هل تشكل عودة المَلَكِية بديلا عن الحل السياسي المتعثر في ليبيا؟

24
هل تشكل عودة المَلَكِية بديلا عن الحل السياسي المتعثر في ليبيا؟
هل تشكل عودة المَلَكِية بديلا عن الحل السياسي المتعثر في ليبيا؟

د. إيمان شعانبي.
أعدّه للنشر: مصطفى واعراب

أفريقيا برس – ليبيا. لأسباب تاريخية خاصة، ارتبط ظهور الملكية في ليبيا بالإسلام الشعبي ممثلا في الزاوية السنوسية. وكانت السنوسية في بدايتها حركة دعوية دينية صوفية، ظهرت في ليبيا منتصف القرن التاسع عشر على يد الشيخ محمد بن علي السنوسي. ويرجع أصل العائلة السنوسية، إلى سلالة الأدارسة الذين حكموا المغرب في القرن التاسع الميلادي. لكن قيادتها للنضال ضد الاستعمار الإيطالي (الشيخ الشهيد الأشهر عمر المختار كان صوفيا سنوسيا)، دفع السنوسية إلى الواجهة بعد الاستقلال الوطني. فتولى إدريس السنوسي (1951-1969) الحكم ليكون أول وآخر ملوك ليبيا، حيث أطيح به في انقلاب عسكري قاده العقيد معمر القذافي في الموعد نفسه الذي كان منتظرا تتويج الأمير حسن بن إدريس ملكا جديدا لليبيا في بداية سبتمبر/أيلول 1969.

وقد انقسم الليبيون بعد ذلك بين من مساند لنظام العقيد معمر القذافي وبين الملكيين الذين ظلوا يحنون على مدى أكثر من نصف قرن للنظام الملكي. لكن بعد قيام ثورة 2011 وما تلاها من تمزق سياسي وجغرافي وعسكري عانت وتعاني منه ليبيا حتى الساعة، وفي غياب توافق بين الفرقاء السياسيين، عاد الحديث بصوت عال (بعد أن ظل همسا في بعض الأوساط) بضرورة إرجاع الملكية إلى ليبيا صونا لوحدها وبما ينهي أزمتها البالغة التعقيد.

فالمشهد الليبي تداخلت في صنع أزماته قوى إقليمية ودولية، باتت تصرف حساباتها فوق الأرض الليبية بواسطة أبناء البلد الذين احترقوا في أتون حرب مصالح خارجية بالوكالة. ولذلك فإن صعوبة الحل تجد تفسيرها أساسا من ارتباط الفرقاء بالقوى الخارجية. ومن هنا بدأ كثيرون يطرحون الملكية بديلا براغماتيا، باعتبار أن رموزها الحية (ولي العهد محمد الرضا السنوسي) لا يعرف عنه ارتباطه بأي جهة خارجية.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة “جيوبوليتيك” المتخصصة الشهيرة في عددها لربيع 2024 (العدد 5 الخاص بشهور أبريل-مايو-يونيو 2024)، مقالا يقدم أفكارا جديرة بالنقاش بقلم الباحثة إيمان شعانبي، ويحمل نفس العنوان أعلاه.

الدكتورة إيمان شعانبي هي باحثة جامعية ومحللة جيواستراتيجية متخصصة في إدارة المخاطر الدولية في المرصد الجيواستراتيجي بجنيف (سويسرا)، وأستاذة جامعية ومديرة قسم فرنسا-المغرب العربي-أفريقيا في المعهد الأكاديمي التابع للمرصد.

مع التنويه إلى أن الأفكار الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الباحثة ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر “أفريقيا برس”.

في التاسع من فبراير/شباط 2024، كان وصول ولي العهد محمد الرضا السنوسي منتظرا في العاصمة الليبية طرابلس، تلبية لدعوة وجهها إليه رئيس الوزراء الليبي الحالي عبد الحميد الدبيبة. ويندرج هذا اللقاء في إطار الإعداد لمستقبل ليبيا السياسي.

منذ سقوط نظام معمر القذافي (في 22 أكتوبر/تشرين الثاني 2011)، تواجه البلاد أزمات عديدة مجزأة من الداخل بسبب حكومتين. فهناك حكومة في شرق البلاد يقودها المشير خليفة حفتر، وحكومة في غربها مقرها طرابلس يسيرها عبد الحميد الدبيبة. هذا الأخير جرى تعيينه رئيسا للحكومة بالنيابة في الخامس من فبراير/شباط 2021، من قبل ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي ترعاه الأمم المتحدة، في إطار هدف رئيس يتمثل في تنظيم انتخابات رئاسية في ليبيا. لكن على الرغم من ضغوط الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لم يتمكن رئيس الحكومة من توحيد ليبيا من خلال تنظيم انتخابات ديمقراطية. وبعد محاولة للتقرب من سيف الإسلام القذافي ومفاوضات مُجهضة مع المشير حفتر، قرر الدبيبة اللجوء إلى المَلَكِيِّين لاستعادة الهوية الوطنية الليبية المفقودة.

وفي هذا الإطار، تنشط المفاوضات في الكواليس منذ بضعة أشهر، التقى ممثل المجلس الرئاسي الليبي موسى الكوني في 29 يناير/كانون الثاني الماضي، أعضاء الجمعية العالمية لقبائل الأدارسة الذين أكدوا له دعمهم لمشروع المصالحة الوطنية، التي من شأنها أن تضمن استقرار البلاد مع الحفاظ على الإرث الثقافي الليبي. فمن إعادة النظام الملكي تمثل قبل كل شيء “الحل القادر على إعادة إرساء سيادة القانون واستقرار البلاد”، بحسب وزير الخارجية الليبي محمد عبد العزيز.


ولي العهد: ديبلوماسية موازية في خدمة الشعب الليبي

إن ولي العهد محمد الرضا السنوسي، الذي ولد في طرابلس (في العشرين من أكتوبر 1962) وعاش في ليبيا إلى غاية العام 1987، هو حفيد الملك إدريس الأول. ووالده حسن الرضا كان من المقرر أن يتم تنصيبه ملكا لليبيا في الفاتح من سبتمبر/أيلول 1969، لولا أن “الضباط الأحرار الوحدويين” بقيادة العقيد معمر القذافي وضعوا حدا للمَلَكية في ليبيا وأعلنوها الجمهورية في مرحلة أولى، ثم “الجماهيرية العربية الليبية الشعبية والاشتراكية العظمى” في 1977. وتم سجن حسن الرضا إلى غاية العام 1972، وفرض الإقامة الجبرية على أسرته إلى غاية العام 1977.

وفي 1984، دمر القذافي آخر رموز الملكية في ليبيا، خصوصا المسجد التاريخي للسنوسية في واحة الجغبوب (شمال شرق ليبيا) وقبر الإمام محمد بن علي السنوسي (مؤسس الحركة السنوسية). وقبل وفاته، نقل ولي العهد الراحل حسن الرضا اللقب وكذا الإشراف على العائلة إلى ولده محمد، وعينه وليا للعهد. وأسس هذا الأخير في لندن الحركة من أجل إعادة الملكية، مدعوما من طرف شبكة تأثير واسعة تشكلت من أعضاء من الليبيين المغتربين ومراكز تفكير إنجليزية. ويسير إحدى الجمعيات الليبية الداعمة، أشرف بودوارة الذي يرأس كذلك “المؤتمر الوطني لتفعيل دستور الاستقلال وعودة الملكية” ويطالب بإقامة حوار وطني. هكذا، وفي الـ 26 يناير/كانون الثاني 2024، التقى أعضاء في المجتمع المدني الليبي في إسطنبول، للإعداد لتنظيم الحوار الوطني. وتمخضت عن هذه الدورة الرابعة من المشاورات المجتمعية جملة من المقترحات، هَمّت بعضها إعادة العمل بدستور 1951، وإجراء حوار مع جميع الفاعلين في المجتمع المدني، وإعادة التأكيد على هوية وطنية ليبية. ويرى الأمير محمد الرضا بأن عودة الملكية من شأنه أن يسمح بالمصالحة مع الشعب، ويضمن الحقوق المدنية والسياسية لليبيين، إضافة إلى التعايش السلمي في وطن موحد.

وفي إطار الاحتفاء بالعيد الوطني في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، أكد الأمير محمد الرضا استعداده ورغبته في العمل إلى جانب نشطاء المجتمع المدني الليبي. وهو يحظى بدعم من طرف أغلبية كبيرة من المغتربين الليبيين، الذين يرون فيه رمزا للهوية الوطنية الليبية. فهو وجه جديد على الساحة السياسية الليبية، ولم يسبق له أن شغل وظائف سياسية أو اقتصادية في وطنه. ولذلك فإنه يضع نفسه وسيطا (بين الفرقاء الليبيين) إنما يجسد التجديد المستند إلى مشروعية سياسية ودينية موروثة عن والده. وتشكل تربيته الأنجلو-ساكسونية إلى جانب تطلعاته الديمقراطية، ميزة كبرى بالنسبة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

بيد أنه ما يزال عليه إيجاد موقع في المشهد السياسي الليبي، لكونه ما يزال مجهولا لدى جيل الشباب. وفي حين أن تكريسه من قبل الدبيبة يعتبر ميزة إلا أنه في الوقت نفسه هدية مسمومة، إذ يوجد بين مؤيديه “الإخوان المسلمين”، الذين كانوا بطبعهم دائما معادين للصوفية [السنوسية التي ينتسب إليها الأمير هي حركة صوفية بالأساس- المترجم]. وسيتعين على الأمير تأكيد استقلاليته السياسية حتى لا يعتمد على التزامات الحكومة الحالية، التي تستخدم كل الوسائل السياسية والرمزية المتاحة لها لتحقيق مصلحتها الخاصة.

استغلال الوطنية من قبل الدبيبة: لعبة ساذجة؟

من خلال هذا البديل السياسي، يتمنى رئيس الوزراء إعادة الشعور بالانتماء (من طرف الليبيين) إلى الأمة الليبية. وكانت الثورة بدأت بإعادة العلم الليبي الذي أقره دستور 1951، حيث يعتبر اللون الأحمر رمزًا حقيقيًا للملكية، وهو يشيد بالشهداء الذين ماتوا أثناء الاستعمار الإيطالي. أما اللون الأسود، من جانبه، فيستحضر شعار الجماعة السنوسية التي أسسها محمد السنوسي في القرن التاسع عشر الميلادي. وكان تحت إمرته (المقاوم الشهير الملقب بشيخ الشهداء) عمر المختار. أما اللون الأخضر والهلال فيجسدان الأمل والازدهار للأجيال القادمة وكذلك الأمل.

وبعيدا عن الوطنية المحافظة، يرغب رئيس الوزراء الليبي في إعادة ترسيخ وطنية التحرير. وبالفعل، فمن خلال تشكيكه في المؤسسات السياسية الحالية، يتمنى توحيد أقاليم ليبيا (التاريخية) الثلاث، والتي هي: طرابلس وفزان وبرقة. علاوة على ذلك، يتعلق الأمر بالدفاع عن مبدأ المساواة الليبرالي، من خلال رفض الهيمنة الأجنبية ممثلة في تواجد الجيوش الأجنبية والمرتزقة. ومن خلال النضال من أجل استقلاله الوطني، سيؤكد الشعب الليبي على سيادته، ما سيقوده بحكم الأمر الواقع إلى خلق دولة-أمة.

وفي هذا الاتجاه، سيعيد مجيء رمز حي إعادة إحياء الوطنية التي كانت سائدة من قبل، ما سيمخض عنه حصول ثورة سياسية وثقافية داخل المجتمع الليبي المنقسم على مستوى الأرض والأجيال. غير أن هذه المناورة السياسية ما هي إلا نتيجة مباشرة لعجز رئيس الوزراء (الدبيبة) عن حكم البلاد، ونزع سلاح المليشيات التي تؤيد في إقليم طرابلس. فهو يرفض ترك السلطة لأنه ومحيطه مهددون بالمتابعة من طرف العدالة الليبية، حيث إنه متورط في قضايا رشوة بحسب الأمم المتحدة.

وفي 2021، توصل الدبيبة إلى اتفاق مع آل القذافي بعد دمجهم في حكومته الحالية. وسمحت له مفاوضات مع جماعة حفتر بدمج موظفي الجهة الشرقية (إقليم برقة) في بعض الوزارات. كما حاول من جهة أخرى التقرب من الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا. وحيث إنه مدرك لحجم تأثير “الإخوان المسلمين” (الهام) في ليبيا، فإنه فضل التزام مهادنتهم من خلال السماح لهم بممارسة أنشطتهم التجارية والأمنية والاجتماعية بكامل الحرية. كما يحظى من جهة أخرى بدعم في الكواليس من طرف الجهادي السابق (الشهير) عبد الحكيم بلحاج.

على الصعيد الدولي، تحظى المبادرة من أجل عودة نظام ملكي دستوري في ليبيا، بدعم من طرف كل من قطر والأردن والإمارات العربية وإنجلترا. ويعتبر الاتحاد الأوروبي من جانبه المبادرة، “عقلانية للخروج من الطريق السياسي المسدود التي توجد فيه ليبيا”. وللإشارة، فإن مركز التفكير منتدى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MECAF) يقترح “خطة باء من أجل ليبيا ديمقراطية”، بعد فشل “الخطة ألِف” (خارطة الطريق المنظمة من قبل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا)، بعد أن اتضح بأن الديمقراطية وفق النموذج الغربي غير قابلة للتطبيق في المجتمع الليبي. وبالتالي، فإن العودة إلى تطبيق دستور 1951 هي “السبيل الوحيد إلى ليبيا مستقرة وموحدة”، سيما بعد صمود الملكيات في وجه الثورات العربية. وعليه، فإن الملكية في ليبيا هي الكفيلة بضمان الاستقرار السياسي والاستمرارية التاريخية والوحدة الوطنية للبلاد.

للإشارة فإن الملكيات العربية وحدها صمدت في وجه الربيع العربي. وباعتبارها عامل استقرار وتقدم ورخاء، فإن الملكيات مثل المغرب وعُمان قد تمكنت من الموازنة بين الطابع السياسي والديني. وفي مجتمعات تعتبر نماذج للتعددية الثقافية والدينية، فإن الهوية والوحدة الوطنية والحفاظ على الوحدة الترابية تمثل الأساس الذي تقوم عليه الأمة، التي تعتبر الملكية بمثابة عِمادها (هذا مقتطف من خطاب ملك المغرب محمد السادس).

وتراقب مصر التي شجعت ثورة 1969 في ليبيا وتعتبر الداعم الرئيس للمشير حفتر حاليا، عن قرب هذه المبادرة إلى إعادة النظام الملكي في جارتها الغربية، والتي تهدد بخلق سابقة لبعض دول الجوار. ولذلك سيكون من الضروري مواءمة هذه المقاربة مع المقاربة الديمقراطية التي يطالب بها الجيل الليبي الجديد.

ونتيجة لذلك، يرتسم سيناريوهان اثنان:

إما أن ينظم رئيس الوزراء الليبي الانتخابات الرئاسية ويقدم ولي العهد كمرشح للرئاسة، ويفاوض بعد ذلك للحصول على منصب رئيس الوزراء (ما سيسمح له بالحفاظ على الحصانة السياسية والقضائية)؛ أو أن يُعدل البرلمان الدستور الليبي ويعلن العودة إلى الملكية الدستورية المتضمنة لنظام الغرفتين (مجلس للنواب وآخر للشيوخ)، وملك ورئيس للحكومة وفقا لنموذج الملكية في إنجلترا.

وأيا ما كان السيناريو، فإن هذه المناورة السياسية هي قبل كل شيء وسيلة بالنسبة إلى رئيس الوزراء (الدبيبة) للبقاء في السلطة. لكن خصوصا إبعاد المرشحين الذين أعلنت حكومته عدم أهليتهم (سيف الإسلام القذافي والمشير حفتر).

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here