زيارة مسعد بولس إلى ليبيا: تحركات غامضة بأجندات خفية

1
زيارة مسعد بولس إلى ليبيا: تحركات غامضة بأجندات خفية
زيارة مسعد بولس إلى ليبيا: تحركات غامضة بأجندات خفية

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. في زيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول أميركي رفيع منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة، وصل مستشار الرئيس الأميركي المكلف بالشؤون العربية والشرق الأوسط وأفريقيا، مسعد بولس، إلى العاصمة الليبية طرابلس قادمًا من تونس، وسط جدل واسع حول أهدافها الحقيقية وتوقيتها السياسي. وبينما رآها البعض خطوة أميركية لإعادة التموقع في الملف الليبي، حذّر آخرون من أجندات خفية تتجاوز ما أُعلن رسميًا.

بدأت الزيارة بلقاءات موسعة في طرابلس مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير. وخلال هذه اللقاءات، قدّم فريق حكومي ليبي عرضًا لشراكة اقتصادية ضخمة مع الولايات المتحدة، بقيمة تصل إلى 70 مليار دولار، تشمل مشاريع جاهزة في قطاعات الطاقة والمعادن والكهرباء والبنية التحتية والاتصالات.

رؤية اقتصادية أم مدخل للهيمنة

يرى رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، أن هذه الشراكة تمثل فرصة لبناء علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة، تتيح دخول شركاتها الكبرى إلى السوق الليبي، خاصة في قطاع النفط. وأكد حرص حكومته على تعزيز الشفافية وتحقيق عوائد مستدامة، معتبرًا أن هذه الخطوة تمثل حجر أساس للاستقرار الاقتصادي.

لكن في المقابل، حذر سفير ليبيا السابق لدى أوكرانيا، عادل عيسى، من أن الزيارة تحمل ما هو أبعد من مجرد شراكات اقتصادية، مشيرًا إلى أنها تتعلق بمسائل حساسة تمسّ السيادة الليبية، على غرار الهجرة والتوطين والأموال المجمدة. وقال عبر حسابه في “فيسبوك” إن “الزيارة خطيرة وتحمل في طياتها ما هو عكس المعلن عنها، وهي لا تخلو من أبعاد تتعلق بالأمن القومي”.

وفي تصريح خاص لأفريقيا برس أوضح المحلل السياسي الليبي محمود إسماعيل الرملي أن زيارة بولس تعبّر عن محاولة أمريكية لإعادة فرض الحضور والنفوذ في الملف الليبي، خاصة بعد إخفاقات واشنطن في ملفات دولية أخرى.

وصرّح الرملي أن الإدارة الأمريكية تسعى من خلال هذه الخطوة إلى خلق معادلة جديدة في ليبيا لمواجهة التمدد الروسي، تحت غطاء التعاون الأمني والعسكري، وليس بدافع إيجاد حل فعلي يخدم الليبيين أنفسهم. وقال إن واشنطن تبحث عن حلٍّ يناسب مصالحها، لا مصلحة الشعب الليبي.

وشدّد الرملي على أن الولايات المتحدة لا تستهدف دعم العملية السياسية أو تعزيز المسار الديمقراطي، بل تحاول إعادة إنتاج مشهد القوة العسكرية في ليبيا عبر دعم أطراف تمتلك النفوذ الميداني، حتى وإن كانت تفتقر للشرعية الدستورية أو الشعبية.

بين الشفافية السياسية ومخاطر التوظيف الإعلامي

أوضح عضو مجلس الدولة، سعد بن شرادة، في تصريح صحفي أن زيارة بولس تندرج في إطار الاستماع لوجهات النظر من الأطراف الليبية في المنطقتين الغربية والشرقية، مؤكدًا أن هذه اللقاءات لن تترتب عليها نتائج عملية في الوقت الراهن. وأضاف أن الولايات المتحدة لا تتعامل بجدية مع الملف الليبي، بل تكتفي بتدخلات محدودة عبر وكلاء محليين، محذرًا من أن بعض الأطراف الليبية قد تستغل اللقاءات لتصويرها على أنها دعم أميركي مباشر.

في المقابل، اعتبر الباحث والأكاديمي فيصل الشريف، المقرّب من حكومة الدبيبة، أن تحركات بولس تأتي في إطار تنسيق أميركي–عربي تقوده دول ترتبط بعلاقات وثيقة مع إدارة ترامب. وأوضح في تصريح أن الحل في ليبيا ما يزال مرهونًا بإرادات دولية كبرى مثل تركيا وروسيا، معتبرًا أن زيارة بولس تؤكد وجود توجه أميركي لإعادة التموضع في ليبيا من بوابة المصالح الاقتصادية، خصوصًا في ملف الطاقة.

الانفتاح على الشرق والغرب: توازن لا انحياز

لم تقتصر زيارة بولس على طرابلس، بل شملت مدينة بنغازي أيضًا، في ما اعتبره مراقبون رسالة استراتيجية تعكس محاولة أميركية للتعامل مع مختلف مراكز النفوذ الليبي بقدر متوازن. فبينما استهدفت اللقاءات في الغرب تأكيد الشراكة مع الحكومة التنفيذية، فإن زيارة بنغازي مثّلت اعترافًا ضمنيًا بثقل قيادات الشرق الليبي، وعلى رأسهم خليفة حفتر وعقيلة صالح.

في هذا السياق يرى المحلل محمود إسماعيل على أن الولايات المتحدة لا تستهدف دعم العملية السياسية أو تعزيز المسار الديمقراطي، بل تحاول إعادة إنتاج مشهد القوة العسكرية في ليبيا عبر دعم أطراف تمتلك النفوذ الميداني، حتى وإن كانت تفتقر للشرعية الدستورية أو الشعبية.

كما يرى بعض المتابعين أن هذا التوازن لا يهدف فقط إلى كسب ثقة الأطراف الليبية، بل يسعى أيضًا إلى الحد من التمدد الروسي في الشرق، دون الدخول في مواجهة مباشرة. في المقابل، يشير منتقدو هذه الخطوة إلى أن واشنطن تستخدم سياسة “الاحتواء البارد” دون التزام حقيقي بمسار سياسي واضح، وهو ما قد يفاقم الغموض القائم.

الإقتصاد كأداة للنفوذ

ركّز بولس خلال زيارته على فرص الاستثمار الأميركية في ليبيا، وهو ما اعتبره مؤيدو الزيارة تحركًا ذكيًا لإعادة تقديم واشنطن كفاعل عقلاني قادر على خلق منافع متبادلة، في مواجهة منافسين كتركيا والصين. فالطرح الأميركي قائم على ربط الاقتصاد بالحوكمة والشفافية، وهو ما يلقى قبولًا لدى بعض الدوائر الليبية والدولية.

وهنا يرى المحلل السياسي محمود إسماعيل بأن الليبيين لا يبحثون عن صفقات أمنية أو تدخلات أجنبية، بل يريدون انتخابات شفافة وصناديق اقتراع، لا صناديق ذخيرة ولا إعادة صناعة دكتاتور جديد.

وأـيضا في الجهة المقابلة، يحذّر آخرون من أن الاقتصاد ليس سوى أداة للنفوذ السياسي، ويخشون من تحوّله إلى وسيلة ضغط تُملى عبرها شروط سياسية قد تُضعف السيادة الوطنية.

الهجرة وتوطين الفلسطينيين: الشائعات والموقف الأميركي

في ظل تصاعد المزاعم حول خطة أميركية–إسرائيلية لتوطين فلسطينيين من غزة في ليبيا، تزامنت زيارة بولس مع موجة قلق شعبي ورسمي. غير أن السفارة الأميركية في ليبيا سارعت إلى نفي هذه الادعاءات، ووصفتها بأنها “كاذبة وتحريضية”، مؤكدة أن الولايات المتحدة ليست طرفًا في أي ترتيبات من هذا النوع.

وبينما اعتُبر هذا النفي خطوة لتطمين الرأي العام الليبي وامتصاص الغضب، يرى بعض المراقبين أن توقيت النفي يكشف أن الملف كان مطروحًا بشكل غير مباشر، ما يُثير تساؤلات حول ما دار في الكواليس خلال زيارة بولس.

حدود الحضور الأميركي في ليبيا

في المجمل، لا يمكن اختزال زيارة مسعد بولس في إطار دبلوماسي بروتوكولي فقط، بل هي محاولة أميركية واضحة لإعادة التموضع في الملف الليبي بعد سنوات من الغياب. وقد اختارت واشنطن بوابة الاقتصاد لتفعيل هذا الحضور، مع الحرص على تفادي الاصطفافات الحادة، واعتماد مقاربة براغماتية منخفضة التكلفة.

لكن هذه المقاربة تصطدم بعقبات بنيوية، فموسكو تملك موطئ قدم عسكري وسياسي في ليبيا، بينما تراجع الحضور الأوروبي، وغياب غطاء أممي قوي، يفرغ أي مبادرة أميركية منفردة من مضمونها. ويجمع المراقبون على أن النفوذ لا يُبنى فقط بالشراكات الاقتصادية، بل يُنتزع عبر معادلات الأمن وتقاطعات المصالح الإقليمية والتفاهمات الدولية، وفي مقدمتها العلاقة مع روسيا.

خلاصة المشهد

زيارة بولس تبدو، حتى الآن، خطوة استكشافية لقياس اتجاهات القوى الفاعلة في ليبيا، أكثر منها مبادرة فعلية للتسوية. هي اختبار لإمكانية العودة الأميركية إلى الملف الليبي، لكن نجاح هذه العودة سيظل رهينًا بمدى قدرة واشنطن على التفاعل بذكاء مع المشهد الليبي شديد التعقيد، حيث تتداخل السياسة مع الاقتصاد، والسيادة مع المصالح، والمواقف المعلنة مع الأجندات غير الظاهرة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here