حوار آمنة جبران
أفريقيا برس – ليبيا. مع تزايد الدعوات في ليبيا مؤخرا بالعودة إلى النظام الملكي كحل وسيناريو بديل عن حالة الانسداد السياسي، أشار محمد العباني النائب بالبرلمان الليبي في حواره مع “أفريقيا برس” بأنه “لم يعد هناك نظاما ملكيا في ليبيا وأن العودة للحديث عن التوريث لنظام شبع موتا بمثابة استغفال لشعب تائه”.
وأعتبر أن “المبعوث الأممي عبد الله باتيلي غير قادر على إدارة الملف الليبي وذلك بسبب انحيازه إلى أحد أطراف النزاع وضعف أدائه على غرار الفساد المستشري بالبعثة الأممية”.
وبين العباني أن “السلطة في ليبيا افتكتها الجماعات المسلحة وأن الكفاح مستمر لأجل إعادتها للمؤسسات المدنية، كما أن تطهير البلد من المرتزقة والقوات العسكرية الأجنبية سيكون له بالغ الأهمية في استرجاع الأمن وتحقيق الاستقرار”.
والدكتور محمد عامر العباني هو عضو مجلس النواب الليبي، وهو متحصل على درجة الدكتوراه في فلسفة العلوم الاقتصادية من جامعة المجر، وأيضا متحصل على درجة الدكتوراه في القانون البحري والتأمين من جامعة لندن، وسبق أن شغل منصب مستشار لشؤون الهيكلة الإدارية والإدارة والتنظيم بمجلس التطوير الاقتصادي، كما كان رئيسا لمصلحة الأملاك العامة التابعة لوزارة الإسكان والمرافق الليبية.
هل تعتقد أن العودة إلى دستور 1951 هو الحل المتبقي لضمان وحدة ليبيا في ظل تواصل الانقسام الحكومي والسياسي؟
دستور 1951، والذي ثم تعديله سنة 1963 قد أعد لتنظيم شؤون دولة بيئتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية تختلف اختلافا جوهريًا على البيئة السياسية لدولة شهدت نموا ضخما في كل نواحي الحياة العامة، نتيجة للازدهار الاقتصادي واكتشاف النفط وتصديره.
ولنا في التوريث ما نقول: ليبيا دولة حرة ذات سيادة، وليست مزرعة يملكها أحد، بل هي ملكا عاما شائعًا لكل مواطنيها، تبدأ ملكية المواطن فيها منذ ولادته حيا وتنتهي بموته حقيقةً أو حكما. أما النظم السياسية والاقتصادية والإدارية، وكل ما يتعلق بالشأن العام للدولة فهي نظم لتسيير شؤون الدولة، ومن هذه النظم (النظام الملكي)، الذي ثم إختياره من قبل الجمعية الوطنية التي أعدّت دستور ليبيا. وقد نصّ هذا الدستور (دستور 1951) على أن نظام الحكم في ليبيا ملكي فدرالي، وسميت ليبيا بالمملكة الليبية المتحدة، وأُختير الأمير محمد إدريس السنوسي ملكًا لها.
ومن خصائص هذا النظام توريث السلطة، وقام الملك بتعيين الأمير حسن الرضا السنوسي وليًا للعهد، وولاية العهد -وظيفة سامية تعني فيما تعنيه أن يشغل ولي العهد منصب الملك في حالة خلوه مؤقتا- أما في حالة خلو المنصب، فالأمر يتطلب تنصيب ولي العهد ملكًا، وهذا ما لم يتحقق في النظام الملكي الليبي. ما حدث في صبيحة 1969/09/01 هو سقوط النظام الملكي، وقيام نظام عسكري لممارسة السلطة بواسطة الثورة، وبذلك انتهى النظام الملكي فعليًا بتولي مجلس قيادة الثورة ممارسة السلطة ورسميا بالإعلان الدستوري الذي ألغى دستور ال51 كما ألغى النظام الملكي.
وهكذا إنتهى النظام الملكي ولم يعد هناك ما يسمى بالمملكة الليبية ولا منصب إسمه ملك ليبيا ولا عائلة سنوسية حاكمة، بل أصبحت الجمهورية العربية الليبية، وأصبح العقيد معمر القذافي رئيسًا لمجلس قيادة الثورة. وحاز النظام الذي قام في الفاتح من سبتمبر الاعتراف الدولى به، ليصبح النظام الملكي شيئًا من الماضي ويصبح في ذمة الله وتنقضي السنوسية للأبد، وحيث أن نظرية التوريث أساسها إنتقال ذمة المُورث للوارث، إذا مات المورث، وحيث أن المُورث فقد منصبه قبل موته بفقد النظام الملكي، ولم يعد في ذمته إلا ممتلكاته الخاصة، ولا يؤول للوارث إلا ما كان في ذمة المورث. ما تروج له دوائر إستخبارات بعض الدول من توريث مناصب بنظام شبع موتا، هي أفكار سمجة وتغفيلا لشعب تائه.
كنائب ليبي هل هناك إمكانية لتوافق الفرقاء الليبيين حول قاعدة دستورية وقوانين انتخابية، لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية؟
في غياب دستور ينظم الحياة السياسية في ليبيا أصبحت الحاجة ملحة لقاعدة دستورية، وقد تم التوافق بين مجلسي الدولة والنواب على القواعد التي تُنظم إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية عن طريق لجنة 6+6 بعد إجراء التعديل الدستوري الثالث عشر، وأصدر مجلس النواب قانوني انتخاب رئيس الدولة ومجلس الأمة.
والجميع يدرك بأن الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، بل هي وسيلة لتداول السلطة سلميًا بين السلف والخلف، وحتى ينقل السلف السلطة لخلفه، يجب أن يكون متمتعا بالسلطة، وفي حالة عدم تمتع السلف بالسلطة، فماذا سينقل السلف للخلف؟ بالتأكيد أن السلف سوف ينقل ما بيده إلى خلفه، وحيث أنه لا يتمتع بأية سلطة فسوف لن ينقل لخلفه أية سلطة.
حسب تقديرك ماهي المسارات التي أوصلت ليبيا إلى طريق سياسي مسدود؟ وما رأيك في مبادرة الطاولة الخماسية التي طرحها باتيلي على الفرقاء الليبيين؟
السلطة في ليبيا إفتكتها الجماعات المسلحة بقوة السلاح من قبل المؤسسات المدنية التي كانت قائمة قبل سنة 2011. سيستمر الكفاح لإعادة السلطة إلى المؤسسات المدنية، وستستمر الجماعات المسلحة في التمسك بها، وستتواصل الجهود المضنية لإعادة السلطة إلى المؤسسات المدنية ومنها مبادرة الطاولة الخماسية التي تقدم بها السيد باتيلي لإنهاء الصراع حول السلطة المغتصبة، وحيث أن الجماعات التي اغتصبت السلطة قد أصبح لها مراكز تكتسب منها، فإنها لن ترجعها بسهولة، ولكن مازال بالإمكان استرجاعها قهرًا أو استرضاء، وذلك ليس بعزيز.
لماذا لم تلاقي هذه المبادرة التجاوب المطلوب بين الفرقاء الليبيين، وما تقييمكم لإدارة باتيلي للملف الليبي منذ تسلمه هذه المهمة؟
لا أعتقد أن إدارة لجنة الدعم برئاسة السيد باتيلي قادرة علي إدارة الملف الليبي لعدة أسباب، لعل أهمها:
– الفساد المستشري في إدارة البعثة.
– ضعف أداء رئيس البعثة وضآلة خبرته.
– إنحياز البعثة إلى أحد أطراف النزاع.
– قصور رؤى البعثة.
– إهمال الإعلان الدستوري والأوضاع القانونية المترتبة عليه.
– الاستناد على قوى الأمر الواقع.
– إدخال أطراف وشخصيات غير ذات علاقة بالصراع، وإهمال أخرى فعالة.
– وجود المرتزقة والقوات الأجنبية على بيئة الصراع.
– عرقلة تفعيل مؤسسة الجيش والأمن.
– ضعف قدرة البعثة على الاتصال بأطراف الصراع وتفعيل أدوارهم.
هل سينجح الجيش الليبي في اختبار عودة المهجرين إلى مدينة مزرق بالجنوب؟ وهل برأيك هذه الخطوة تستوجب عدم تسييسها من أيّ طرف لضمان نجاحها؟
إعادة بناء القوات المسلحة وتوحيدها وطرد القوى العسكرية الأجنبية وتطهيرها من المرتزقة والمهاجرين غير الشرعيين سيكون له بالغ الأثر في حماية الدولة وحماية أمنها.
برأيك هل ستنجح ليبيا في سنة 2024 في تحقيق مصالحة وطنية مع استضافة مدينة سرت مؤتمر جامع للمصالحة في أفريل القادم؟
المصالحة الوطنية ليست بالأمر الهين في بيئة ينخر أركانها الفساد وتنتهك فيها حقوق وحرية المواطن، وقف الجرائم وإصلاح النظام القضائي ورصد ميزانيات للتعويض وجبر الضرر أمر محبب.
حسب بعض المتابعين ترغب الولايات المتحدة مع فرقائها بتقديم وجوه سياسية ومدنية جديدة لتلعب دور في تحديد مستقبل ليبيا، لماذا برأيك وهل يمكن أن تنجح هذه الجهود؟
أمريكا وغيرها من الدول في عالم تسعى فيه دوله إلى قيادة الاقتصاد والسيطرة علي مقوماته، تسعى بطبيعة الحال على الحفاظ على مصالحها وحمايتها وتعظيمها، ولا يخفى أن الدولة الليبية بموقعها الجغرافي وما تزخر به من مواد خام، هي مطمع لمعظم الدول، بما يحقق مصلحتها.
هل تعتقد انسحاب المشير خليفة حفتر وعبد الحميد الدبيبة من الحياة السياسية سيساعد على حل الأزمة في ليبيا؟
المشير الركن خليفة حفتر، والسيد عبدالحميد دبيبة، يعدان من الوجوه الأبرز على المسرح السياسي الليبي، إبعادهما عن مراتون رئاسة الدولة، قد يتيح الفرصة لوجوه جديدة قد تكون أكثر قدرة على تحقيق مصالح أمريكا..
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس