علاء حموده
أفريقيا برس – ليبيا. أعادت «صفقة سلاح» مرتقبة بين «الجيش الوطني» الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر وباكستان، تُقدّر قيمتها بأكثر من 4 مليارات دولار، فتح ملف جدوى حظر الأسلحة الأممي المفروض على ليبيا منذ عام 2011، وسط تساؤلات متجددة حول مدى فاعليته، في ظل التحولات الإقليمية والدولية الجارية.
وتتضمن هذه الصفقة -التي لم يُعلن عنها رسمياً- مقاتلات من طراز «JF-17»، بالإضافة إلى بيع معدات برية وبحرية، في وقت لا تزال فيه ليبيا رسمياً خاضعة لحظر تسليح صارم، يشترط الحصول على موافقة مسبقة من مجلس الأمن لأي تعاقدات عسكرية. علماً بأن القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» اكتفت فقط بالإعلان عن توقيع اتفاق تعاون، ولم تتحدث عن أي صفقات.
وكانت وكالة «رويترز» قد أفادت بأن الاتفاق جرى توقيعه عقب اجتماع جمع عاصم منير، قائد الجيش الباكستاني بالفريق صدام حفتر، نائب القائد العام لـ«الجيش الوطني» خلال زيارته الأخيرة إلى بنغازي، وذلك في مؤشر على تغيير محتمل في مقاربة بعض القوى لملف التسليح الليبي.
غضّ الطرف عن تدفق السلاح إلى ليبيا
يرى مدير «المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية»، شريف بوفردة، أن «حظر السلاح على ليبيا لم يعد عائقاً فعلياً أمام تمرير مثل هذه الصفقات»، ويعتقد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي تغضّ الطرف عن تدفق السلاح إلى أطراف ليبية في شرق ليبيا وغربها، عبر مواني طرابلس ومصراتة وطبرق»، رغم استمرار الحظر شكلياً.
ويُشير بوفردة إلى أن الصفقة المحتملة «ستُسهم في تعزيز القدرات العسكرية لقوات الجيش في شرق ليبيا ورفع معنوياتها».
وتنسجم هذه القراءة مع ما خلص إليه تقرير سابق للجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة العام الماضي، وصف حظر الأسلحة المفروض على ليبيا بأنه «غير فعّال»، كاشفاً عن «تنامي انخراط دول أجنبية في تقديم التدريب والدعم العسكري لقوات ليبية في الشرق والغرب، رغم القيود الرسمية».
كما نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤولين ليبيين وباكستانيين أن إسلام آباد ليست الوحيدة التي تقيم علاقات عسكرية مع ليبيا، وأنه لا توجد عقوبات دولية مفروضة على قائد الجيش الليبي.
من جانبه، يُقدّم المحلل السياسي، محمد مطيريد، قراءة مختلفة للحظر، عادّاً أنه فُرض في «ظروف استثنائية كانت فيها مؤسسات الدولة غائبة»، ولم يكن الهدف منه حرمان ليبيا من حقها في الدفاع عن نفسها، بل منع وصول السلاح إلى الجماعات الخارجة عن الشرعية.
ورأى مطيريد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن وجود مؤسسة عسكرية منضبطة اليوم «يفتح الباب أمام إعادة تفسير الحظر، أو تجاوزه عبر قنوات تفاهم دولية مشروعة».
أما الناشط السياسي، عمر أبوسعيدة، فيرى في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن القضية «ليست خرقاً لحظر الأسلحة بقدر ما هي انعكاس لتغيّر موازين السياسة الدولية تجاه ليبيا»، في ظل مقاربات أكثر براغماتية تتعامل مع الواقع العسكري القائم.
«رئة بديلة للتسلّح»
تشير معلومات، استناداً إلى نسخة من الصفقة، تقول وكالة «رويترز» إنها اطلعت عليها قبل استكمالها، أن ليبيا تعتزم شراء 16 طائرة مقاتلة متعددة المهام من طراز «JF-17» المطوّرة، بالشراكة بين باكستان والصين، إضافة إلى 12 طائرة تدريب لتأهيل الطيارين، بقيمة تبلغ 4.6 مليار دولار.
من الزاوية الباكستانية، تحظى الصفقة بقبول داخلي واسع، بوصفها فرصة لتعزيز الحضور الدفاعي لباكستان إقليمياً ودولياً. وفي هذا السياق، توقّع المحلل السياسي الباكستاني، حذيفة فريد، أن تشهد المرحلة المقبلة «تسهيلات أميركية محتملة قد تمهّد لرفع تدريجي للقيود المفروضة على ليبيا».
وتذهب تقديرات حديثة لمؤسسة «سلفيوم» الليبية للدراسات والأبحاث، إلى أن باكستان «لا تلتزم بصرامة بالقيود الأوروبية على تصدير السلاح»، ما يوفّر للقيادة العامة في شرق ليبيا «رئة بديلة للتسلح»، بعيداً عن ضغوط لجان العقوبات الدولية.
وعلى نحو براغماتي، يرى محللون أن الصفقة تتجاوز كونها مجرد تعاقد تسليحي لتندرج ضمن إعادة تموضع إقليمي ودولي محسوب للطرفين.
وفي هذا السياق، يرى بوفردة أن التقارب الليبي-الباكستاني يندرج ضمن مساعٍ أميركية لتقليص النفوذ الروسي في شرق ليبيا، مستشهداً بالتحضيرات الجارية لمناورات عسكرية مشتركة بين قوات من شرق وغرب ليبيا، برعاية القيادة الأميركية في أفريقيا «أفريكوم» في أبريل (نيسان) 2026، بما يشمل إعادة توجيه بعض القدرات العسكرية خارج دائرة التأثير الروسي.
ويعدّ المحلل السياسي الباكستاني أن الصفقة «تُمثل فرصة استراتيجية لباكستان لتأكيد مكانتها في سوق السلاح، لا سيما بعد ما أظهرته الاشتباكات مع الهند في مايو (أيار) الماضي من تطور في قدراتها العسكرية»، مؤكداً أن علاقات بلاده مع مختلف الأطراف المعنية بالملف الليبي «تُدار بما يحفظ المصالح المشتركة، دون الإضرار باستقرار ليبيا».
وفي بلد يعاني انقساماً سياسياً وعسكرياً منذ عام 2014، تظل مسألة تمويل صفقات التسلح موضوعاً غاية في الحساسية. غير أن بوفردة يستبعد وجود عقبات مالية، في حين يرى مطيريد أن الإنفاق الدفاعي «واجب سيادي، واستثمار مباشر في أمن ليبيا واستقرارها».
يُذكر أن زيارة قائد الجيش الباكستاني إلى بنغازي ليست الأولى من نوعها، إذ بدأت دينامية التقارب في يوليو (تموز) الماضي، حين زار نائب قائد القوات في القيادة العامة، الفريق صدام حفتر، العاصمة إسلام آباد، ووقع اتفاق تعاون بين القوات الجوية الباكستانية، في خطوة بدت مفاجئة آنذاك.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس





