غازي معلى
أفريقيا برس – ليبيا. شهد البرلمان الليبي جلسة مهمة تُعدّ بداية حقيقية، أو ربما جولة جديدة، في سباق تشكيل حكومة موحدة تُنهي سنوات الانقسام. سبعة مرشحين عرضوا برامجهم ورؤاهم وسط أجواء من الترقب الحذر والضغوط المستمرة.
أدار رئيس البرلمان، عقيلة صالح، الجلسة بلهجة حازمة، ولم يُخفِ تحذيراته، مؤكدًا أن النواب المتغيبين مدعوون لتحمّل مسؤولياتهم، وأن حكومة الدبيبة لم يعد لها مكان في خارطة الحل المقبلة. كما دعا بعثة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لمتابعة هذا المسار، مُصرًّا على أن نجاحه يتطلب رقابة دولية وضمانات جادة.
برامج المترشحين: وعود كبيرة وتفاوت في المصداقية
الكلمات التي ألقاها المترشحون السبعة كشفت عن تباين كبير في الرؤية والطرح:
– عبدالكريم امقيق وعد بتوحيد الأجهزة الأمنية تحت إشراف وزارة الداخلية وتفكيك الميليشيات، وأطلق وعداً اقتصادياً بعنوان “برنامج آمال” لتحقيق العدالة الاقتصادية، قائلاً: “ندعم الديمقراطية والأمن والعدالة والمصالحة الوطنية”.
– محمد المنتصر قدّم خطة إنعاش اقتصادي عاجلة وتنظيم انتخابات نزيهة، مشدداً على “توحيد الجيش ومعالجة منظومة الأرقام الوطنية”، وأكد أن “الأولوية لحل سياسي شامل ومصالحة وطنية عادلة”.
– عبد الحكيم بعيو اقترح تشكيل “حكومة محايدة مدتها سنة واحدة، تركز على التوحيد والخدمات دون ميزانية مركزية”، موضحاً أن “توزيع الميزانية على المحافظات سيحارب الفساد والتهريب”، مضيفاً: “لن ننحاز لأي طرف، نريد حكومة شاملة للجميع”.
– عثمان البصير أعلن أن “الانتخابات أولوية وأمن قومي، وعلينا إنهاء الإدارة المركزية”، داعياً إلى “تحقيق توافق سياسي ومشروع وطني شامل، وتوحيد الحكومة بمشاركة الجميع”.
– محمد المزوغي قدّم نفسه ببرنامج “مهني لمكافحة الفساد وتقديم الخدمات”، عارضاً حلولاً لأزمات السيولة والكهرباء والصحة والتعليم، وذكر: “سندعم الانتخابات ونشرع قوانين حديثة وننفذها بفعالية”.
– علي ساسي رفع شعار “توحيد الجيش والقضاء على الجماعات المسلحة”، ودعا إلى “بناء دولة مدنية موحدة وتحقيق الاستقرار”، مؤكداً: “سننهي الانقسام وننظم انتخابات، وندعم الإدارة المحلية”.
فضيل الأمين: التوازن بين الأمن والسياسة
من بين كل الخطابات، برز خطاب فضيل الأمين، الذي وصفه مراقبون بأنه الأكثر توازناً وواقعية. ركّز الأمين على أربعة محاور أساسية:
– شدّد على “ضرورة خارطة طريق واضحة للانتخابات الوطنية النزيهة”، واعتبر أن الانتخابات هي “الركيزة الأساسية لإعادة الشرعية”.
– أعلن بوضوح: “توحيد الجيش وتفكيك التشكيلات المسلحة، لأنها قنبلة موقوتة تهدد أي مسار سياسي”.
– لم يغفل البعد الإداري، مؤكدًا على “دعم الحكم المحلي وتثبيت المرجعية الدستورية كشرط للاستقرار وبناء الدولة”.
– تميّز خطابه بأنه جامع وواقعي، خالٍ من المبالغات، وقريب من تطلعات الليبيين الباحثين عن توافق فعلي.
موقف المجتمع الدولي: ترحيب حذر ودعوات للواقعية
يظل الملف الليبي تحت رقابة مكثفة من البعثة الأممية وعدد من العواصم المعنية. وأوضحت مصادر دبلوماسية أن المجتمع الدولي ينظر بإيجابية إلى أي خطوة توحيدية داخل البرلمان، لكنه يشدد في الوقت نفسه على ضرورة الابتعاد عن الشعارات الفضفاضة والتركيز على خطوات ملموسة:
– عبّرت البعثة الأممية عن أملها في أن تسهم هذه الجلسة في إطلاق “مرحلة انتقالية قصيرة وآمنة” تمهّد الطريق لانتخابات وطنية شاملة.
– اعتبرت عواصم غربية، خاصة روما وباريس، أن الخطوة مهمة لكنها “تتطلب التزامًا صارمًا بالمسار الديمقراطي وعدم العودة لمنطق الميليشيات أو تقسيم السلطات”.
– نوّهت تقارير إعلامية دولية إلى تميز خطاب فضيل الأمين واعتبرته “الأكثر واقعية” مقارنة ببعض الخطابات الأخرى التي بدت أقرب إلى التمنيات.
هل تتحول الوعود إلى أفعال؟
في النهاية، تبقى العبرة في التنفيذ: هل سينجح هؤلاء المرشحون، ومعهم عقيلة صالح، في تحويل هذه العناوين اللامعة إلى خطوات حقيقية على الأرض، أم ستبقى مجرّد عبارات؟
الأيام المقبلة وحدها ستكشف: هل نحن أمام بداية مسار جديد نحو الاستقرار والانتخابات، أم أمام جولة أخرى من الشعارات… وانتظار “قفة عيون” قد لا تصل أبداً؟
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس