علاء حموده
أفريقيا برس – ليبيا. دخل ملف توحيد المؤسسة العسكرية المنقسمة في ليبيا مرحلة اختبار دولي جديد، عقب دعوة ما يُعرف بدول «مسار برلين»، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، إلى اتخاذ «خطوات إضافية» لتوسيع التنسيق العسكري بين الشرق والغرب، وإضفاء الطابع المؤسسي عليه، تمهيداً لتوحيد الجيش، وفق مراقبين.
ورغم أن البيان الصادر عن هذه الدول بدا أكثر صراحة، مقارنة ببيانات سابقة اكتفت بحضّ الأطراف الليبية على التقدم في ملف توحيد الجيش، فإنه قوبل محلياً بقدر كبير من «التشكيك» إزاء إمكانيتها على إحداث اختراق في مشهد الانقسام العسكري.
ويُعدّ «مسار برلين» إطاراً دولياً أطلقته الأمم المتحدة عام 2020، ومن بين الدول المشاركة فيه مصر، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والإمارات، وتركيا، والصين، وتونس، والجزائر، وذلك بهدف توحيد المؤسسات الليبية وتعزيز الاستقرار السياسي والأمني.
ويذهب محللون إلى الاعتقاد بأن تركيز البيان على «توسيع التنسيق وإضفاء الطابع المؤسسي»، يعكس إدراكاً دولياً بأن محاولات الدمج السابقة بقيت شكلية ومحدودة، وأن الملف يحتاج في هذه المرحلة إلى خطوات عملية تتضمن تحديد قيادة موحدة، وإرساء هيكل إداري وعسكري واحد، وإخضاع التحركات الميدانية ضمن منظومة قيادة واضحة.
ويرى الأكاديمي الليبي وأستاذ القانون، مجدي الشعباني، أن الدعوة الدولية الأخيرة تعبّر عن انتقال أولويات القوى الكبرى «من الحديث السياسي العام إلى فرض مسار عملي، قائم على توحيد المؤسسات قبل التوجه نحو الانتخابات»، عاداً في منشور عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أنه «ضغط مباشر على القيادات العسكرية في الشرق والغرب لتقديم نموذج أكثر استقراراً»، مبرزاً أن ذلك «يتسق مع التوجه الأميركي – البريطاني في التعاطي مع الملف الأمني خلال الأشهر الماضية».
ورغم الإشادة في البيان بـ«الجهود الليبية، الرامية إلى دمج القوات الأمنية»، فإن مراقبين اعتبروا هذه الإشارة محاولة لتخفيف حدة الضغط، وإظهار دعوة دول مسار برلين بوصفها دعماً، وليس اختباراً.
لكن المحلل الليبي المتخصص في الأمن القومي، فيصل أبو الرايقة، يرى أن تلك الدعوات «غير واقعية»، موضحاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنها «تعكس رغبة في إظهار حراك سياسي أكثر من كونها مبادرة قابلة للتطبيق»، لافتاً إلى أن مسار برلين «لم يحقق نتائج ملموسة» منذ تحديد سقفه عبر لجنة «5+5»، وبقي مساراً «انتقائيّاً ومعقداً»، يُظهر «أعراض الفشل السياسي» دون معالجة جذوره.
ويشير أبو الرايقة إلى أن الحديث عن توحيد المؤسسة العسكرية يصطدم بـ«فوارق بنيوية عميقة»، بين بنية عسكرية منظّمة في الشرق تتبع «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، وتشكيلات مسلحة في الغرب متعددة الولاءات، ومتفاوتة في الانضباط والتسليح. ويرى أن جسر هذه الهوة «يتطلب واقعاً جديداً، وليس بيانات دولية».
وتأتي هذه التطورات في ظل انقسام سياسي بين حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة في غرب البلاد، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وحكومة أسامة حماد في الشرق، المكلفة من البرلمان والمدعومة من قيادة «الجيش الوطني».
وبعد ساعات من صدور بيان حمل اسم بعض من دول «مسار برلين»، سارع مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي، إلى القول إن واشنطن ستبقى «في طليعة الجهود لتجاوز الانقسامات وتحقيق سلام دائم»، في إشارة رآها البعض تعزيزاً لثقل البيان الدولي وترسيخاً للانخراط الأميركي.
وجاءت رسائل دول «مسار برلين» على وقع تطورات محلية متسارعة على الصعيد العسكري؛ ففي غرب البلاد، يتزايد حديث تقارير محلية عن نوايا الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، التي تتجه نحو تعيين قائد عسكري للمنطقة الغربية، في خطوة تُفسر بأنها مسعى لإعادة ترتيب المؤسسة العسكرية، واستباق أي تفاهمات دولية بشأن الهيكلية الموحدة، وسط مخاوف من اعتبارها في الشرق محاولة لفرض قيادة موازية لقيادة حفتر.
وكان آخر تلك التحركات لقاء المنفي مع رئيس الأركان، محمد الحداد، عقب إعلان المجلس الرئاسي تشكيل «الهيئة العليا للرئاسات» في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، لتنسيق القرار الوطني.
أما في الشرق، فيكثف حفتر رسائله للقبائل والمجتمع المدني لحشد قاعدة دعم موسعة، في خطوة تُقرأ بأنها إظهار جاهزية سياسية وعسكرية في مواجهة المبادرات الدولية، كما أن نجله ونائبه صدام حفتر أعلن تشكيل 6 لجان لمتابعة «الأزمات الأمنية والاقتصادية»، في مؤشر إلى تعزيز منظومة الحكم في الشرق.
ورغم الجدية التي تبدو عليها هذه التحركات، والرسائل التي تحملها، فإنها تعكس، وفق محللين، مساعي كل طرف لإثبات حضوره، وفرض وقائع ميدانية وسياسية قبل الدخول في أي مسار توحيد فعلي للجيش، أو ربما رد فعل على خريطة أممية، لا تلقى قبولاً من المعسكرين الليبيين المتصارعين.
وهذه الرسائل المتبادلة بين شرق ليبيا وغربها، بحسب أبو الرايقة، «قد تكون تفسيراً مقبولاً للتحرك الدولي الجديد من دول مسار برلين، الذي يحمل طابعاً اختبارياً».
وسبق أن دعت دول من خارج إطار «مسار برلين»، الأفرقاء في ليبيا، إلى ضرورة العمل على توحيد المؤسسة العسكرية، من بينها دول عربية وأفريقية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس





