عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. في هذا الحوار الصحفي، تُسلط رئيسة حزب الدفاع الليبي، مروة الهواري، الضوء على الدور الحاسم الذي تلعبه الأحزاب السياسية في مواجهة الأزمات والتحديات التي تشهدها ليبيا اليوم. تؤكد الهواري أن الأحزاب قدمت مساهمات ملموسة في تنظيم الحياة السياسية، وترسيخ أسس قانونية لتداول السلطة، وتحقيق الاستقرار، وذلك رغم الصعوبات الاجتماعية والمؤسسية التي تواجهها.
تشدد الهواري أيضًا على أن الأحزاب السياسية ليست مسؤولة عن الانقسامات والصراعات التي تشهدها الساحة الليبية، موضحةً أن هذه الانقسامات تتعلق بمصالح فردية بعيدة عن الإطار الحزبي، وهي ناتجة عن سعي بعض الأطراف للتمسك بالسلطة لأطول فترة ممكنة. وترى الهواري أن هذه الصراعات تكشف أهمية الدور المحوري للأحزاب في تحقيق التداول السلمي للسلطة، مؤكدةً على أن ليبيا بحاجة إلى أحزاب سياسية قادرة على فرض منطق الديمقراطية وتجديد القيادة بشكل دوري.
ما تقييمك لعمل الأحزاب السياسية في ليبيا في هذه المرحلة الحرجة؟
أراه عملا قويا وفعالا، حيث استطاعت جهود الأحزاب مواجهة التحديات والعوائق والصمود. كما نجحت الأحزاب في الكثير من الأحيان بشكل كبير وفعال في تنظيم الحياة السياسية بشكلها القانوني والمؤسسي واستطاعت أن تضع التمييز السلوكي في ساحات الرأي بين النشطاء السياسيين والنشطاء في المجتمع المدني والفصل الواضح بين حقوق وواجبات كل منهما، وأدوات العمل لكل منهما، وهذا إيجابي جدًا وساهم في تقليل الفوضى في أروقة السياسة بشكل ملحوظ. وبدأت الساحة السياسية الليبية تتشكل لها جغرافيا بتضاريس واضحة تفرق بين الكتل السياسية المؤيدة والمعارضة والمحايدة. أصبح لبلادنا منبر سياسي قانوني قابل للتحرك دوليًا بين أحزاب العالم يمثل ليبيا في علاقات حزبية. كما خلقت الأحزاب ثقافة التعبير المباشر عن الرغبة في تقلد المناصب السياسية والسعي لها، وتعتبر هذا حق مشروع، بعد أن كانت الثقافة الاجتماعية السائدة تدين طالب السلطة بشكل مباشر أو حتى خفي.
كيف تؤثر الأحزاب على المشهد السياسي المعقد في ليبيا؟
تؤثر بشكل كبير جدًا وبشكل إيجابي، حيث أصبح للأحزاب في بلادنا رأي مؤثر في الساحة الدولية وجهة اعتبارية ذات اختصاص والضغط لتسريع الاستحقاق الانتخابي ودعم التداول السلمي للسلطة.
هل تساهم الأحزاب في تحقيق الاستقرار أم تزيد من الانقسامات السياسية؟
بالتأكيد تزيد الأحزاب من فرص تحقيق الإستقرار لأنها الاداة الوحيدة القادرة على تنفيذ التداول السلمي على السلطة عمليا. ذلك لأن الطبيعة الإنسانية لها نوازعها الفردية فلا يمكن لأحد إنهاء حكم فرد وصل لكرسي الحكم بجهوده الذاتية وامتلك السلطة والسلاح والمال، بينما الفرد الذي يصل إلى السلطة عبر حزب سياسي تكون فوقه سلطة قانونية ثقيله عند إنتهاء مدته ليدخل الحزب للمنافسة على السلطة مرة أخرى بشخصية جديدة فيتداول الأفراد على السلطة ويبقى الحزب ثابت في ساحة المنافسة السياسية على السلطة، وبهذا يتداول كرسي الحكم بين أفراد الشعب المرشحين لهذا المنصب من قبل أحزابهم التي ينتمون لها سياسيا.
والتجارب الإنسانية وخبرة الشعوب الممارسة للانتخابات تؤكد لنا أنه لا يوجد بديل سلمي آخر يزحزح من هو على كرسي الحكم والسلطة سوى الأحزاب. وبهذا تحقق الأحزاب الإستقرار والتنمية والأمن للبلاد وتُجسّد مبدأ التداول السلمي على السلطة أما الإنقسامات السياسية على الأيدولوجيات المختلفة للأحزاب التي يشهدها شعبنا هي أمرا طبيعيا وصحي في العمل السياسي الحزبي ولابد منه.
لكن الإنقسامات السياسية بين الأفراد الممارسين للعمل السياسي من منابر والمتربعين على سدة الحكم بالتكليف أو بالقوة العسكرية التي سألت عنها في الشطر الثاني من سؤالك فلا علاقة للأحزاب السياسية بها ولا بصراعها بل إنهم من يستثمر صراعهم على السلطة في تشويه الاحزاب. فالانقسامات الحالية كانت ومازالت تقودها مصالح فردية ومنظومة للوبيات تمارس السياسة دون ترخيص بدافع الاستحواذ على السلطة والقرار السياسي لأطول فترة ممكنة وبدافع المصلحة الشخصية والفئوية ولا أحد من الأحزاب له يد عليها لأن هذه الأطراف لم تأت من خلفية حزبية وصراعها ممتد منذ سنوات طويلة، وهذا مانحذر منه دائما خطر الوصول الفردي للسلطة بدون أحزاب سياسية.
هل هناك تمثيل فعلي للمرأة في قيادات الحزب وعلى مستوى صنع القرار؟
برزت المرأة الليبية في التمثيل الحزبي، حيث سجلت حضورها بأعداد كبيرة وغير مسبوقة في قوائم المنتسبين. وبرزت المرأة الليبية كقيادية، حيث كانت مؤسسًا ورئيسًا وأمينًا ونائبًا في العديد من الأحزاب الليبية. فكانت وما زالت المرأة الحزبية متابعة يقظة للأحداث في الساحة السياسية.
وارتفع سقف تواجد المرأة الحزبية لتكون منافسة على مناصب غير مسبوقة في العالم العربي، مثل الرئاسة، ووزارة الدفاع، إضافة إلى الترشح للبرلمان والأعلى للدولة والبلديات، وما زال سقف طموح المرأة الحزبية لا يمكن حده أو إيقافه أو تحديده.
ما هي الخطوات التي يتخذها حزبكم لتعزيز دور المرأة؟
قام حزبنا بالتركيز على بناء علاقات تحالف في جميع ربوع الوطن مع المرأة الحزبية والطامحة للسلطة وقيادة الدولة، لندفع بعضنا بعضًا ونعزز دور المرأة في الأحزاب والعمل السياسي.
ما مدى الصعوبات التي تواجهها الأحزاب السياسية في ممارسة نشاطها داخل ليبيا؟ وهل ترون أن هناك تضييقاً ممنهجاً على عمل الأحزاب؟
للأسف تواجه الأحزاب الكثير من الصعوبات، منها:
– المقاومة الاجتماعية للأحزاب بالقبيلة.
– المقاومة الشعبية للأحزاب بمنظمات المجتمع المدني.
– تعطيل الدولة للمخصصات المالية الخاصة بالأحزاب، وهذا يعد تضييقاً.
– تعطيل الجهات التشريعية لحق الأحزاب في الدفع بقوائم الترشيح للرئاسة والبرلمان والمجلس الأعلى للدولة.
– شح الخبرة وعدم القدرة على ردم فجوة المعرفة والعلم لدى الأحزاب بسبب العوائق المادية والمالية المحيطة بمعظم الأحزاب.
– غياب ثقافة مشاركة أعضاء الأحزاب بقيمة العضوية أو التبرع.
كل ما سبق ذكره كان سببًا رئيسيًا في تراجع دعم رجال الأعمال للأحزاب والإنخراط في نشاطاتها وبالطبع هناك تضييق قاسٍ، لكن أقول لك بصدق: سنتجاوز ذلك بالصبر والإصرار، إن شاء الله. خلال صبرنا واصرارنا، سيعتاد الناس علينا ويتطور وعيهم بنا وبأهميتنا لهم ولبلادنا. وخلال صبرنا واصرارنا أيضًا، ستفرضنا منظومة الانتخابات والعملية الإنتخابية التي لا يمكن أن تستقيم التجربة الإنتخابية والتداول السلمي للسلطة بدوننا. وأيضا قبول الأحزاب سيفرضه حاجة الشعب الذي عانى من تشبث المتقلدين للسلطة بالكراسي أجيالاً، لبلوغ التداول السلمي على السلطة دون تسويف، وهذا لا يكون بغير الأحزاب.
فالرئيس الذي وضعه حزب يجبره الحزب على الخروج تحت ضغط باقي الأحزاب ولينافس هو أيضًا بوجه جديد. الآلية التنفيذية للتداول السلمي على السلطة لا يمكن أن تتحقق بغير الأحزاب، وتجارب الدول في ذلك طويلة. إن شاء الله الأمور تسير إلى الخير والقطار يسير على قطبانه.
ما هي المبادرات التي يطرحها حزبكم لحل الأزمات الحالية؟ وهل لديكم رؤية عملية للتعامل مع الانسداد السياسي وتحقيق الاستقرار؟
بالتأكيد، حزب الدفاع الليبي لديه مبادرة متفرعة إلى مشاريع للقطاعات المختلفة للدولة، ومجدولة زمنياً لحل مشكلة الإنقسام العسكري والسياسي، وتجفيف التشكيلات المسلحة بشكل إيجابي، والمساهمة في بناء أمن قومي ليبي معاصر. هدفنا تمكين منتسبي حزبنا سياسيًا بالتقادم الزمني من 600 منصب سياسي من أصل 1800 منصب موجود في بلادنا.
ما مدى مشاركة الأحزاب في الحوارات السياسية؟ وهل تجدون هناك اهتماماً حقيقياً بدور الأحزاب في هذه الحوارات؟
نعم، الأحزاب تتموضع بقوة في الساحة السياسية في الوقت الراهن مع البرلمان والنواب والرئاسي، وأمام المجتمع الدولي وبين المترشحين للرئاسة والبرلمان والأعلى للدولة والبلديات والراغبين في الترشح مستقبلاً. في نهاية المطاف الأحزاب ستتمدد لأستكمال واجباتها وحقوقها.
هل ترون أن الأحزاب الليبية الحالية لديها القدرة على المنافسة في حال تم إجراء انتخابات؟
نعم تستطيع، لأن حتى أطراف الصراع لديهم أحزاب تمثلهم، وأعتقد أن العديد من الأحزاب لديها الاستعداد والجاهزية لخوض السباق الإنتخابي المقبل.
كيف تستعدون للتنافس الانتخابي، وما هي التحديات التي تواجهكم في هذا السياق؟
التنافس الانتخابي هو الوجه الطبيعي لدورنا كأحزاب، ولا توجد تحديات خارج ما سبق ذكره.
هل تعتقدون أن حزبكم والأحزاب الأخرى لديها قاعدة شعبية قوية ومتماسكة؟
نعم، أعتقد ذلك. هناك قاعدة شعبية، وستزيد هذه القاعدة بمرور الوقت واطلاع الناخبين على برامجنا الإنتخابية.
كيف يعمل حزبكم على توسيع قاعدته الشعبية وزيادة الثقة في برنامجه السياسي؟
نعمل على زيادة الوعي الشعبي بدور الأحزاب أولاً، ثم تقديم برامجنا لكل الفئات، وسيكون ذلك بالشكل الذي يزيد من ثقة القاعدة الشعبية في حزبنا في كل ربوع ليبيا. لدينا برنامج سياسي ورؤية متكاملة، وعند خوض الانتخابات، سواء رئاسية أو برلمانية، سنعمل على إقناع الناخبين بهذه الرؤية.
وتختتم مروة الهواري حديثها بتأكيد إيمانها العميق بأهمية الأحزاب السياسية في بناء مستقبل ليبيا، مشيرةً إلى أن دور الأحزاب يتجاوز مجرد التنافس السياسي، ليشمل تنظيم الحياة العامة، وتحقيق الاستقرار، وتجسيد إرادة الشعب في التداول السلمي للسلطة.
ورغم التحديات التي تواجهها الأحزاب على الصعيدين الاجتماعي والمؤسسي، تعبّر الهواري عن تفاؤلها بأن الشعب الليبي سيعي دور الأحزاب الحقيقي، وأنها ستظلّ قوة فاعلة لا غنى عنها في مسيرة التحول الديمقراطي وبناء ليبيا الحديثة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس