هل ستعرف افريقيا طفرة في الانقلابات؟

13
هل ستعرف افريقيا طفرة في الانقلابات؟
هل ستعرف افريقيا طفرة في الانقلابات؟

بلال التليدي

أفريقيا برس – ليبيا. قبل أن تنصرم تسعة أشهر عن الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال بول-هنري داميبا داميبا في بوركينا فاسو، تحرك الجيش بقيادة الضابط إبراهيم تراوري، وأجبر قائد الانقلاب على ترك السلطة، ليتم تدشين رابع انقلاب بإفريقيا خلال حوالي ستة عشر شهرا.

الانقلاب الأول وقع في مالي في شهر مايو من العام الماضي، بقيادة العقيد أسيمي غويتا في مايو 2021، أما الثاني، فقد حصل في غينيا أربعة أشهر بعد الأول، أي في شهر سبتمبر من العام الماضي، وذلك بقيادة العقيد مامادي دومبوي، أما الثالث، فقد قاده الجنرال داميبا في بوركينا فاسو في شهر يناير من العام الجاري، ليعقبه انقلاب على الانقلاب في نهاية سبتمبر في العام الجاري، من قبل الضابط إبراهيم تراوري.

والحقيقة أن ثمة مشتركات تستدعي التأمل في هذه الانقلابات، أولها، أنها حصلت في سياق تداعيات أزمتين عالميتين (جائحة كورونا أو الحرب الروسية على أوكرانيا، وما ترتب عنها من أزمة طاقة وغذاء وارتفاع الأسعار وتزايد نسب التضخم). وثانيها، أن هذه الانقلابات حصلت بسبب تغير التوافقات داخل بنية الجيش (مالي، بوركينا فاسو) أو بسبب مس بمصالح الأجهزة الأمنية والعسكرية (غينيا).

وثالثها، أنها اتخذت ذريعة فشل السلطة سواء في مواجهة التهديد الإرهابي (مالي، بوركينا فاسو) أو ضمان الاستقرار الاقتصادي(غينيا)، سببا لإعلان تحرك الجيش للاستيلاء على السلطة. الرابع، أنها جميعها، حصلت في بلدان تعرف هشاشة كبيرة في بنية السلطة، وقدرتها على مواجهة الحراك الاجتماعي، أو التهديد الإرهابي أو التحديات الاقتصادية.

التحليلات السياسية التي تشتبك مع هذه الأحداث، تنشغل بسؤال تراجع النفوذ الفرنسي، وما إذا كانت هذه التطورات تعني بداية النهاية للحديقة الخلفية لفرنسا في أفريقيا.

والواقع، أن ما يجري في إفريقيا، لا يرتبط فقط بالجواب عن التحدي الذي تمثله الهيمنة الفرنسية، ولكنه، يرتبط بما هو أبعد من ذلك، مما يرتبط بضيق الخيارات التي تملكها الدول الإفريقية في مواجهة تداعيات أزمات دولية كبيرة، كانت هي الضحية الكبرى لها، والأكثر تحملا لتبعاتها وكلفتها، ويرتبط أيضا بحدة الاستقطاب الدولي والإقليمي على دول المنطقة.

قبل سنة، حذر الأمين العام، السيد أنطونيو غوتيريش مما أسماه «وباء الانقلابات»، ووجه نداء خاصا ناشد فيه القوى الكبرى للتعاون والاتحاد في مجلس الأمن من أجل خلق بيئة رادعة لهذا الوباء المحتمل لاسيما في دول إفريقيا، لكن المعطيات التي بنى عليها الأمين العام هذا التوقع المتشائم، كانت أقل سوءا بكثير من التطورات التي حصلت بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، وبعد أن أصبحت دول إفريقيا مهددة أكثر من غيرها في أمنها الطاقي والغذائي لاسيما منها الدول التي لا تمتلك مصادر للطاقة.

الدول الإفريقية اليوم، بفعل التطورات التي حصلت، أصبحت تملك مروحة من الأوراق المتناقضة، التي يصعب معها توقع المستقبل، فالاعتبارات الأمنية، تدفعها إلى وضع رجل مع الغرب (الناتو، الولايات المتحدة الأمريكية) والاعتبارات الاقتصادية، تملي عليها الانفتاح على روسيا، والمشكلة أن المسافة بين الأمن والاقتصاد جد قصيرة، لا تبقي خيارات مفتوحة لبعض الدول المتضررة، لكي تقيم التوازنات الضرورية في العلاقة بين المحورين.

قبل سنة، لم يتردد قائد الانقلاب في مالي في تفجير الصراع مع النفوذ الفرنسي، متهما إياها بتقديم خدمات للإرهابيين، لكن، مع تحقيقه لهدف انسحاب القوات العسكرية الفرنسية من بلاده، فقد اتجه إلى توطيد علاقاته مع موسكو، ولم تنتقل هذه العلاقات لبعدها الأمني (الفاغنر)، إلا بعد أن جمدت الولايات المتحدة الأمريكية تعاملها مع الجيش المالي، وبعد أن ساد القلق الغربي من موقف مالي من فرنسا.

قائد الانقلاب في بوركينا فاسو، عبر بشكل واضح عن ضيق الخيارات، لكنه، ربما استفاد من الدرس المالي، أو بالأحرى من العزلة المالية، فميز بين وجود قلق متزايد من النفوذ الفرنسي في المنطقة، وبين حرصه على تنويع الشراكات بالانفتاح على روسيا مع إبقاء علاقاته مع الولايات الأمريكية ممتدة.

الفارق في المثالين، يعود قطعا، للدور الجزائري في مالي، وكيف اشتغلت لحظة إدارة للتوتر الدبلوماسي مع فرنسا، لفائدة تقديم خدمات لوجستية للروس لنقل علاقتهم الاقتصادية مع مالي إلى علاقات استراتيجية وأمنية.

من المهم، أن يتم النظر إلى هذه الانقلابات على أساس أنها مجرد شرارة، يحتمل بعدها، وبنسب متفاوتة، أن تليها انقلابات أخرى، لاسيما في الدول التي تعرف هشاشة في بنية السلطة، وتتعمق فيها الأزمة الاقتصادية، وتحدث داخل بنية السلطة أخطاء في تدبير التعامل مع هذه الأزمة، تصل أحيانا إلى درجة المس بمصالح أجهزة أمنية وعسكرية قد تربك التوازنات الهشة القائمة، لاسيما وأن مناخ الاستقطاب الدولي والإقليمي أضحى يوفر بيئة خصبة لهذه الانقلابات، فروسيا تسعى بكل السبل أن تتوسع نفوذها الأمني في إفريقيا مستغلة في ذلك قدرتها على تحريك ورقة الغذاء والأسمدة والطاقة، كما أن مناخ الاستقطاب السياسي والدبلوماسي بين المغرب والجزائر حول قضية الصحراء، يجعل إفريقيا، وبشكل خاص غربها، ساحة واسعة لهذا الاحتراب.

الرسالة التي وجهها 27 عضوا في الكونغرس الأمريكي تحذر البيت الأبيض من الدور الذي تقوم به الجزائر في توسيع النفوذ لأمني لروسيا سواء في شمال إفريقيا أو في الساحل جنوب الصحراء أو في غرب إفريقيا، والتصريحات القوية التي أطلقها وزير الخارجية المغربي، يتهم فيها إيران وحزب الله الشيعي بتنسيق مع الجزائر، بتدريب قوات البوليساريو، والاستقطاب الحاد الذي تتعرض له بعض الدول الإفريقية لتغيير موقفها من الصحراء (ارتباك وتردد الموقف الكيني، وتغير موقف الرئيس التونسي) يعطي صورة عن التأثيرات التي تحدثها الهشاشة السياسية والاقتصادية، وكيف تحرم هذه الدول القدرة على إنتاج الموقف السيادي، والانفكاك من الاستقطابات الدولية والإقليمية.

البعض يعتقد أن محرك هذه الانقلابات هو التمرد على النفوذ الفرنسي، والحال، أن ذلك لا يعكس الحقيقة في جوهرها، فتوجيه قيادات الانقلاب في هذه الدول صفعة للنفوذ الفرنسي، لا يعني التحول نحو المحور الروسي، ولكن يعني أن واقع الندرة التي تعيشه هذه الدول التي تعاني آثارا صادمة للأزمة الاقتصادية، لم يعد يسمح باستمرار الهيمنة الفرنسية، وأن الدولة، قبل أن تبحث خياراتها للتكيف مع تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وبشكل خاص أزمة الطاقة والغذاء وارتفاع الأسعار ومعضلة ارتفاع نسبة التضخم، وما يمكن أن يترتب عن ذلك من انهيار السلم الاجتماعي، لن تكون قادرة على تأمين المصالح الفرنسية كما كانت تفعل في السابق، وأنها بعد أن تخطو هذه الخطوة، تحرك الأوراق التي تضمن لها توازن الموقف بين محوري الغرب والشرق (إدارة البعد الأمني مع الغرب، والانفتاح على الشرق من أجل حل مشكلة الغذاء والطاقة)، فإن تعذر عليها بناء التوازن، لا يبقى لها أي خيار، سوى أن تتجه إلى الشرق، وتضع خيار الطاقة والغذاء في مقابل خيار العلاقة الاستراتيجية والأمنية مع روسيا، وتناور مع القوى الإقليمية المصارعة في المنطقة، حسب تداخل مصالح هذه الدول في بلادها.

وإذا كانت مالي، قد اختارت أن تضع بيضها في كفة روسيا بدعم وتنسيق من الجزائر، فإن تعقد المصالح والعلاقات التي تجمع بوركينافاسو مع المغرب، ستجعل الخيارات أكثر ضيقا، وستدفع قادة الانقلاب إلى إدارة التوازن بين النفوذ الغربي والروسي من جهة، والمصالح المغربية والجزائرية من جه أخرى، بالشكل الذي يجعلها تتلافى عزلة النموذج المالي.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here