علاء حموده
أفريقيا برس – ليبيا. لم يمض وقت طويل على المظاهرات التي شهدتها بعض مدن شرق وجنوب ليبيا للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، حتى ساد الانقسام بين عدد من الساسة بعد مسارعة «المفوضية العليا للانتخابات» إلى إبداء استعدادها لإجراء الاستحقاق بدءاً من منتصف أبريل (نيسان) 2026.
ورغم أن إعلان المفوضية بدا لبعض الساسة أقرب إلى «رسالة سياسية»، أو «رد فعل مؤقت» على ضغوط شرق ليبيا وطلب البرلمان، أكثر من كونه انعكاساً لاستعدادات فنية، فقد كشف لمتابعين عن حدود الرهانات على انتخابات داخل بلد مثقل بالانقسامات والتحديات الأمنية.
وتجلى الانقسام بوضوح في بعض ردود الفعل الشعبية على بيان المفوضية؛ ففي شرق ليبيا تصاعدت الدعوات لإجراء الانتخابات الرئاسية، إلى جانب مطالبة عميد أجدابيا، علي بوحليقة، بسرعة إجراء الانتخابات «لإنهاء الفوضى واستعادة الاستقرار».
في المقابل، رفض مجلس حكماء وأعيان طرابلس إجراء الانتخابات الرئاسية قبل وجود دستور، وذهب إلى ضرورة تجديد الشرعية التشريعية أولاً عبر الانتخابات البرلمانية، ثم الاستفتاء على الدستور، تمهيداً لانتخابات رئاسية تضمن استقرار البلاد، وتوحيد مؤسسات الدولة.
وتستحضر تداعيات بيان المفوضية ما حدث من إخفاق ديسمبر (كانون الأول) 2021، حين أُجهضت العملية الانتخابية الناتجة عن «ملتقى جنيف» بدعوى «القوة القاهرة». واليوم، وبعد أربع سنوات على ذلك، لا تزال ليبيا تواجه واقعاً مشابهاً، يراوح نفسه داخل دائرة بها حكومتان متوازيتان؛ الأولى في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية في بنغازي برئاسة أسامة حماد، وإطار قانوني موضع خلاف، ومراكز قوى عسكرية وسياسية تتحكم في المشهد السياسي.
وعلى الرغم من قبول بعض البرلمانيين بمبدأ إجراء الانتخابات الرئاسية، باعتبارها مطلباً شعبياً، فإنهم أبدوا مخاوفهم من عقبات كبيرة تعترض المسار الذي اقترحته المفوضية. وفي هذا السياق يشير النائب الليبي، فهمي التواتي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن العائق الأبرز «يكمن في غياب الضمانات المتعلقة بنزاهة القضاء».
ومن منظور التواتي، يبدو أن «القضاء خاضع للترهيب والترغيب، وإذا أُجريت انتخابات الآن فإن النتائج ستكون عكس إرادة الناخبين»، مستشهداً «بخروقات حدثت في الانتخابات البلدية الأخيرة كدليل على هشاشة المنظومة القضائية». ومن جهته، يربط النائب علي الصول «نجاح العملية الانتخابية بتوحيد السلطة التنفيذية أولاً»، وفق تصريحه الذي نقلته وسائل إعلام محلية.
وفي ظل هذا الجدل، تواجه المفوضية انتقادات في ظل مشاورات بين مجلسي النواب و«الدولة»، ومساع لتغيير مجلس إدارتها بالكامل، وعلى وقع خريطة طريق أممية تدعو لإصلاحات محدودة في مجلسها. لكن «المفوضية» لم تُطلق إعلانها عن جاهزيتها للانتخابات الرئاسية في أبريل المقبل كوعود بلا سقف، بل أبدت مرونة تجاه عقد الانتخابات تحت سلطة حكومتين، وربطته بتوفير التمويل والأمن، والاتفاق على آلية الإشراف في ظل وجود حكومتين.
وفي هذا السياق، وجهت رسالة مباشرة إلى مجلسي النواب و«الدولة» بتحمل مسؤولياتهما التاريخية في مواجهة ما وصفتها بـ«مؤامرات تهدف إلى ترسيخ واقع الانقسام».
ويذهب عضو المجلس الأعلى للدولة، أحمد أبو بريق، إلى الاعتقاد بأن بيان المفوضية «سياسي أكثر منه واقعي»، محذراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من أن إجراء انتخابات رئاسية فقط قد يعمق الانقسام بسبب احتمال عدم قبول النتائج، مشيراً إلى أن هذا الإعلان السياسي من جانب المفوضية يأتي كرد فعل على محاولة أطراف سياسية للسعي لتغيير مجلس المفوضية.
بدوره، يطرح الكاتب والمحلل السياسي، نبيل السوكني، سؤالاً مباشراً: «لماذا لم تُجرِ المفوضية التصويت على الدستور؟»، عاداً في منشور عبر «فيسبوك» أن تجاهل الاستفتاء يمثل أزمة بنيوية؛ لأن «الاعتماد على أساس قانوني غير توافقي، والتغاضي عن الأساس الدستوري الشرعي يهددان أي عملية انتخابية».
وتخضع ليبيا حالياً لدستور انتقالي صدر عام 2011، في حين تعثرت محاولات اعتماد دستور دائم، صاغته لجنة منتخبة عام 2017، مما ساهم في استمرار حالة الغموض القانوني والسياسي.
في المقابل، هناك من يتحدث عن جدية المفوضية في إجراء الانتخابات في أبريل المقبل، وهي وجهة نظر المتحدث السابق باسم المجلس الأعلى للدولة، السنوسي إسماعيل، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «المجلس الحالي للمفوضية اكتسب خبرة كبيرة، ونجح في تنظيم انتخابات 118 بلدية، رغم الظروف الصعبة»، معتبراً أن تغيير المجلس لا مبرر له سوى «رغبة بعض الأطراف في العرقلة».
ويضيف إسماعيل أن «قانون (لجنة 6+6) يشترط وجود حكومة موحدة جديدة، ما يشكل ضغطاً على المفوضية في ظل وجود حكومتين متنافستين»، منبهاً إلى أن «بعض أعضاء مجلس الدولة ونواب البرلمان يسعون لتغيير كامل المجلس للتهرب من الانتخابات، رغم أن خريطة الطريق الأممية تطالب فقط بإضافة ثلاثة أعضاء لسد الشواغر».
ووسط هذه المواقف المتباينة، تقف ليبيا أمام مفترق طرق بشأن فرص عقد انتخابات حقيقية في أبريل المقبل، بين خطاب رسمي يعد بإطلاق الاستحقاق، وواقع ميداني وقانوني معقد، فيما تتأرجح آمال الليبيين في إنهاء عقد من الانقسامات والاضطرابات.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس





