خليفة علي حداد
أفريقيا برس – ليبيا. لا تمثل نهاية سنة وبداية أخرى موعدا مضبوطا، ضرورة، لتقييم مشهد سياسي أو أمني أو اقتصادي؛ فمسار الأحداث لا يراعي أياما بعينها في مبتدئه ومنتهاه وتفاصيله، بقدر ما تتداخل في أحداثه سياقات عديدة ومعقدة؛ بعضها ظرفي طارئ وبعضها الآخر هيكلي مزمن.. ولا يمكن للمشهد الليبي المتخم أن يكون استثناء، غير أن المتابع المهتم اعتاد على جرد الحساب السنوي لرصد التحولات واستشراف المآلات من سنة إلى أخرى..
2021 مكرر
قياسا إلى العناوين السياسية والاقتصادية والأمنية الكبرى لسنة 2021 لم تحمل سنة 2022 تغييرات جذرية لافتة من شأنها تحويل وجهة المشهد الليبي؛ ما يجعل السنة المنقضية نسخة مكررة لسنة 2021 بعد تعديلها تعديلا طفيفا..
لازال الشرخ الذي أصاب البلاد منذ 2014؛ تاريخ إطلاق عملية “الكرامة”، ماثلا، ومازالت تداعياته قائمة. ورغم أن توافقات جنيف أفرزت حكومة جديدة وصفت بـ”حكومة الوحدة الوطنية” وأدت إلى اختفاء الحكومة الموازية في المنطقة الشرقية، غير أن المعطيات على الأرض تنبئ بأن “الوحدة الوطنية” لازالت بعيدة المنال، وأن الدبيبة وحكومته لا سلطة حقيقية له على أجزاء من الجغرافيا الليبية في الشرق والوسط والجنوب، وأن “المشير” ومعسكره الأمني والسياسي والقبلي هو الحاكم الفعلي في بنغازي والبيضاء وطبرق وسرت ودرنة، وأن مؤسسات الدولة التنفيذية هناك، وإن بدت، أحيانا، منخرطة في سياقات “حكومة الوحدة الوطنية” فإن انخراطها لا يتعدى المرتبات وبعض الشكليات الأخرى.
لم يتوقف التشظي السياسي عند الانقسام المزمن بين منطقة شرقية واقعة تحت حكم “المشير” ومنطقة غربية تديرها حكومة الوحدة الوطنية، بل تعمق أكثر بظهور جسم جديد وصف نفسه بـ”الحكومة الليبية” برئاسة فتحي باشاغا؛ الوزير السابق في حكومة الوفاق الوطني.
حاول باشاغا، أكثر من مرة، فرض نفسه بديلا ميدانيا عن حكومة الدبيبة من داخل العاصمة طرابلس، غير أن محاولاته التي أدت إلى اندلاع جولات من القتال باءت بالفشل، فخيّر، على ما يبدو، ممارسة “سلطاته” بالظهور بين الحين والآخر في بعض مدن المنطقتين؛ الشرقية والجنوبية.
وعلى مستوى المشهد السياسي، أيضا، راوح الانقسام التشريعي بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب مكانه. ورغم ما بدا، أحيانا، من توافقات بين عقيلة صالح وخالد المشري وأعضاء من مجلسهما بخصوص ملف الانتخابات والتقائهم على مناكفة الدبيبة، فإن أي تفاهمات تعلن بين الطرفين سرعان ما تنقض، ليعود الجميع إلى نقطة الخلاف من الصفر.
“رعاية خارجية” مستمرة
لم يعد التدخل الإقليمي والدولي؛ المعلن والمستتر، أمرا خفيا في ليبيا. وكانت حرب “المشير” على طرابلس والمنطقة الغربية سنتي 2019 و2020 المناسبة التي كشفت عمق هذا التدخل الذي لم يعد مقتصرا على التدخل السياسي بل تجاوزه إلى التدخل العسكري المباشر لصالح طرفي الصراع، كما لم يقتصر على الاتفاقيات العسكرية المعلنة التي أبرمت مع دول إقليمية بل شمل جلب جحافل المرتزقة من مختلف الأجناس والألوان.
ورغم صمت المدافع والراجمات والطائرات على تخوم العاصمة وفي سمائها وعودة الجبهات إلى وضعها قبل هجوم 2019 فإن تفاصيل التدخل الإقليمي والدولي لم تتغير خلال سنة 2022، إذ مازال للفاغنر والأتراك والأفارقة وجنسيات عربية وغربية أخرى حضورهم العسكري في المشهد الليبي، ومازال الملف الليبي، برمته، على طاولات البحث في العواصم المؤثرة شرقا وغربا، ومازالت بعثة الأمم المتحدة للدعم ورئيسها الجديد مقصد اللاعبين الليبيين للبحث عن الحل والربط.
دولارات النفط تحجب الأزمة
على خلاف السنوات السابقة، شهدت أزمة السيولة النقدية انفراجا نسبيا سنة 2022، كما ظلت الأسواق عامرة بالسلع التموينية رغم ارتفاع أسعارها، وحافظ الدينار على بعض الاستقرار قياسا إلى السنوات السابقة، في وقت تشهد فيه دولتا الجوار؛ تونس ومصر، شحا كبيرا في تزويد الأسواق وارتفاعا صاروخيا في الأسعار ونسب التضخم وانزلاقا متواصلا للعملات المحلية.
وبالتوازي مع ذلك سعت حكومة الدبيبة إلى استعراض بعض الإنجازات على مستوى البنية التحتية من خلال تهيئة بعض أحزمة الطرقات بالعاصمة وجنوبها بهدف التخفيف من الاختناق المروري.
ورغم ذلك تظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية قائمة وقابلة للتعقد في ظل الافتقار إلى أي رؤية استراتيجية للتحول إلى منوال اقتصادي منتج، إذ أن حال الاستقرار النسبي، قياسا إلى ما سبق من الاختناقات، لا يعود، ضرورة، إلى سياسات نقدية واقتصادية استشرافية ومدروسة بقدر ما يعود إلى ارتفاع عائدات الريع النفطي بفضل التهاب الأسعار في السوق العالمية جراء الحرب الروسية على أوكرانيا وسياسات أوبك.
2023.. بأية حال يأتي؟
لاشك أن الأزمة متعددة الأوجه التي تمر بها ليبيا ليست حدثا ظرفيا عابرا، بقدر ماهي أزمة هيكلية مزمنة ومتشعبة وتضرب بعض جذورها في خمسة عقود مضت. وعليه، فإن توقع حدوث تغيرات إيجابية جذرية تطوي المشهد الحالي، خلال سنة 2023، ضرب من المثالية والتمني وقفز على قوانين السببية وسنن التاريخ والاجتماع.
وإذا كانت نفس الأسباب تؤدي، عادة، وفق قواعد علم المنطق، إلى نفس النتائج، فإن من حق المتابع أن يقيس عليها بالقول “نفس الوجوه تؤدي إلى نفس السياسات”، وعليه فإن تواصل سيطرة النخب الحالية على المشهد السياسي والأمني شرقا وغربا وجنوبا مؤذن بتواصل التجاذبات ونفس السياسات ونفس منظومات التفكير، وإن بأشكال جديدة، ما يؤدي إلى نفس الإخفاقات.
وحتى نكون موضوعيين في استشرافنا للمشهد سنة 2022، فإن النخب المتحكمة في المشهد ليست المسؤولة الوحيدة عن حال الفشل التي تراوح مكانها منذ عقود ولا عن المآلات القادمة. فالمجتمع، بمثقفيه ونشطائه المدنيين وبمواطنيه البسطاء، مسؤول، أيضا، عما يكابد من أزمات وعن اتجاه الأحداث في المستقبل.. إذ أن التغيير مسؤولية المواطن قبل أن يكون مسؤولية الحاكم.. ولعل نقطة الضوء التي تبعث الأمل في أيام قادمة مشرقة هي إرادة الشعب الذي فجّر، ذات يوم، ثورة فبراير وصنع معجزة لم يتوقعها أكثر المتابعين تفاؤلا.. وأعلن أن “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”..
نسال الله أن تكون سنة 2023 فاتحة عهد سعيد على ليبيا والليبيين وعلى كل العالم، وأن تكون أيامها بلسما للجراح وخاتمة للفتن والحروب.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس