عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. تمر الذكرى الرابعة عشرة لثورة 17 فبراير 2011 في ليبيا، وهي الثورة التي أسقطت حكم معمر القذافي بعد أربعة عقود من الاستبداد، محققة حلم الليبيين في الحرية والعدالة والمساواة. لكن مع مرور السنوات، ظهر أن الطريق نحو بناء الدولة لم يكن سهلاً، بل مليئًا بالتحديات والصراعات. وعلى الرغم من الانقسامات التي تعصف بالبلاد اليوم، تبقى هذه الذكرى علامة فارقة في تاريخ ليبيا الحديث، وساحة للتأمل في ما تحقق وما يمكن أن يتحقق.
محطات الثورة وانعكاساتها
في عام 2011، خرج الليبيون في مظاهرات للمطالبة بالحرية، ثم تحولت هذه المظاهرات إلى ثورة شاملة ضد النظام، لكن الصراع على السلطة بعد إسقاط القذافي دفع البلاد إلى مرحلة من الفوضى والانقسام السياسي. ورغم العديد من المبادرات السياسية، مثل اتفاق الصخيرات في المغرب عام 2015، والتي كانت تهدف إلى توحيد السلطة عبر تشكيل حكومة الوفاق الوطني، إلا أن هذه المبادرات لم تحقق الاستقرار المنشود. أسفر ذلك عن استمرار الانقسام بين حكومتين: حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة التي تسيطر على طرابلس وبعض المناطق الغربية، وحكومة أسامة حماد مدعومة من مجلس النواب، التي تسيطر على الشرق و المناطق الجنوبية.
ورغم أن الثورة قد أسقطت نظام معمر القذافي، إلا أن ليبيا لا تزال تعيش حالة من الصراع على السلطة، والتي تجعل بناء الدولة العصرية التي حلم بها الشعب الليبي أمرًا محفوفا بالمصاعب والعقبات حتى الآن.
تصريحات السياسيين في ذكرى 17 فبراير
في هذه الذكرى، تداولت العديد من الشخصيات السياسية آرائهم بشأن الثورة وتحدياتها، وأبرزها كان تصريحات مجلس النواب الليبي. في بيان صادر عن المجلس بمناسبة الذكرى، أكد أنه “يستذكر بكل فخر تضحيات أبناء الوطن في سبيل الحرية والعدالة وبناء دولة القانون والمؤسسات”. وأكد المجلس على “مواصلة العمل من أجل تحقيق تطلعات الشعب الليبي في الاستقرار والتنمية”، داعيًا الجميع إلى “التكاتف والتآزر” من أجل “ترسيخ قيم المصالحة والوحدة الوطنية والسير قدماً نحو مستقبل مزدهر”. هذا التصريح يبرز تمسك المجلس بمواصلة العمل نحو بناء الدولة على الرغم من التحديات الحالية.
أما صلاح المرغني، وزير العدل السابق في حكومة الوفاق، فقد هنأ الشعب الليبي بمناسبة ذكرى الثورة، مشيرًا في منشور له عبر “فيسبوك” إلى أن “الثورة كانت بداية جديدة في تاريخ ليبيا”، معبرًا عن أمله في أن يعم السلام والعدالة البلاد.
وأضاف: “سوف يأتي يوم يتحقق فيه حلم الشعب الليبي في دولة قانون وعدالة، ولو بعد حين”، مشيرًا إلى أن ليبيا قادرة على تجاوز المحن والظروف الصعبة.
ورأي محمد الرعيض، عضو مجلس النواب، كان أيضًا بارزًا في هذا السياق، حيث أكد أن “ما تحقق من خلال ثورة 17 فبراير كان خطوة مهمة نحو الحرية، لكنها لم تُترجم إلى واقع ملموس بسبب الصراعات السياسية المستمرة”.
وأضاف الرعيض في تصريحاته أن ليبيا بحاجة إلى “إصلاح سياسي شامل” وأن كل الأطراف يجب أن تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
التصريحات الأخرى
فيما شدد نوري أبو سهمين، رئيس تيار “يا بلادي”، في تغريدة له على منصة “إكس” على ضرورة “تصحيح مسار الثورة”، قائلاً: “لا سبيل لخلاص الوطن إلا بتصحيح مسار الثورة التي قامت من أجل التغيير إلى الأفضل”، مضيفًا أن من يرفض هذا التغيير “قد حكم على نفسه بالإعدام السياسي”. هذه الكلمات تحمل رسالة قوية حول أهمية العودة إلى أهداف الثورة الأصلية وتوحيد الصفوف من أجل التقدم.
جمعة القماطي، رئيس حزب “القمة”، بارك بدوره للشعب الليبي في ذكرى 17 فبراير، مشيرًا إلى أن “ثورة فبراير قد حققت إسقاط الاستبداد، لكن التحدي الكبير هو بناء دولة مدنية ديمقراطية تضمن حقوق جميع الليبيين”. وأكد عبر منشور له أن “الهدف الآن هو بناء ليبيا الجديدة التي يتمتع فيها الجميع بالحرية والعدالة”.
وفي تعليق آخر، قالت زهراء لنقي، عضو ملتقى الحوار السياسي، في تدوينة لها عبر “فيسبوك” إن “ثورة 17 فبراير هي إحدى أهم ثلاث محطات في القرن الأخير”، مشيرة إلى أن الليبيين يجب أن يتذكروا تضحيات الشهداء ويتعلموا من الأخطاء التي حدثت بعد الثورة. كما دعت إلى ضرورة أن تتوحد القوى الوطنية “لبناء الدولة التي حلم بها كل الشهداء”.
في إطار تعليقه على الاحتفال بذكرى الثورة، تحدث وليد اللافي، وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية في حكومة الدبيبة، مشيرًا إلى أن ما يعيشه الليبيون من صعوبات هو “مرحلة ضرورية من مراحل التحول”، مؤكداً أن “الفوضى ليست نقيض الثورة بل جزء من عملية إعادة التأسيس”. وأوضح اللافي أن التغيير الجذري الذي يمر به المجتمع الليبي يحتاج إلى وقت، وأن الشعب يجب أن يظل متمسكًا بالأمل.
في الختام، على الرغم من مرور 14 عامًا على ثورة 17 فبراير، ورغم التحديات والانقسامات التي تعيشها ليبيا اليوم، فإن الذكرى تظل فرصة للتأمل في الإنجازات التي حققتها الثورة والأخطاء التي تم ارتكابها. لا يزال الأمل قائمًا في أن تتحقق أهداف الثورة في بناء دولة قانون وعدالة، وأن يتجاوز الشعب الليبي الصراعات الحالية. يظل التكاتف والتسامح هو الطريق الأمثل للمضي قدمًا، والعمل المشترك من أجل تحقيق الاستقرار والتنمية في ليبيا هو التحدي الأكبر الذي يواجه الجميع. إذا كانت ليبيا اليوم تمر بمرحلة صعبة، فإن الأمل في غدٍ أفضل لا يزال موجودًا، والمستقبل قد يحمل الكثير من الفرص إذا ما توحدت الإرادة الوطنية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس