علاء حموده
أفريقيا برس – ليبيا. تواجه حكومة «الوحدة» (المؤقتة) في ليبيا ضغوطاً دبلوماسية وقانونية متزايدة، على خلفية اتهامات بـ«عدم التعاون الكافي مع المحكمة الجنائية الدولية في تسليم سيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، ومتهمين ليبيين آخرين بارتكاب انتهاكات حقوقية ترتقي إلى جرائم حرب». غير أن مندوب ليبيا لدى المحكمة الجنائية الدولية، السفير أحمد الجهاني، أكد لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي من لاهاي، أن التواصل بين السلطات الليبية والمحكمة «مستمر ومتقدم»، مشيراً إلى أن حكومة «الوحدة» قد «مددت بالفعل ولاية المحكمة في ليبيا حتى نهاية عام 2027، وهو أقصى ما يمكن تقديمه في هذا الإطار».
وتتزايد الضغوط داخل أروقة الأمم المتحدة لتشديد الرقابة على الأوضاع الحقوقية في ليبيا؛ إذ أوصت محكمة العدل الدولية مجلس حقوق الإنسان أخيراً بإنشاء آلية مستقلة، عبر تعيين مقرر خاص لمتابعة الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها، وهي توصية أيّدتها لجنة «الحقوقيين الدوليين»، التي رأت أن «الانتهاكات الجسيمة ما زالت مستمرة دون مساءلة».
وأوضح الجهاني أن مكتب النائب العام الليبي، الصديق الصور، قدّم للمحكمة «نتائج تحقيقات وطنية» حول بعض القضايا، لكنه انتقد ما وصفه بـ«غياب تبادل المعلومات من جانب المحكمة»، قائلاً إن الأخيرة «لم تزوّد الجانب الليبي بما لديها من أدلة، أو تحقيقات تخص بعض المواطنين المدرجين في قوائم الاتهام». غير أن المندوب الليبي أشار إلى أن «الجهود التي يقودها النائب العام ومكتبه في الظروف الراهنة تُعد غير عادية بكل المقاييس»، لكنه اعترف بأن بعض الملفات «تظل خارج السيطرة»، سواء «لوجود بعض المطلوبين خارج البلاد، مثل سيف الإسلام، أو لاحتماء آخرين بمجموعات مسلحة داخل ليبيا»، مبرزاً أن الحكومة «تسعى إلى تعزيز التعاون مع المحكمة في إطار التكامل بين القضاءين الوطني والدولي».
وسبق أن جددت المحكمة الجنائية الدولية دعوتها لتسليم سيف الإسلام، وتسعة آخرين متهمين بارتكاب جرائم حرب منذ عام 2011.
ومن غير المعروف مكان إقامة سيف الإسلام، الذي أُطلق سراحه من قبل مجموعة مسلحة في الزنتان (غرباً) قبل 8 أعوام، واقتصر ظهوره على حوار صحافي أدلى به لصحيفة «نيويورك تايمز» عام 2020، وتقديم أوراق ترشحه للرئاسة في عام 2021، وبيانات عبر حسابات منسوبة له بمواقع التواصل الاجتماعي.
ومن منظور دبلوماسيين، ومن بينهم السفير الليبي، إبراهيم موسى جرادة، كبير المستشارين السابق بالأمم المتحدة، فإن تعامل السلطات الليبية مع المحكمة الجنائية الدولية «يكتنفه قدر كبير من التعقيد والحساسية»، وهو ما عزاه جرادة في تصريح له إلى «تشابك العوامل الداخلية، واضطراب المشهدين السياسي والأمني في البلاد، فضلاً عما تمر به المحكمة من (موقف سلبي من الإدارة الأميركية)». ويوضح أن تلبية مطالب المحكمة «تمثل عبئاً ثقيلاً على السلطات الليبية»؛ نظراً لما قد تثيره من تداعيات داخلية معقدة.
في المقابل، ورغم تأكيدات حكومة «الوحدة» على تعاونها عبر إعلانها في مايو (أيار) الماضي قبول اختصاص المحكمة حتى عام 2027، علماً بأن ليبيا ليست طرفاً في «نظام روما الأساسي»، فإن هذا القرار أثار جدلاً داخلياً؛ إذ اتهم مجلس النواب الحكومةَ بتجاوز صلاحياتها «المحدودة»، وفق خريطة الطريق المعتمدة في جنيف.
وعدّ قانونيون أن «قرار التعاون مع المحكمة من اختصاص السلطة التشريعية لا التنفيذية»، وهي رؤية أيّدها الخبير القانوني، الكوني عبودة، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن ليبيا «غير ملزمة قانونياً بالتسليم إلا في حال صدور قرار جديد من مجلس الأمن شبيه بالقرار (1973)».
من ناحية أخرى، فإن المجتمع الدولي يركّز ضغوطه حالياً على ملف ترهونة، الذي لا يزال يرمز إلى حجم الانتهاكات المرتكبة خلال حرب العاصمة طرابلس (2019-2020). فرغم مرور أكثر من أربع سنوات على اكتشاف المقابر الجماعية، التي ضمت مئات الضحايا، لم تُسلّم السلطات الليبية قادة ميليشيا «الكانيات»، المتهمين بارتكاب جرائم قتل جماعي وتعذيب وإخفاء قسري. وتلاحق المحكمة الجنائية ستة من أبرز عناصر الميليشيا، من بينهم عبد الرحيم الكاني ومخلوف دومة.
وأثار توقف أعمال الحفر في مقابر ترهونة منذ عامين انتقادات حقوقية واسعة؛ إذ اعتبرت منظمات مثل «هيومن رايتس ووتش» و«الحقوقيون الدوليون»، أن الجمود القائم «يكرّس الإفلات من العقاب»، ويعكس عجز السلطات عن محاسبة المتورطين في الجرائم.
وقد عبّر أهالي ضحايا ترهونة في سبتمبر (أيلول) الماضي عن غضبهم، خلال اجتماع مع بعثة الأمم المتحدة، من «تجميد التحقيقات وهروب المتهمين»، في حين أصدر النائب العام أوامر قبض بحق عناصر من «الكانيات» وأفراد أمن، في محاولة لإظهار تجاوب داخلي.
وفي هذا السياق، يرى الباحث هشام الحاراتي أن تحقيق العدالة «يتطلب إرادة سياسية، وتعاوناً عملياً في تسليم المطلوبين ووقف الانتهاكات»، معتبراً أن إعلان حكومة الدبيبة قبول اختصاص المحكمة «يبدو محاولة لتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي أكثر من كونه التزاماً فعلياً».
وفي سياق الضغوط الدولية، تتواصل مطالب أطراف دولية لحكومة «الوحدة» بتسليم أسامة نجيم، المدير السابق لأحد سجون طرابلس، الذي أُوقف في إيطاليا في يوليو (تموز) الماضي بتهم التعذيب والقتل، بموجب مذكرة من المحكمة، ثم أُفرج عنه لعدم كفاية الأدلة.
ويستدل أستاذ القانون الدولي، الدكتور محمد الزبيدي، بقضية نجيم لتأكيد أن موقف حكومة الدبيبة تجاه المحكمة «تحكمه اعتبارات سياسية بالدرجة الأولى، لا التزامات قانونية بحتة». وأوضح أن «تمديد ولاية المحكمة، وإحالة بعض أسماء المطلوبين إلى لاهاي، لا يعنيان بالضرورة استعداد الحكومة لتسليم المتهمين»، بل قد يكون ذلك «محاولة لامتصاص الضغط الدولي، والاحتفاظ بهذه الورقة للتلويح بها ضد الخصوم السياسيين».
وخلص الزبيدي إلى أن استمرار ضعف المؤسسات القضائية والانقسام السياسي «يمنح المحكمة ذريعة لتمديد ولايتها، التي كان يُفترض أن تنتهي بانتهاء أحداث عام 2011»، مشيراً إلى أن «تغوّل المجموعات المسلحة، واستمرار غياب العدالة، يجعلان هذا الملف مفتوحاً إلى أجل غير مسمى».
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس