أفريقيا برس – ليبيا. في ليبيا، البلد الغني بالذهب الأسود، تتشابك مصالح الدول وتتغير المواقف والتحالفات وتعقد الهدن والاتفاقيات فقط من أجل هذه الثروة، الثروة التي استخدمت كورقة ضغط سياسية في مرات عديدة وهددت الدولة اقتصاديا وسياسيا لأجلها.
أشهر من الإغلاق القسري للحقول والموانئ النفطية الليبية انتهى خلال يومين فقط، بعد تعيين الدبيبة لرئيس جديد للمؤسسة الوطنية للنفط وهو فرحات بن قدارة، ورغم محاولة الجهات المسؤولة نفي وجود أي اتفاقيات وتفاهمات تسببت في هذا الانجاز إلا أن الواضح للجميع كان غير ذلك.
حيث أن مواقع وجود المنشآت النفطية المقفلة والتي تقع في الجزء الشرقي من ليبيا تحت سيطرة خليفة حفتر، والخلاف القديم القائم بين حكومة الوحدة الوطنية وحفتر، فضلا عن وجود حكومة أخرى وضع تمكينها شرطا لفتح المنشآت النفطية، وأخيرا الشخصية التي عينت على رأس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، كلها نقاط تؤكد وجود تفاهم لفتح النفط.
فقبل أيام أكد مصدر خاص صحة الأخبار المتداولة حول اجتماع قصير جرى بين إبراهيم الدبيبة ابن عم رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية وصدام حفتر نجل اللواء خليفة حفتر في دولة الإمارات بتنسيق من والد السفير الإماراتي في ليبيا محمد علي الشامسي.
وحسب المصدر فإن اللقاء ناقش مجموعة من النقاط وهي صرف ميزانية لقوات حفتر تقدر بـ13 مليار دينار ليبي وإجراء تغيير وزاري في حكومة الدبيبة مع تعيين وزراء تابعين لحفتر والإطاحة بحكومة باشاغا والتعهد بإجراء انتخابات في نهاية العام الحالي فضلا عن القضية الأهم وهي النفط الليبي.
وعقب هذا التأكيد بأيام معدودة نشرت وزارة النفط والغاز، قرار مجلس الوزراء برئاسة الدبيبة، تسمية مجلس إدارة جديد للمؤسسة برئاسة فرحات بن قدارة، خلفًا للمجلس الحالي برئاسة صنع الله.
وشغل فرحات بن قدارة منصب محافظ لمصرف ليبيا المركزي خلال الفترة من 2006 إلى2011 ونقلت وسائل إعلامية انه عمل مستشارًا اقتصاديًا لقائد الجيش الليبي خليفة حفتر في الفترة من 2018 إلى 2020 الأمر الذي يجعلنا نشير مجددا الى التفاهمات بين الدبيبة وحفتر، حيث أن الدبيبة عين شخصية مقربة من حفتر فضلا عن كونها مقربة من الإمارات أيضا.
لم تتناول وسائل الإعلام فحسب أخبار التقاربات بين حفتر والدبيبة حيث وصف رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله في كلمة له، حكومة الوحدة الوطنية بمنتهية الولاية متهما اياها بالتلاعب بالمؤسسة، موضحا أن هناك صفقات قامت بها الحكومة في الإمارات، مردفا أن الدبيبة كلف بن قدارة رئيسا للمؤسسة لإرضاء الإمارات ولضمان البقاء في رئاسة الحكومة، موضحا أن بن قدارة يسعى لمنح الإمارات 600 مليون دولار سنويا، مشددا على أن حكومة الدبيبة منتهية الولاية وهي عبارة عن حكومة تصريف أعمال وأمر واقع.
منح الدبيبة منصب رئيس المؤسسة الوطنية للنفط لشخصية مقربة من حفتر جعل موازين القوى السياسية تتغير بشكل تدريجي، حيث شهدت طرابلس زيارة من قبل رئيس أركان قوات حفتر لأول مرة منذ سنوات فضلا عن أعضاء اللجنة العسكرية من المنطقة الشرقية، وكان الغرض من هذه الزيارة عقد اجتماعات لاستئناف الخطوات العملية لتوحيد المؤسسة العسكرية.
ورقة النفط الليبي استطاعت فعليا أن تقلب الأحداث لصالح حكومة الدبيبة، بعد أن تراجعت حظوظها مع تعيين رئيس حكومة جديد من قبل البرلمان، وسيطرته على الشرق والجنوب، مع سيطرة الدبيبة على الغرب فقط، إلا أن التفاهم بينه وبين حفتر من الممكن أن يتصاعد حد تغيير وزاري يجريه للحصول على دعم من معسكر الشرق الليبي، والسيطرة الفعلية على ليبيا بأكملها.
ورغم نفي الدبيبة وجود صفقة سياسية مست قطاع النفط الليبي إلا أنه قال في كلمة أخرى له إن ما حدث هو حل مشكلة توقف تصدير النفط عن طريق وضع شخصيات متوافق عليها في إدارة المؤسسة حيث تم وضع شخصيات من الزنتان ومصراتة والجنوب وبنغازي والهلال النفطي بعدما كانت المؤسسة تحت سيطرة فردية تسببت في الأزمة.
نفي الدبيبة وجود أي تفاهمات ناقضه حديث رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة الذي قال إن الأطراف الدولية والمحلية اتفقت على أن تأتي شخصية ليس لها أي انتماء سياسي أو أيديولوجي لتدير المؤسسة بشكل محايد ومهني، إلا أنه أعرب عن رفضه اتهامه بالتبعية إلى أي دولة، قائلًا: «هذا كلام فارغ وغرضه التشويش» مضيفا «أسافر إلى كل مكان في ليبيا بدون مشكلات، ولست محسوبًا على أي طرف. أنا رجل وطني ومستقل برأيي ولا أريد المزايدة على أحد».
المهتم بقطاع النفط، والخبير الاقتصادي والنقابي أحمد الغول قال إن ما قلب الموازين بهذا الشكل وبهذه السرعة لابد ان يكون وراءه اتفاق من نوع ما أول بنوده استئناف الإنتاج النفطي بدون قيود أو شروط مسبقة وهذا ما شاهدناه جميعاً وسبقته تلميحات من سفراء بعض الدول، أما باقي بنود الاتفاق فهي ما زالت غير معروفة حتى اللحظة وستتكشف في قادم الأيام بكل تأكيد.
وتابع الغول إن الإمارات لاعب أساسي في الملف الليبي ولها مخالبها في البلاد التي تسيطر من خلالها على بعض القوى والمناطق ما مكنها من فرض واقع قد لا يكون مريحا خاصة في المنطقة الغربية كما ان تدخلاتها في ملف النفط ليس بجديد.
وأضاف أنه لطالما كانت الحسابات معقدة فيما يتعلق بموضوع تغيير مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط لما يختص به قطاع النفط بخصوصية ووضع حساس للغاية يجعل من أبسط تغيير فيه سبباً لموجة من الفوضى واستغلال جهات لهذا التغيير لتنفيذ أجنداتها، لذلك ابتعدت الحكومات المتعاقبة عن المساس بهذا المجلس الذي أثبت في عديد من المناسبات كفاءة عالية في التعامل مع ما مر به القطاع من ظروف استثنائية.
وأردف أن الضمانات التي تحصل عليها طرفا الاتفاق كانت كافية ويبدو ان المشاورات بدأت منذ مدة أطول من التي أعلن عنها وبالتالي صدر قرار تغيير مجلس إدارة المؤسسة رقم 642.
وختم الغول حديثه بأن القطاع النفطي دائماً في حالة استعداد بفضل كوادره وعماله وبالتالي ليس مستغربا ان يعود الإنتاج بهذه السرعة ولا ينبغي لأحد ان ينسب لنفسه هذا الإنجاز، فالقطاع وأبناؤه هم من كان لهم الفضل في استقراره وصموده حتى الآن وهم على قدر رفع الإنتاج بشكل أكبر فيما لو أزيلت العراقيل خاصة السياسية.
رفض البرلمان التعليق على خطوة الدبيبة إقالة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، رغم أنه عارض كافة خطواته السابقة، متحججا في رفضه بأن الأمر عرض على القضاء، وأن المجلس لن يشتت الرأي القانوني بالتصريحات والبيانات. ورفض البرلمان التعليق رغم سحبه الثقة من حكومة الدبيبة ومهاجمته لكافة القرارات الصادرة عنها يشير هو الآخر إلى أنه لا يريد التعليق على خطوة تمت بالشراكة مع حفتر ورفضها، على اعتبار أن حفتر هو المحرك الأول للبرلمان، والبرلمان هو الداعم الأول لحفتر من الناحية التشريعية.
ويتوقع عدد من المتتبعين أن يجري الدبيبة تعديلا وزاريا قريبا سعيا للحصول على رضا حفتر، وللحصول على دعم أكبر يمكنه على مستوى المنطقة الشرقية والجنوبية، وليقنع البرلمان بتخطي فكرة تعيين حكومة جديدة من خلال منحهم حقائب أكبر إضافة إلى حقيبة النفط.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس