أفريقيا برس – ليبيا. دعا مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا عبد الله باتيلي، قبل أسبوع، الأطراف المؤسسية الرئيسية في البلاد إلى اجتماع سيُعقد خلال الفترة المقبلة، بهدف تسوية الخلافات السياسية التي تعرقل إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية طال انتظارها في البلد الغني بالنفط.
لكن دعوة باتيلي اصطدمت برفض من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، مقابل قبول رئيس حكومة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، والمجلس والحكومة يشكلان، وفقا لبيان أممي، الأطراف المؤسسة إلى جانب: المجلس الرئاسي، والمجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، والقيادة العامة لقوات الشرق بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر. ولم يعلن المجلسان الأعلى والرئاسي وحفتر موقفهم من دعوة باتيلي.
ومنذ مطلع العام الماضي، توجد في ليبيا حكومتان يرأس إحداهما أسامة حماد بتكليف من مجلس النواب (شرق)، والأخرى معترف بها من الأمم المتحدة، وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب.
وقال مجلس النواب، عبر بيان في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إنه “يتحفظ على ما ورد بالبيان الأممي، وخاصة عدم احترام البعثة لمخرجات مجلس النواب المتعلقة بالتعديل الدستوري 13، وقرار منح الثقة للحكومة (برئاسة حماد)”.
وانتقد عدم “دعوتها (الحكومة) للاجتماع، رغم أنها الحكومة الشرعية عقب انتهاء المدة القانونية لحكومة الوحدة”، بحسب البيان.
في المقابل، أعرب الدبيبة، عبر كلمة مسجلة بثتها منصة “حكومتنا” (رسمية)، “استعداده للتجاوب مع كل المقترحات بجدية لتوسيع الثقة في المهام الموكلة للحكومة في العملية الانتخابية”.
“تخبط” أممي
معلقا على دعوة باتيلي، قال المحلل السياسي الليبي محمد محفوظ، إنه “بالرجوع قليلا للوراء، ومنذ مطلع السنة، أعتقد أن البعثة والمبعوث الأممي متخبطون كثيرا في سياساتهم ورؤاهم ومبادراتهم”.
وتابع: “تارة يدعون إلى لجنة رفيعة المستوى (لإزالة ما يعرقل إجراء الانتخابات)، وتارة أخرى يدعمون لقاء قادة التشكيلات العسكرية، كما دعمت البعثة لقاءات في بنغازي (شرق) وطرابلس (غرب) في رمضان (الماضي)، وتارة يتحدثون عن دور للجنة 6+6، واليوم يتحدثون عن الطاولة الخماسية، وبالتالي لا أعتقد بوجود مخططات حقيقية تنتج عنها حلول”.
محفوظ أردف أن “سياسة إدارة الأزمة مستمرة وليس صنع الحل، وبالتالي هذا تكرار لذات الأفكار والأساليب التي كانت تنتهجها البعثة طوال السنوات الماضية، لذلك مسألة جمع خمسة أطراف إلى طاولة واحدة لا أعتقد أنه سينتج عنه شيء”.
وشدد على وجود “تحديات كبيرة، منها عدم قدرة البعثة على جمعهم إلى طاولة واحدة.. والأمر المهم في تقديري هو: هل هؤلاء الأطراف الخمسة فقط وحدهم الموجودون في المشهد؟ لا أظن أن هذا صحيح”.
ومضى محفوظ قائلا: “ثمة أطراف أخرى غير مدعوة ولا أحد يمثلها من هؤلاء الخمسة، خاصة أطرافا تملك سلاحا، وبالتالي هناك شكوك حتى في قدرة الأطراف على تنفيذ ما يتفقون عليه في حال اتفقوا أو جلسوا مع بعضهم، وهذا سيناريو صعب إن لم يكن مستحيلا، ولا أظن أن هناك نتائج مرجوة”.
دعوة متوقعة
أما المحلل السياسي الليبي فرج فركاش فاعتبر، أن “دعوة باتيلي كانت متوقعة وألمح إليها في مناسبات عديدة، بعد تخليه عن فكرة اللجنة رفيعة المستوى، التي استبشرنا بها خيرا”.
وقال إن “هذه اللجنة كانت بمثابة عصا استخدمها باتيلي في وجه مجلسي النواب والدولة لحثهما (عبر لجنة “6+6″) على الخروج بقوانين توافقية وقاعدة دستورية تكون أساسا متينا لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة تنقلنا إلى مرحلة تتوحد فيها المؤسسات وتتجدد فيها الشرعية السياسية عبر أجسام منتخبة من الشعب بعد انتهاء الشرعية الانتخابية لكل الأجسام الحالية”.
فركاش رأى أن “باتيلي يحاول الآن (عبر الطاولة الخماسية) تحقيق اختراق في بعض النقاط الخلافية الموجودة في القوانين الانتخابية التي خرجت بها لجنة 6+6”.
وأوضح أن “من بينها نقطة ربط إجراء ونجاح الانتخابات البرلمانية بإجراء الانتخابات الرئاسية، ومواد أخرى في قانون انتخاب الرئيس مثل ضرورة إجراء جولة ثانية بغض النظر عن نسبة الأصوات للمترشحين الأول والثاني، وهي نقطة مثيرة للسخرية”.
وأردف فركاش: “بالإضافة إلى نقطة ضرورة تشكيل حكومة جديدة (قبل الانتخابات)، وهي بدعة يصر عليها صالح رغم تجارب سابقة، منها محاولة فرض حكومة (فتحي) باشاغا”.
ومضى قائلا إن “حكومة باشاغا لم تلق أي اعتراف دولي ولا داخلي إلا من أطراف سياسية، بينها برلمان صالح ومَن معه، والذين أصبحوا طرفا سياسيا لا يمثلون الشعب، بل يمثلون مصالحهم ومصالح مَن يدعمونهم سواء داخليا أو خارجيا”.
فركاش اعتبر أن “صالح يغالط نفسه ويضلل أعضاء مجلسه والشعب بقوله إن باتيلي قبل بمخرجات قوانين لجنة 6+6، وإنه (صالح) يرفض حضور الدبيبة (في اجتماع باتيلي) لأنه لا يمثل طرفا سياسيا”.
واستطرد: “صالح يعلم جيدا أن سحب الثقة من حكومة الدبيبة وتعيين باشاغا تم في ظروف غير قانونية وبعيدة عن الاتفاق السياسي وشابها التهديد والوعيد وإبعاد مرشحين بعينهم ودفع رشى، وهذا بشهادة نواب تحدثت معهم”.
وأبدى استغرابه من “رفض صالح حضور الدبيبة.. لماذا لا يعترض على دعوة حفتر؟ هل حفتر الآن طرف سياسي؟ ألم ينبثق منصبه الحالي عن عقيلة ومجلسه؟!”.
تجديد الشرعية
وبشأن الحل وسط كل تلك الخلافات، قال فركاش: “في ظل الانقسام الأمني والعسكري والتنفيذي الحالي وانعدام الثقة بين الأطراف السياسية والعسكرية، يكمن الحل في تجديد الشرعية السياسية للأجسام التشريعية”.
وتابع: “هذا يعني الذهاب إلى انتخابات تشريعية فقط، حتى لو تبنينا قانون عقيلة لانتخابات مجلس الأمة على الأقل، وهذا يشكل خطوة إلى الأمام، بدلا من العرقلة المتعمدة من صالح ومجلسه ومن يتماشى معه من أعضاء في مجلس الدولة ومن أحزاب تسمي نفسها سياسية وهي بلا شعبية على الأرض”.
فركاش اعتبر أن “إلحاح البعض على ضرورة تمثيل حكومة حماد في الاجتماع الخماسي هو أمر مضحك، فحكومته أصلا ممثلة في ظل وجود حفتر ومجلس النواب، والكل يعلم بمن فيهم باتيلي أن حماد تحركه خيوط وأيادي حفتر وأبنائه والقيادة العامة (لقوات الشرق) التي أتت به بديلا عن باشاغا”.
وبشأن تشكيل حكومة جديدة، قال فركاش إن “الحكومة التي يصر صالح على تشكيلها لن تكون مقبولة في الغرب الليبي، ويوجد حل وسط هو تشكيل هيئة تتشارك فيها الحكومتان الحاليتان”.
وبيَّن أن هدف الهيئة “سيكون الإشراف على إجراء الانتخابات التي أرى أنها لن تنجح، خاصة الرئاسية، في ظل القوانين الانتخابية الحالية التي تم تفصيلها بوضوح لتناسب شخصيات محددة تتخذ الشعب ووحدة بلاده ومستقبله رهينة”.
وختم فركاش بالتشديد على أن “عدم إجراء الانتخابات يصب في صالح بقاء جميع الأجسام الحالية واستمرار معاناة الشعب الليبي واستمرار الفساد”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس