلاد».
ومن هذا المنطلق، يرى المحلل السياسي، حسام فنيش، أن الولايات المتحدة، حليفة أوكرانيا، «تتعامل مع الساحة الليبية بوصفها جزءاً من مسرح المواجهة غير المباشرة مع موسكو في أفريقيا»، مشيراً إلى أن واشنطن «أعادت صياغة استراتيجيتها الإقليمية لتأمين الحافة الجنوبية لأوروبا، ودعم المسار الأممي في ليبيا، بوصف ذلك وسيلة لاحتواء النفوذ الروسي المتنامي في الجنوب الليبي والساحل الأفريقي».
في المقابل، أكد فنيش أن روسيا تسعى إلى «تحويل نفوذها في شرق وجنوب ليبيا إلى ورقة تفاوضية موازية لجبهتها في أوكرانيا»، لافتاً إلى أن «كل تطور عسكري على الأرض الأوكرانية يوازيه تحرك دبلوماسي، أو أمني في الساحة الليبية». مضيفاً أن بعض الأطراف المحلية أصبحت «امتدادات مباشرة للقوى الخارجية»، مبرزاً أن «الفاعلين السياسيين والعسكريين يربطون مصيرهم بالدعم الدولي أكثر من ارتباطهم بالشرعية الوطنية، وهو ما يكرّس حالة الجمود الراهنة، فلا حرب شاملة تفرض حسم الموقف، ولا تسوية شاملة تنهي الأزمة».
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس