كأس العالم؛ حلبة من الصراعات السياسية!

7
كأس العالم؛ حلبة من الصراعات السياسية!
كأس العالم؛ حلبة من الصراعات السياسية!

منصف اليازغي

أفريقيا برس – ليبيا. عندما فازت الجزائر على ألمانيا في مونديال 1982 بإسبانيا، أصر الجيران الشرقيون على الاحتفال بالقرب من الحدود المغربية في خطوة تأتي في عز الأزمة السياسية بين البلدين، وفي ظل تنافس البلدين على تحقيق الامتياز حتى في أبسط الأشياء. 4 سنوات بعد ذلك في كأس العالم بالمكسيك، رد سكان وجدة الحدودية بنفس المنوال بعد تأهل تاريخي للمغرب إلى الدور الثاني بفوز لا ينسى على البرتغال.

لكن تصفيات مونديال2010 حققت سابقة مثيرة في صراع الجارين، فقد تعاطف المغاربة مع الجزائر في مبارياتها الثلاث أمام مصر، إلى الحد الذي اقترحت فيه الجزائر خوض مباراتها الفاصلة بالمغرب، في حين نصح تقرير للسفارة المصرية بالمغرب الاتحاد المصري بعدم الموافقة على الاقتراح الجزائري بالنظر إلى الميول المسجل لدى المغاربة اتجاه منتخب رابح سعدان.

ولم يفت النظام السوداني فرصة تنظيم المباراة الفاصلة بين البلدين بالعاصمة الخرطوم يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2009، فقد دخل لاعبو المنتخبين الجزائري والمصري مصحوبين بأطفال سودانيين يحملون على قمصانهم صورة بارزة للرئيس عمر البشير، فنظام متهالك لا يمكن أن يضيع هكذا مناسبة تناقلتها مئات العدسات والشاشات في عز الأزمة السياسية التي يعيشها أكبر بلد في إفريقيا.

كأس العالم، التي شكلت حلم الفرنسي جول ريميه، لم تظل بعيدة عن السياسة، فهي الحلبة التي قد تسمح بامتداد الحرب، لكن بدون أسلحة كما قال البريطاني جورج أوريل، وهي أيضا الساحة التي تُختبر فيها مختلف أنواع الرسائل السياسية لدرجة تحولت إلى ملف حساس تتداوله وزارة الخارجية قبل نظيرتها في الرياضة.

يوليو/تموز من سنة 1969، أشعلت مباراة بين منتخبي السلفادور وهوندوراس في إطار التصفيات المؤهلة لمونديال المكسيك حربا بين البلدين لمدة أربعة أيام ولم تتوقف إلا بوساطة من منظمة الدول الأمريكية، فقد تعدى الأمر كل ما هو رياضي، فتوجه منتخب الهوندوراس في سيارة مصفحة إلى ملعب “سان سلفادور”، قبل أن تبادر ميلشيات هندوراسية إلى التنكيل بقرويين ينتمون للسلفادور، ما قاد قوات السلفادور إلى مهاجمة البلد الجار.

وفي عام 1974 رفض الاتحاد السوفياتي خوض مباراة السد من أجل التأهل إلى كأس العالم بألمانيا الغربية مع تشيلي لأنها شهدت سنة 1973 انقلابا دمويا قاده الجنرال أوغستو بينوتشيه بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية على حكم الرئيس الشرعي سالفادور أليندي الذي صعدت به صناديق الاقتراع إلى الحكم سنة 1970. وشهدت كأس العالم لسنة 1978 بالأرجنتين استغلالا بشعا للرياضة، فقد شهد هذا البلد أشهرا قبل المونديال انقلابا عسكريا قاده الجنرال يورغي رافييل فيديلا، ورغم أن أصواتا كثيرة نادت بمقاطعة البطولة فإنها لم تجد أي صدى، بل إن الطغمة الحاكمة في الأرجنتين جعلت المونديال واجهة للنظام مخصصة 10% من الميزانية العامة لتنظيم البطولة من أجل الظهور بمظهر مغاير أمام العالم… مظهر يخفي المجزرة التي ارتكبت بعد الانقلاب العسكري.

وعلى العكس من ذلك، هدفت إسبانيا من خلال تنظيمها لكأس العالم سنة 1982 إلى إبراز الوجه الجديد للمملكة التي دشنت مسارها الديمقراطي منذ سنة 1975 وإلى طي صفحة جمهورية إسبانيا ورئيسها الجنرال فرانسيسكو فرانكو، وتقديم اسبانيا الجديدة بنظام ملكي جديد يقوده خوان كارلوس دي بوربون، إضافة إلى محو صورة هجوم الكولونيل تيخيرو على البرلمان الإسباني في فبراير/شباط 1981، والذي تناقلته شاشات التلفزيون مباشرة، وصورة البلد الذي بلغت ديونه نهاية السبعينات 14 مليون دولار.

وكان مونديال 1986 بالمكسيك مسرحا للسياسة مجددا عندما أفرز دور الربع نهائي مباراة بين الأرجنتين وإنكلترا، فقد كان البلدان دخلا قبل 4 سنوات في حرب من أجل جزر الفوكلاند، إذ كانت المجموعة العسكرية في الأرجنتين وضعت يدها سنة 1982 على هذه الجزر بسبب قربها الجغرافي منها وعلى أساس أن بريطانيا لن تبدي رد فعل قوي من أجل جزر لا يسكنها سوى بعض الرعاة، غير أن حكومة مارغريت ثاتشر جهزت أسطولا حربيا لإعادة احتلال الجزر، وبعد فوز الأرجنتين بهدفين لواحد حملا توقيع مارادونا شعرت كما لو أنها استعادت بضعا من كرامتها أمام المرأة الحديدية.

وشهد مونديال 1998 الذي احتضنته فرنسا مواجهة بين منتخبي إيران والولايات المتحدة، وحظيت هذه المباراة باهتمام بالغ خصوصا وأن الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان وصف إيران بإمبراطورية الشر بعد الثورة التي أسقطت الشاه رضا بهلوي سنة 1979، أما الخميني فوصف الولايات المتحدة بالشيطان الأكبر. وانعكست هذه الأجواء على اللاعبين، لذلك قال لاعب المنتخب الأمريكي لالاس: “أقبل الهزيمة في أي مباراة إلا أمام إيران”، وعندما فازت إيران بهدفين لواحد اعتبر الإيرانيون الفوز بأنه انتصار رمزي على أكبر قوة في العالم، أما اللاعب ميهدا فيكيا مسجل هدف الفوز فقد تحول إلى بطل قومي وهتف باسمه الإيرانيون في الشوارع تعبيرا عن فرحتهم بنصر تجاوز الحدود الرياضية. ولرش مزيد من الملح على نظام الملالي، تعمدت قناة تلفزيون فرنسية يوم المباراة بث فيلم “أبدا بدون ابنتي” والذي يحمل انتقادات كبيرة لنمط العيش في إيران وللنهج الديني الشيعي.

لقد أصبحت كأس العالم في الوقت الحالي أهم من متطلبات شعب بأكمله، فأي بلد قد يؤجل مشاريع عدة من أجل ضمان تأهل منتخبه، كما أن لا أحد اليوم سيفكر في مقاطعة أكبر تظاهرة كروية في الكون لسبب سياسي أو اقتصادي، ولا أحد اليوم يمكن أن يتذرع بأي عذر من أجل مقاطعة كأس العالم، وحتى في حالة وجوده يوضع جانبا أو يؤجل الحديث عنه إلى وقت لاحق.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here