عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. أكد الناشط الحقوقي طارق لملوم أن تصريحات وزير الداخلية الليبي، عماد الطرابلسي، حول قضايا الحريات والأداب العامة، تعكس خطوة إعلامية لاستقطاب تيار ديني معين، وتفتقر إلى بيانات رسمية تدعمها.
وقال لملوم في حوار مع “أفريقيا برس” إن هذه التصريحات تركز على قضايا سطحية، كاللباس والسلوك، بينما تواجه ليبيا أزمات أهم، كالتشكيلات المسلحة والخطط الأمنية.
وأضاف أن الحكومة تتأثر بمطالب وسائل التواصل الاجتماعي، مما يضعف من مصداقية الخطاب. شدد على أن المجتمع المدني يجب أن يتصدى لأي محاولات لتقويض الحريات، داعياً لتفعيل آليات قانونية وحقوقية تضمن حقوق الأفراد.
كيف ترى تصريحات وزير الداخلية الليبي حول قضايا الحريات والآداب العامة؟
في رأيي، تصريحات وزير الداخلية، عماد الطرابلسي، لا تتعدى كونها خطوة إعلامية تهدف إلى كسب ود تيار ديني معين، وربما محاولة لحفظ مكانه في أي حكومة مقبلة. ما قاله الطرابلسي يفتقر إلى أي إحصائيات أو بيانات رسمية من وزارة الداخلية أو أي جهة حكومية تدعم حديثه عن ارتفاع جرائم الآداب العامة.
الواقع أن غالبية النساء في ليبيا هنّ محجبات، ولا توجد أي دلائل تشير إلى أن هذه القضايا تمثل أزمة حقيقية في المجتمع. ويبدو أن تصريحات الوزير تركز على الظواهر السطحية مثل الحجاب أو السلوك على وسائل التواصل الاجتماعي، في وقت تغرق فيه البلاد في قضايا أكثر أهمية وأولوية، مثل محاربة التشكيلات المسلحة وتنفيذ الخطط الأمنية.
هل تعتقد أن تصريحات وزير الداخلية تعكس توجه الحكومة نحو تقليص الحريات الفردية في ليبيا؟
لا أعتقد أن تصريحات الوزير تعكس توجه الحكومة بشكل عام نحو تقليص الحريات الفردية. المشكلة تكمن في أن الحكومات الليبية المتعاقبة، بما في ذلك حكومة الدبيبة، تتأثر كثيراً بتوجهات وسائل التواصل الاجتماعي، ويبدو أن الوزير استجاب بشكل سريع لمطالب غير مدروسة ظهرت على هذه المنصات.
ففي النهاية الحكومة لا تملك بيانات حقيقية أو دراسات علمية تدعم أي قرارات بشأن الآداب العامة أو الحريات الشخصية. نعم، يمكن أن تكون هذه التصريحات تمهيداً لتوجيه خطاب شعبوي لاستقطاب فئات معينة من المجتمع، لكنه في النهاية يظل خطاباً غير مدروس وغير مبني على أسس قانونية واضحة. ومن المقلق أن وزارة الداخلية تبني خططها على مطالبات عبر وسائل التواصل، بدلاً من العمل على استبيانات علمية أو بيانات رسمية.
ماذا عن الإجراءات الأمنية التي تحدث عنها الوزير؟ هل تراها مبررة؟
في الحقيقة، لا أرى أي مبررات حقيقية لتصريحات وزير الداخلية حول الإجراءات الأمنية المزمعة. الوزير تحدث عن خطة لإخراج التشكيلات المسلحة من العاصمة طرابلس، لكن لم يتم تنفيذ أي من هذه الوعود رغم مرور وقت طويل.
وفي تصريحات سابقة، أكد الوزير أنه سيكون هناك خطة لإخلاء العاصمة من الجماعات المسلحة في غضون شهر، لكن هذه الخطة لم تتحقق، ما يعكس فشلاً في تنفيذ الأهداف الأمنية المعلنة.
وبالتأكيد، تصريحات الوزير حول ملاحقة الناشطين أو الأشخاص الذين يروجون لمحتوى “غير لائق” حسب نظره على وسائل التواصل هي مجرد محاولات لتغطية هذا الفشل.
الوزير لم يقدم أي خطة واضحة، بل كان خطابه ارتجالياً وغير مدروس. هذا النوع من التصريحات يعزز صورة الوزير كشخص يحاول إثارة الجدل دون أن يقدم حلولاً عملية، ويشوه أي تقدم قد يتحقق في مجال الأمن أو الحريات.
كيف يمكن للمجتمع المدني الليبي التعامل مع هذه التصريحات؟ وما هي آليات الضغط الممكنة؟
المجتمع المدني الليبي يجب أن يتعامل مع هذه التصريحات بشكل سلمي ومدروس. نحن بحاجة إلى ترسيخ سيادة القانون، بحيث تكون القوانين هي المرجع الوحيد في معالجة هذه القضايا، لا التصريحات العشوائية التي تصدر عن المسؤولين وإذا كانت هناك قوانين تقيّد الحريات، يجب أن يكون هناك دعم من قبل المجتمع المدني لرفع هذه القيود أو الضغط لتعديلها بما يتماشى مع حقوق الإنسان والقوانين في ليبيا والتشريعات.
لكن المشكلة أن البنية التحتية للمنظمات الحقوقية في ليبيا لا تزال ضعيفة. الأدوات المتاحة للعمل في مجال حقوق الإنسان ليست فعّالة دائماً، لكن من الضروري أن يكون للنشطاء صوت مسموع، وأن يتخذوا خطوات منسقة لإيصال رسائلهم. الأمر لا يقتصر فقط على التنديد أو الشجب، بل يجب أن نعمل على توفير الدعم والمناصرة بطريقة سلمية ومدروسة.
هل تعتقد أن هذه التصريحات تشكل استهدافاً لمنظمات حقوق الإنسان أو للأصوات المعارضة؟
بالتأكيد، هناك استهداف مستمر لمنظمات حقوق الإنسان والنشطاء الحقوقيين، سواء كان ذلك علنياً أو بشكل غير مباشر. وعادة ما يتم استهداف هؤلاء النشطاء عندما يتبنون مواقف ناقدة أو يقدمون تقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان. للأسف، عندما ينتقد أحد تصريحات مسؤول أو يطالب بالحقوق الأساسية، يُتهم أحياناً بخرق الأعراف الدينية والاجتماعية، وهذا غير مقبول.
عندما يضع المسؤولون أي ناشط أو منظمة حقوقية في قفص الاتهام بسبب مطالبتهم بالحقوق أو انتقادهم لقرارات حكومية، يتم بذلك تقويض العمل الحقوقي في ليبيا. وفي بعض الأحيان، نرى الهجوم على هؤلاء النشطاء يتخذ طابعاً دينياً أو اجتماعياً، مما يضعهم في موقف صعب.
كيف ترى تناقضا في تصريحات وزير الداخلية مع المعايير القانونية الدولية؟
التصريحات التي أدلى بها وزير الداخلية تتناقض مع التزامات ليبيا الدولية في مجال حقوق الإنسان. ليبيا كانت قد وقعت على العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تكفل حقوق الإنسان، بما في ذلك حرية التعبير وحرية التنقل. هذه التصريحات، إذا استمرت على هذا المنوال، قد تؤدي إلى عزلة ليبيا على الصعيد الدولي، وهو ما لا يمكن أن يكون في مصلحة أي حكومة.
حتى عندما يأتي الضغط من منظمات دولية مثل الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة، يجب على الحكومة الليبية أن تتعامل مع هذه الالتزامات بجدية. من الصعب أن تحافظ ليبيا على موقف متوازن في الساحة الدولية إذا استمرت مثل هذه التصريحات التي تتناقض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
ما هو دور الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية في الحد من التوجهات التي قد تقيد الحريات في ليبيا؟
الأحزاب السياسية في ليبيا مثلها مثل مؤسسات المجتمع المدني، ورغم تباين مواقفها، تلعب دوراً مهماً في حماية الحريات العامة. على الرغم من أن بعض الأحزاب تدعم الحكومة، فإنه من المؤكد أن العديد منها ستشجب مثل هذه التصريحات إذا استمرت. هذه الأحزاب يجب أن تلعب دوراً في الضغط على الحكومة لضمان احترام حقوق الإنسان وحريات الأفراد.
أما بالنسبة للمنظمات الدولية، فهي قادرة على تقديم ضغط كبير على الحكومة الليبية من خلال المنصات الدبلوماسية والسياسية. يجب على هذه المنظمات أن تبذل المزيد من الجهود لتذكير الحكومة الليبية بالتزاماتها الدولية، وأن تُحذرها من أي إجراءات قد تضر بصورة ليبيا على الساحة الدولية.
كيف يمكن أن تؤثر هذه التصريحات على المناخ السياسي والاجتماعي في ليبيا في المستقبل؟
إذا استمرت هذه التصريحات أو زادت وتيرتها، فإن العواقب ستكون وخيمة على المناخ السياسي والاجتماعي في ليبيا. يمكن أن تزيد من التوترات الاجتماعية، خصوصاً إذا اعتبر المواطنون هذه التصريحات تدخلاً في حياتهم الخاصة. كما أن استمرار الحكومة في توجيه هذا الخطاب قد يعمق الانقسامات الداخلية ويؤدي إلى حالة من الاستقطاب بين فئات المجتمع.
أكثر من ذلك، فإن مثل هذه التصريحات قد تؤدي إلى تصعيد الضغوط الدولية على الحكومة الليبية، خاصة أن ملف حقوق الإنسان في ليبيا لا يزال مفتوحاً في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. إذا لم تتعامل الحكومة بحذر مع هذه القضايا، فإنها قد تجد نفسها في مواجهة ضغوط أكبر على الساحة الدولية.
في ظل هذه الظروف، كيف يمكن أن يساهم المجتمع المدني في حماية الحريات في ليبيا؟
أؤكد أن المجتمع المدني الليبي يجب أن يعمل على تعزيز الوعي الحقوقي والتربوي. علينا التركيز على تثقيف الأفراد حول حقوقهم الأساسية، وتعليمهم كيفية الدفاع عنها بشكل سلمي. كما يجب على المنظمات الحقوقية في ليبيا أن تتعاون مع منظمات دولية لتقوية العمل الحقوقي في البلاد، وأن يكون لديها قدرة على الضغط بشكل قانوني وسلمي ضد أي انتهاك لحقوق الإنسان.
نحن بحاجة إلى التركيز على التوعية المستمرة وعدم السكوت عن أي محاولات للتضييق على الحريات العامة. في الختام، تظل تصريحات وزير الداخلية الليبي عماد الطرابلسي حول قضايا الآداب العامة والحجاب وملاحقة ناشطي وسائل التواصل الاجتماعي موضوعًا مثارًا للجدل.
من جهة، يمكن النظر إليها كخطاب يتوجه إلى جزء من المجتمع يبحث عن تعزيز القيم الاجتماعية والدينية، ومن جهة أخرى، فإن هذه التصريحات تثير قلقًا بشأن التأثيرات المحتملة على الحريات الشخصية وحقوق الأفراد في ليبيا.
بينما يواجه المجتمع المدني تحديات كبيرة في الدفاع عن حقوق الإنسان، يبقى السؤال الأبرز كيف يمكن للحكومة أن توازن بين تحقيق الأمن والاستقرار وبين احترام الحريات الفردية؟
إذا استمرت هذه التصريحات في التأثير على السياسات العامة، قد يكون لها تداعيات سلبية على صورة ليبيا في الساحة الدولية وعلى تماسك المجتمع الداخلي. وفي هذا السياق، سيكون من المهم أن تستمر المناقشات حول حقوق الإنسان والحريات في ليبيا، مع التركيز على تعزيز سيادة القانون وحماية الحقوق الأساسية لجميع المواطنين، بما في ذلك الحق في التعبير والخصوصية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس