عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا عن بدء جولة العطاء العام لاستكشاف 22 منطقة جديدة في عام 2025، في خطوة تهدف إلى تنشيط قطاع النفط والغاز من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية. ورغم أهمية هذه الخطوة في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور، فقد أثارت ردود فعل متباينة بين مؤيدين ومعارضين لها، حيث اعتبر البعض أنها فرصة لإنعاش الاقتصاد الوطني، بينما اعتبرها آخرون تهديدًا للسيادة الاقتصادية الليبية.
رفض واسع وانتقادات قانونية: تهديد للسيادة النفطية؟
لم تكد تمر أيام قليلة على إعلان المؤسسة عن العطاءات الجديدة حتى تصاعدت الأصوات الرافضة من داخل المؤسسات التشريعية في ليبيا. فقد اعتبرت لجنة الطاقة في البرلمان أن فتح الباب للاستثمار الأجنبي في هذا التوقيت لا يتماشى مع التشريعات الليبية، وطالبت بتقديم تقرير مفصل حول إجراءات العطاء العام لضمان تحقيق مصلحة الدولة.
أما كتلة التوافق الوطني في المجلس الأعلى للدولة، فقد رأت أن هذه الخطوة تمثل “إهدارًا” للمقدرات النفطية الليبية، محذرة من أنها قد تؤدي إلى فقدان ليبيا سيادتها الاقتصادية على قطاع النفط. في بيان لها، وصفت الكتلة السياسة المتبعة من الحكومة بأنها “نفط مقابل البقاء”، ما يعكس، حسب رأيهم، استغلال الموارد لصالح أهداف سياسية ضيقة لحكومة الوحدة على حساب مصلحة الشعب الليبي.
تساؤلات حول الشفافية: هل ستحقق هذه العطاءات مصلحة ليبيا ؟
ورغم الرفض السياسي الواسع، يؤكد العديد من الخبراء أن زيادة الاستثمارات الأجنبية في قطاع النفط قد تساهم في إنعاش الاقتصاد الليبي. في هذا السياق، شدد وزير النفط والغاز بحكومة الوحدة، خليفة عبد الصادق، على أن جولة العطاء العام تعد بمثابة “إشارة قوية لعودة ليبيا بقوة إلى الساحة العالمية”، معتمدين على بيئة أكثر استقرارًا ورؤية تهدف إلى استهداف الشركات العالمية عبر إطار متطور وشفاف.
ضرورة إعادة هيكلة القطاع النفطي
في تصريح خاص لـ “أفريقيا برس”، أكد رجل الأعمال الليبي حسني بي على أهمية تعزيز دور الغاز الطبيعي في الاقتصاد الليبي، مشيرًا إلى أن تكلفة إنتاج الكهرباء في ليبيا تلتهم حوالي 200 ألف برميل يوميًا، بتكلفة تتراوح بين 150 مليون دولار يوميًا. وأوضح بي أن استخدام الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء سيخفض هذه التكلفة إلى ما دون 50 مليون دولار، مما يوفر نحو 100 مليون دولار يوميًا. وأضاف أن هذا التوفير يمكن أن يساهم في تحقيق إيرادات إضافية تصل إلى 3.5 مليار دولار سنويًا.
لكن بي لم يقتصر في تصريحاته على الجانب الاقتصادي فقط، بل أكد أيضًا على ضرورة إعادة هيكلة القطاع النفطي في ليبيا. وأشار إلى أن المؤسسة الوطنية للنفط بحاجة إلى التحول إلى شركة قابضة تمتلك الأصول النفطية بشكل فعلي، وفقًا للقانون الذي يحدد دورها. وتحدث عن ضرورة إدخال معايير قياس مالية واضحة مثل “الربح والخسارة” لضمان كفاءة القطاع وتحقيق الاستدامة المالية.
ضرورة تنويع مصادر الدخل الوطني
من جانب آخر، يرى المحلل السياسي عبدالله الديباني أن ليبيا بحاجة ماسة إلى تنويع مصادر دخلها وعدم الاعتماد على النفط والغاز فقط. وقال في تصريح خاص لـ “أفريقيا برس” إن الاقتصاد الليبي يجب أن يستفيد من التطورات الحديثة في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مؤكدًا على ضرورة تحفيز القطاعات غير النفطية مثل السياحة والصناعات المحلية.
وأضاف الديباني أن ليبيا تمتلك إمكانيات هائلة في السياحة الطبيعية، وهو ما يتطلب استراتيجية جديدة لدعم هذا القطاع، بالإضافة إلى ضرورة دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لخلق فرص عمل جديدة للمواطنين. ولفت إلى أن الوقت قد حان لتشجيع الشباب الليبيين على الدخول في مجال الأعمال الخاصة بعيدًا عن الاعتماد على القطاع العام والنفطي.
الاستثمار الأجنبي: أداة للتطوير أم تهديد للمستقبل؟
على الرغم من التصريحات المؤيدة للاستثمار الأجنبي كوسيلة لتحفيز الاقتصاد، يبقى السؤال الأهم هو كيفية تحقيق توازن بين الاستفادة من هذه الاستثمارات وحماية المصالح الوطنية. في هذا السياق، يؤكد العديد من المحللين أن ليبيا بحاجة إلى ضمان الشفافية في جميع مراحل التعاقدات مع الشركات الأجنبية، إضافة إلى ضرورة التحقق من أن هذه العقود لن تضر بسيادة الدولة على مواردها الطبيعية.
في المقابل، يرى المعارضون أن الحكومة تتبع سياسة لا تستهدف تعزيز الاقتصاد الوطني بشكل فعلي، بل تركز على تأمين مصالح سياسية ضيقة على حساب المصالح الاقتصادية الكبرى. وفي هذا الصدد، يشدد البعض على أن أي خطوة يجب أن تتبعها مراجعة قانونية صارمة، لضمان عدم وقوع البلاد في فخ العقود غير العادلة.
وفي الختام، بينما يتجادل السياسيون حول جدوى فتح باب الاستكشاف أمام الشركات الأجنبية، تظل التساؤلات مفتوحة حول كيفية ضمان أن هذه الخطوة ستعود بالنفع على الاقتصاد الليبي.
فبينما يراها البعض فرصة لتطوير القطاع النفطي، يشكك آخرون في إمكانية حماية السيادة الوطنية وضمان أن العائدات ستُستخدم لصالح الشعب الليبي. في النهاية، تبقى الشفافية والمساءلة هما العاملين الأساسيين في تحديد ما إذا كانت هذه الخطوة ستشكل خطوة إيجابية نحو تنمية ليبيا أم ستتحول إلى أزمة جديدة في خضم الأزمات المتعددة التي تعيشها البلاد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس