صدام حفتر في أنقرة: بداية تحول تركي في الملف الليبي؟

13
صدام حفتر في أنقرة: بداية تحول تركي في الملف الليبي؟
صدام حفتر في أنقرة: بداية تحول تركي في الملف الليبي؟

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. في زيارة مفاجئة أثارت الكثير من التساؤلات والتكهنات السياسية، وصل صدام حفتر، رئيس أركان القوات البرية التابعة للقيادة العامة في الشرق الليبي، إلى العاصمة التركية أنقرة في الرابع من أبريل الجاري. تأتي هذه الزيارة في ذكرى عملية “الفتح المبين” التي أطلقتها القيادة العسكرية في الشرق في نفس اليوم من عام 2021، والتي كانت تهدف إلى السيطرة على العاصمة طرابلس. ورغم أن الجانب التركي لم يعلن عن الزيارة رسمياً، فقد وصف المكتب الإعلامي لقيادة حفتر الزيارة بأنها “تلبية لدعوة تركية”. وتم استقبال صدام حفتر في أنقرة بترحيب رسمي رفيع المستوى، حيث التقى خلالها رئيس أركان القوات البرية التركية، الفريق أول سلجوق بيراكتار أوغلو، في مقر رئاسة القوات البرية التركية.

الدلالات السياسية والعسكرية للزيارة

تمثل هذه الزيارة نقطة تحول في سياسة تركيا تجاه ليبيا، حيث يشير مراقبون إلى أن استقبال صدام حفتر يعكس تقارباً جديداً بين أنقرة وقائد “الجيش الليبي” في الشرق، خليفة حفتر، على الرغم من تاريخ العلاقة المتوترة بين تركيا وحفتر. يعتقد الكاتب والصحفي عبد الله الكبير أن هذا التحرك يعكس “سياسة تركية براغماتية” تهدف إلى تعزيز الانفتاح على شرق ليبيا، بعد سنوات من التحالف الحصري مع غرب البلاد. كما يرى الكبير أن هذه الزيارة تأتي في سياق محاولة تركيا تعزيز مصالحها الاقتصادية في ليبيا، خاصة في ظل حصول الشركات التركية على عقود كبيرة في مجالات البناء والبنية التحتية.

ويربط الكبير الزيارة بتوجهات أميركية قد تكون وراء هذا التقارب، حيث يعتقد أن توقيت الزيارة، الذي يتزامن مع زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى واشنطن، قد يفتح الباب لتنسيق أميركي-تركي لدفع حفتر نحو تقليل تحالفاته مع روسيا. وأضاف أن تركيا، من خلال هذه الزيارة، قد تحاول إيصال رسالة مفادها أنها قادرة على اللعب في معسكرين مختلفين، مما يمنحها ورقة ضغط لاحتواء أي تصعيد محتمل في ليبيا.

التوازنات الإقليمية والتحركات التركية

من ناحية أخرى، يرى أستاذ العلوم السياسية حسين الرقيق أن تركيا تتبع استراتيجية متعددة الأبعاد في ليبيا، حيث تحاول أن تكون حاضرة في جميع المعسكرات. يوضح الرقيق أن تركيا تسعى للحفاظ على تحالفاتها مع حكومة طرابلس والفصائل المسلحة في غرب البلاد، وفي نفس الوقت تبني علاقات مع الشرق الليبي لضمان حصتها في أي تسوية سياسية أو اقتصادية مستقبلية. ويرجح الرقيق أن الهدف التركي المباشر من استضافة صدام حفتر قد يكون الاقتراب من معسكر حفتر وفهم التوجهات الداخلية في ظل التصدعات التي أصابت علاقاته في الجنوب الليبي، خاصة مع قائد لواء 128 حسن الزادمة، الذي تم إقالته من قبل حفتر مؤخراً.

ويؤكد الرقيق أن تركيا تدرك أهمية موقع الساحل الليبي بالنسبة لها، وأن استقرار ليبيا يتوقف على التوازنات الإقليمية المعقدة، لذا فهي تسعى إلى عدم حصر وجودها إلى جانب واحد في ليبيا. ولفت إلى أن تركيا قد تستفيد من علاقتها بحفتر كحليف في حلف شمال الأطلسي “ناتو”، ما يمكنها من نقل رسائل إلى واشنطن وبروكسل، كما جاء في حديثه لصحيفة “العربي الجديد

زيارة لها دلالات استراتيجية

في تصريح أكد المحلل السياسي الليبي محمد امطيريد أن زيارة الفريق ركن صدام حفتر إلى العاصمة التركية أنقرة وما رافقها من استقبال رسمي رفيع من قبل رئيس أركان القوات البرية التركية تعكس تحولًا لافتًا في ملامح التحالفات الإقليمية لتركيا. وقال امطيريد إن مراسم الاستقبال البروتوكولي التي تضمنت استعراض حرس الشرف وعزف النشيد الوطني عادةً ما تُمنح لحلفاء استراتيجيين، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تعني أكثر من مجرد لقاء دبلوماسي عابر. وأضاف أن تركيا لم تستقبل مؤخرًا أي قيادات عسكرية بارزة من غرب ليبيا بمراسم مشابهة، ما قد يُفسر كمؤشر على مراجعة استراتيجية تركية تجاه أطراف الصراع الليبي، وفتح قناة مباشرة مع الجيش الوطني.

وأشار امطيريد إلى أن هذه الخطوة قد تكون محاولة تركية لاستكشاف فرص تعاون مع صدام حفتر، الذي يُنظر إليه كأحد القادة الصاعدين داخل الجيش الليبي، والأكثر قابلية للتفاهم مع تركيا مقارنة بغيره. وأكد أن هذا اللقاء يُعد اعترافًا غير مباشر من أنقرة بالجيش الوطني كقوة نظامية، بعدما كانت تعتبره خصمًا في السنوات الماضية. ولفت إلى أن هذا التحول لا ينفصل عن تراجع الدعم الغربي لحكومة طرابلس والضغوط المتزايدة على تركيا لإعادة ضبط تدخلها في الملف الليبي. واختتم امطيريد تصريحه بالتأكيد على أن الأسابيع القادمة ستكون حاسمة لمعرفة ما إذا كانت هذه الخطوة بداية تحالف جديد، أم مجرد إعادة تموضع تكتيكية من أنقرة دون تغيير فعلي في سياساتها تجاه ليبيا.

الرسائل السياسية وتأثيرها على مستقبل ليبيا

تتزايد التكهنات بشأن الرسائل التي قد تحملها هذه الزيارة، خاصة مع الاستقبال العسكري الرفيع لصدام حفتر. كما أن التوقيت الذي يتزامن مع الذكرى السنوية للهجوم على طرابلس عام 2019، والذي دعمته تركيا ضد قوات حفتر، قد يحمل رسائل مضادة. يرى البعض أن تركيا تسعى إلى إرسال رسالة مزدوجة، مفادها أنها قادرة على التأثير في مسار الأحداث في ليبيا سواء في شرقها أو غربها، مما يعزز موقفها كطرف رئيسي في المعادلة الليبية.

في المقابل، يظل الغموض يحيط بأهداف الزيارة من قبل صدام حفتر نفسه. حيث يعتبر البعض أن هذه الزيارة تمثل خطوة في مساعي حفتر لتحسين صورته الدولية، بعد التوترات التي شهدتها علاقاته مع روسيا ودعمه العسكري للقوات في الجنوب. كما يرى آخرون أن هذه الزيارة قد تكون جزءاً من جهود حفتر لإعادة التوازن في علاقاته الإقليمية، وتحقيق نوع من التفاهم مع تركيا في ظل المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة.

في الختام، تمثل زيارة صدام حفتر إلى أنقرة تحولاً مهماً في السياسة التركية تجاه ليبيا، وتجسد محاولات تركيا لزيادة نفوذها في الشرق الليبي بعد سنوات من الانحياز الواضح لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس. وتعد هذه الزيارة خطوة نحو تحقيق التوازن في علاقات تركيا مع الأطراف المختلفة في ليبيا، في إطار مصالحها الاستراتيجية والسياسية في المنطقة. ومع استمرار التوترات بين حفتر وحكومة طرابلس، تظل تركيا لاعباً أساسياً قد يؤثر في مجريات الأمور على الساحة الليبية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here