نقل المؤسسات: بين الإصلاح الإداري والانقسام السياسي

10
نقل المؤسسات: بين الإصلاح الإداري والانقسام السياسي
نقل المؤسسات: بين الإصلاح الإداري والانقسام السياسي

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. في خطوة مثيرة للجدل، أعلنت الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد عن نقل بعض الإدارات الحكومية والمؤسسات الرسمية من العاصمة طرابلس إلى مدينة بنغازي، شمال شرقي البلاد.

وتشمل هذه الخطوة مؤسسات استراتيجية مثل الشركة العامة للكهرباء، حيث تم تكليف وئام العبدلي مديرًا عامًا للشركة. هذا القرار يثير تساؤلات كثيرة حول دلالاته السياسية وتأثيراته على وحدة البلاد، كما يطرح تحديات عديدة على مستوى الموازين السياسية والإدارية.

الموقف السياسي والإداري

منذ إعلان حكومة أسامة حماد عن نقل المؤسسات إلى بنغازي، انقسمت الآراء بشأن هذه الخطوة. فالبعض يرى فيها محاولة لتعزيز مركزية بنغازي في الساحة السياسية والإدارية، بينما يعتبرها البعض الآخر خطوة نحو الانقسام الإداري الذي قد يعمق الهوة بين الشرق والغرب الليبي.

في هذا السياق، أوضح الأكاديمي والمحلل السياسي محمود إسماعيل في تصريح خاص لـ”أفريقيا برس”، أن هذه القرارات تأتي في إطار “الفوضى” التي تطغى على المشهد السياسي الليبي، إذ يشير إلى أن الإجراءات التي تتخذها جهات غير شرعية تفتقر إلى التفويض القانوني الكامل من الشعب الليبي. وحسب إسماعيل، فإن تصاعد الانقسامات بين المؤسسات الوطنية يساهم في تعزيز حالة التشظي السياسي، ويشكل تهديدًا حقيقيًا لوحدة الدولة الليبية.

ويضيف إسماعيل أن التصعيد في هذه القرارات قد يؤدي إلى انفصال داخلي بين المناطق، مشيرًا إلى أن بعض القوى الخارجية قد تسعى إلى استغلال هذه الفراغات السياسية لتنفيذ أجندات تقسم ليبيا. وفي هذا السياق، يبرز خطر إنشاء مؤسسات موازية وإمكانية ظهور حكومات جديدة في الجنوب أو الشرق، مما يعزز الانقسامات الداخلية. هذه الخطوات، وفق إسماعيل، تهدد بشكل جدي وحدة ليبيا في ظل غياب أي رؤية استراتيجية لتوحيد المؤسسات الوطنية.

التوجهات القانونية والشرعية

على الصعيد القانوني، يشير إسماعيل إلى أن القرارات التي تتخذها الحكومة المكلفة بشأن نقل المؤسسات تفتقر إلى الأساس القانوني السليم، حيث غابت عنها الشرعية الشعبية. كما يعبر عن قلقه من أن هذه الإجراءات قد تسهم في إعادة بناء الانقسام المؤسسي، مما يزيد من تعقيد الأوضاع ويعمق الأزمات.

ويؤكد إسماعيل أن هذه القرارات التي تتخذها حكومة أسامة حماد في هذا التوقيت الحساس قد تُعيد تموضع العديد من المؤسسات الحساسة كالمؤسسة الوطنية للنفط والشركة العامة للكهرباء بعيدًا عن طرابلس، مما قد يفتح الباب أمام تشكيل كيانات جديدة تهدد الوحدة الوطنية.

قرار إيجابي له أسبابه

أكد المحلل السياسي الليبي نصر الله السعيطي أن “قرار الحكومة الليبية المنتخبة من البرلمان بنقل إدارة بعض المؤسسات جاء نتيجة عدة عوامل رئيسية، من بينها إعادة المؤسسات إلى مواقعها الأصلية، حيث تم تأسيس العديد منها في مدينة بنغازي قبل أن يتم نقلها إلى طرابلس بطريقة مخالفة لقرارات إنشائها، مثل مجلس النواب الذي عاد مؤخرًا إلى مقره الرسمي، والمؤسسة الوطنية للنفط وغيرها من المؤسسات السيادية”.

وأشار السعيطي في تصريح صحفي إلى أن “هذه الخطوة قرار طبيعي يخدم المصلحة العامة”، موضحًا أن “العديد من المؤسسات في طرابلس باتت تخضع لسيطرة شخصيات بعينها ومرهونة للتشكيلات المسلحة، مما أدى إلى قرارات مجحفة أثرت على الأداء المؤسسي وأضرت بالمصلحة الوطنية”.

وأضاف السعيطي أن “هذه القرارات تأتي أيضًا في إطار دعم دولي يهدف إلى إنهاء الهيمنة المركزية، وكسر احتكار مؤسسات الدولة لصالح مجموعات محددة”، لافتًا إلى أن “عدم تنفيذ قرارات الحكومة الليبية المنتخبة من البرلمان أدى إلى تعطيل العديد من المصالح الاقتصادية والسياسية”.

ويعتبر السعيطي أن هذا التحرك يمكن أن يساهم في تحسين الأداء الإداري، خاصةً في ظل الظروف الحالية التي تشهد تدهورًا في قطاع الكهرباء بسبب الفساد وضعف توزيع الخدمات. ويشير إلى أن هذا القرار قد يكون ضروريًا لتحقيق توزيع أكثر عدالة للمشروعات والخدمات على جميع المناطق الليبية.

التحديات والآثار المحتملة

ورغم الآراء التي تدافع عن هذا القرار باعتباره خطوة نحو الإصلاح، فإن المخاوف من زيادة الانقسام الداخلي تبقى قائمة. فالبعض يرى أن نقل المؤسسات إلى بنغازي قد يعزز الشعور بالتمييز بين مناطق الشرق والغرب، ويقوي الطرح الانفصالي بين المناطق. في هذا السياق، حذر السعيطي من أن أي محاولة لتقسيم ليبيا إلى ولايات أو مناطق قد تثير ردود فعل شعبية واسعة، مما سيزيد من تعقيد المشهد السياسي.

خطر تقويض الوحدة الوطنية

مع دخول البلاد مرحلة من التوترات السياسية والاقتصادية، لا شك أن قرار نقل المؤسسات يفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة، تتراوح بين الإصلاح الإداري والتقسيم الفعلي للبلاد.

ورغم أن البعض يعتقد أن هذه الخطوة تهدف إلى تحفيز الإصلاحات وتحسين الخدمات، إلا أن نتائج هذه القرارات قد تكون أكثر تعقيدًا مما هو متوقع. كما أن غياب التنسيق بين الأطراف السياسية حول هذه القرارات قد يزيد من حالة الفوضى ويسهم في تقويض الاستقرار الوطني.

في الختام، يبدو أن خطوة نقل المؤسسات الحكومية من طرابلس إلى بنغازي، والتي تشمل مؤسسات استراتيجية مثل الشركة العامة للكهرباء، تمثل نقطة تحول هامة في تاريخ ليبيا السياسي. ولكنها تثير في الوقت ذاته العديد من المخاوف حول تأثيراتها على وحدة البلاد. ما بين الدعوات للإصلاح الإداري وتحذيرات من خطر تعميق الانقسام، يظل الموقف السياسي والاقتصادي في ليبيا عالقًا في دوامة من التحديات التي قد يكون من الصعب الخروج منها دون رؤية شاملة تؤمن استقرار البلاد ووحدتها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here