ناصر أبو ديب: الانسداد السياسي سبب التوترات الأمنية الأخيرة

37
ناصر أبو ديب: الانسداد السياسي سبب التوترات الأمنية الأخيرة
ناصر أبو ديب: الانسداد السياسي سبب التوترات الأمنية الأخيرة

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. أكد المحلل السياسي ناصر أبوديب أن الانسداد السياسي وحالة الجمود هما من أهم عوامل التوترات العسكرية التي تشهدها عدة مناطق مؤخرًا، مشيرًا إلى أن هذه الحالة تدفع الأطراف المتنازعة إلى التصادم، مما يزيد من احتمالية اختراق اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 2020.

وأوضح في حوار مع “أفريقيا برس”، أن المتغيرات الإقليمية، خاصة ما جرى في سوريا، تلقي بظلالها على الوضع في ليبيا، سواء على الصعيد السياسي أو العسكري.

وفيما يخص الحلول الممكنة، أكد أبوديب أن الخيار الأنسب في هذه المرحلة يتمثل في إجراء انتخابات برلمانية فقط، مع تجاوز فكرة الدخول في مرحلة انتقالية جديدة، وذلك لتدارك ما يمكن تداركه، ومن ثم الشروع في إعداد دستور يؤسس لبناء دولة حقيقية.

ناصر أبوديب هو أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في الجامعات الليبية، وناشط ومحلل سياسي.

كيف يمكن تفسير تحركات القوات البرية التابعة للقيادة العامة في الجنوب والسيطرة على معسكر علي كنه؟ وهل هذه الخطوة تشير إلى تغييرات في موازين القوى في المنطقة؟

الهجوم الأخير على معسكر تندي جنوب غرب أوباري يُعد خرقًا واضحًا لاتفاق وقف إطلاق النار، خاصة وأن القوة المتمركزة في هذا المعسكر تتبع المجلس الرئاسي وتندرج ضمن بنود الاتفاق.

كما أن هناك حديثًا عن تحركات روسية وإعادة تموضعها في الشرق، وهو ما يثير تساؤلات حول التوازنات والتغيرات الأخيرة التي طرأت على المنطقة.

من وجهة نظري، فإن وجود قوة تابعة للمجلس الرئاسي، مثل قوات علي كنه المتمركزة في معسكر تندي، يُعد أحد العوامل التي تقلق الجانب الروسي، إذ يعتبر تواجدها تهديدًا للتوازن في المنطقة.

ما تفسيرك لبيان مجلس النواب الموجه للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والجامعة العربية، المحذر من خرق اتفاق وقف إطلاق النار في 2020، ثم نفي هذا البيان لاحقًا من قبل مجلس النواب؟

بيان مجلس النواب كان صحيحًا، بدليل تصريحات أعضاء من المجلس الذين أكدوا صحته، بالإضافة إلى توقيع أكثر من خمسين عضوًا على المطالبة بإصداره.

زيارة رئيس المخابرات المصرية إلى بنغازي خلال الأيام الماضية أثارت مخاوف لدى قيادات المنطقة الشرقية من احتمالية خرق اتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما تسبب في إرباك سياسي بين أعضاء مجلس النواب، ودفع البعض لإصدار البيان بسرعة، مما أثار انزعاج أعضاء آخرين وأدى إلى إلغائه لاحقًا.

بعد ذلك، حدث الهجوم على معسكر تندي التابع للمجلس الرئاسي في الجنوب، وأرى أن هذين الحدثين مرتبطان بشكل مباشر، مما يعكس حالة من التخبط داخل مجلس النواب، رغم صحة القرار والبيان كما أكد بعض النواب.

ما هي أبرز العوامل التي ساهمت في تصعيد التوترات الأمنية بين الأطراف المتنازعة في ليبيا في الفترة الأخيرة؟

العامل الأساسي في تصعيد التوترات هو الركود السياسي والجمود في الحالة السياسية، مما أدى إلى انسداد الأفق السياسي وتهديد حالة الاستقرار.

هذا الوضع يزيد من احتمالية وقوع هجوم عسكري وتحركات ميدانية من طرف ضد آخر، نتيجة التخوف وعدم الثقة بين الأطراف المتنازعة، مما يهدد اتفاق وقف إطلاق النار.

إلى جانب ذلك، فإن تداخل الأطراف الداعمة وتحريك المشهد يزيد من تعقيد الوضع، ويجعل الساحة الليبية على صفيح ساخن، حيث يمكن أن تندلع الاشتباكات في أي وقت، سواء في الشرق أو الغرب. وما حدث مؤخرًا في معسكر تندي في الجنوب يعد دليلًا واضحًا على ذلك.

في رأيك، هل التغييرات والتحولات الإقليمية، مثل التحول في سوريا، تلعب دوراً في تصاعد هذه التوترات؟

بالفعل، ما يحدث في سوريا يؤثر بشكل مباشر على الوضع في ليبيا، خاصةً أن هناك قاسماً مشتركاً بين الساحتين، حيث إن الحلفاء والخصوم في المشهد السوري هم أنفسهم في الساحة الليبية.

التحركات الأخيرة، مثل زيارة وفد حكومة الوحدة إلى دمشق، ساهمت في إزعاج الخصوم وزادت من توتر الوضع على الأرض، خاصة مع خسارة حليف رئيسي في سوريا، متمثل في نظام الأسد الذي كان يقدم دعماً عسكرياً لحلفائه في الشرق الليبي عبر الحليف الروسي المشترك.

كل هذه التداخلات تسهم بشكل كبير في تصعيد الموقف العسكري وزيادة التوترات في ليبيا.

هل تعتقد أن المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، قادر على اتخاذ خطوات فعّالة لاحتواء هذا التصعيد، أم أن هذه الجهود تظل محدودة؟

أعتقد أن الاتحاد الإفريقي غائب عن العديد من الملفات، وخصوصاً فيما يتعلق بالانقلابات التي تحدث في إفريقيا والتدخلات الأجنبية المتفاقمة داخل القارة. وفيما يخص الملف الليبي، فإن دوره يكاد لا يُذكر.

أما الأمم المتحدة والبعثة الأممية في ليبيا، فقد أصبح تأثيرها ضعيفاً بسبب التجاذبات بين الدول الخمس الكبرى. الأمم المتحدة تقف عاجزة حتى الآن عن دفع العملية السياسية إلى الأمام، ومع اقتراب نهاية العام ودور “خوري” على وشك الانتهاء، لم تقدم الأمم المتحدة سوى اجتماعات هنا وهناك دون تحقيق تقدم ملموس.

التوازنات بين القوى الدولية وحلفاء الأطراف المتنازعة هي التي أجهضت أي حلول شاملة وزادت من تعقيد المشهد الليبي.

إلى أي مدى يؤثر التصعيد الأمني في الجنوب على اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في 2020؟ وهل هناك تهديد حقيقي لخرق هذا الاتفاق؟

اتفاق وقف إطلاق النار هش منذ البداية. وكل من يعتقد أن لجنة “خمسة زائد خمسة” هي التي أوقفت الحرب فهو واهم. من أوقف الحرب فعلياً هي الدول المتداخلة في الملف الليبي، مثل روسيا وتركيا وبعض الدول الأخرى.

أما لجنة “خمسة زائد خمسة” فهي مجرد شعار وواجهة، لا تمتلك القوة أو الآليات اللازمة لإيجاد حلول، واجتماعاتها تقتصر على اللقاءات الشكلية.

في ظل هذه الظروف، جميع الاحتمالات واردة، بما في ذلك خرق اتفاق وقف إطلاق النار الذي يعاني من هشاشة واضحة. ومع ذلك، فإن توازن القوى بين الشرق والغرب يفرض على الأطراف العمل بحذر، حيث إن وجود قوة عسكرية متوازنة في كلا الطرفين قد يمنع أي تصعيد متهور أو اللجوء إلى الحل العسكري.

ما هي الحلول السياسية التي ترى أنها ضرورية لإنهاء حالة الجمود الراهن وتجنب المزيد من التصعيد العسكري في ليبيا؟

هناك العديد من الآراء والمبادرات للحل السياسي، لكن فيما يتعلق بمقترح المرحلة الانتقالية الجديدة التي تعمل عليها الأمم المتحدة وبعض الأطراف الداخلية، أعتقد أن الداخل الليبي قد سئم من هذه المراحل الانتقالية المتكررة.

نحن بحاجة إلى استقرار سياسي دائم من خلال الذهاب إلى انتخابات مباشرة. ومع ذلك، ندرك أن إجراء الانتخابات في ظل الظروف الحالية وتداخل الدول والمصالح أمر صعب. الأطراف المختلفة تتمسك بمواقفها وترفض التنازل، ما يزيد تعقيد المشهد ويرفض الحلول الممكنة.

الحل الأمثل هو إجراء انتخابات برلمانية مباشرة، يليها كتابة دستور جديد، ومن ثم انتخابات رئاسية لتحقيق الاستقرار الحقيقي. ومن خلال ذلك، يمكن إعادة تشكيل المشهد السياسي وإزاحة كل من يعرقل الحلول في الوقت الحالي.

أي تأخير عن هذا المسار سيبقي ليبيا في حالة جمود حتى عام 2025 بنفس الأوضاع التي شهدناها في السنوات الماضية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here