حروب الوكالة في ليبيا

22

حدث الانقسام السياسي الليبي في عام 2014م بعد أن انطلقت عملية الكرامة في الشرق الليبي، الأمر الذي قاد إلى انطلاق عملية فجر ليبيا في غربها ردا عليها، وأنتج الواقعان العسكريان الجديدان هنا وهناك أجساما سياسية جديدة; فانتخب البرلمان وانعقد في مدينة طبرق، واستقل بشرق البلاد منتجا حكومة مؤقتة تابعة له؛ فيما رجع المؤتمر الوطني العام إلى الواجهة من جديد وشكَّل حكومة إنقاذ وطني استقلت هي الأخرى بغرب البلاد.

قاد الانقسام السياسي منذ ذلك الحين إلى استمرار الحروب بهدف إخضاع بعض المناطق هنا وهناك لكلا السلطتين، كما قاد إلى تدخل البعثة الأممية في ليبيا من أجل إنهاء هذا الانقسام، وأجرت الحوارات المتعددة داخل البلاد وخارجها إلى أن أفضت إلى الحوار الأخير المنعقد في مدينة الصخيرات المغربية، وأنتج الاتفاق السياسي الليبي الذي بموجبه وطئ المجلس الرئاسي أرض القاعدة البحرية في منطقة بوستة بالعاصمة طرابلس ومارس الحكم في المنطقة الغربية.

فتحت عملية الكرامة التي تسببت فعليا في الانقسام السياسي الليبي فتحت المجال واسعا أمام الحرب بالوكالة في البلاد الليبية، فبعد أن استعصت على داعمي الثورة المضادة في بلاد ثورات الربيع العربي السبل السياسية لإجهاض ثورة فبراير اتجهوا إلى السبيل العسكري لذلك فكان ما يسمى بعملية الكرامة المدعومة إقليميا ودوليا والتي استعصى عليها هذا السبيل في الغرب الليبي بفضل الترسانة العسكرية الضخمة لثوار المنطقة الغربية والتي تعثرت كل السبل المنتهجة لنقلها إليها حتى اليوم.

كانت عملية فجر ليبيا آخر عملية عسكرية تحركها أياد وطنية ردا على العملية المدعومة المسماة بالكرامة، ولما أن تدخلت البعثة الأممية لإنهاء هذا الصراع والانقسام وأنتجت الاتفاق السياسي الذي أنتج المجلس الرئاسي كان تدخل البعثة واضحا وجليا عبر الفاعلين الدوليين لا سيما الأوروبين منهم في مناحي الحياة الأساسية الليبية وأبرزها السياسية والاقتصادية والعسكرية، ففتحت الباب على مصراعيه لوكالة الحروب في البلاد.

ركزت البعثة على ما تسميه الترتيبات الأمنية وتواصلت مع الكتائب العسكرية مباشرة بمعزل عن المجلس الرئاسي لتنفيذها عبر الملحق العسكري بها وبذلك دخلت الكتائب الأمنية الحارسة للمجلس الرئاسي في مجموعة حروب بالوكالة فطردت الكتائب التي كانت تحمي المؤتمر الوطني العام وحكومة الإنقاذ اللذين كانا يمارسان أعمالهما من العاصمة حتى بعد دخول المجلس الرئاسي للعاصمة الأمر الذي جعل الكتائب الرافضة للاتفاق تعود من جديد إلى سابق مقراتها حتى طُردت مرة أخرى خارج طرابلس في جولة جديدة من المواجهات بينها وبين كتائب المجلس الرئاسي.

لم يستقر الأمر على حاله حتى انقضَّت كتيبة الأمن المركزي بوسليم على جارتها كتيبة صلاح البركي التي أيدت في بيان لها الاتفاق السياسي رغم الشكوك حول جديتها في تأييدها الاتفاق والتي أخرجت من منطقة بوسليم في العاصمة طرابلس إلى مدينة ترهونة.

واستمرت هذه الحروب التي تندلع هنا وهناك بالوكالة فمنذ وقت قريب انطلقت قوات إبراهيم الجضران التي أخرجت من منطقة الهلال النفطي من قبل قوات حفتر انطلقت لتسترجعها من جديد والتي استرجعت جزءا منها فيما ترددت أنباء عن أن هذه الحملة التي يقودها الجضران لاسترجاع الموانئ كانت بدعم إيطالي وبضوء أخضر أمريكي يهدف إلى تحجيم دور الفرنسيين في ليبيا وأطماعهم في حصص نفطية أخرى لم تكن من نصيبهم فيما مضى، ولم يمض على سيطرة قوات الجضران على الهلال النفطي أسبوع واحد حتى أخرجته قوات حفتر مجددا ربما بعد أن حدث التفاهم بين الاقطاب الدولية المتصارعة على النفط الليبي.

أخيرا ولا ندري إن كان آخرا كانت أحداث الحرب التي شهدتها مناطق جنوب طرابلس بين ما يسمى باللواء السابع القادم من مدينة ترهونة وبين قوات حماية طرابلس، والتي تقدمت فيها القوات القادمة من ترهونة وسيطرت على بعض المناطق ثم تراجعت إلى مواقعها الآتية منها بعد أن دشنت البعثة الأممية اتفاقا لوقف إطلاق النار ترتب على إثره بعض الترتيبات الأمنية والإصلاحات الاقتصادية، ورغم أن الأهداف المعلنة للحملة العسكرية التي قادها اللواء السابع لاقتحام مدينة طرابلس هي تطهيرها ممن أسماهم دواعش المال العام من الكتائب العسكرية المحتكرة للاعتمادات المصرفية‘ إلا أن ثمة تسريبات تتحدث عن دعم إيطالي أمريكي يهدف إلى استعادة النفوذ المهدد أو المسلوب من قبل الفرنسيين وتحكمهم في مفاصل القرار داخل المجلس الرئاسي، ودور الكتائب العسكرية في ذلك.

طبيعي ومنطقي أن تمارس الحروب بالوكالة في ليبيا بعد انقسامها سياسيا، إذ يعنى الانقسام سواء حدث في دولة موحدة عبر انقسام قواها السياسية وعدم الالتقاء على فكرة وطنية مع هشاشة هذه الدولة وضعفها، أو كان انقساما كالانقسام الذي تشهده ليبيا الذي اتخذ شكل دولتين في دولة واحدة يعني أن يفتح الباب على مصراعيه لدخول المتربصين والطامعين فيها بشكل مباشر عبر دولهم ومؤسساتهم الرسمية أو عبر الهيآت والمؤسسات الدولية واستغلال الفرقة وشراء الولاءات والذمم ومساعدة الأطراف على بسط سيطرتها وتوسع نفوذها، وهو أمر على الأغلب ما يكون مرحليا ينتهي وقت انقضاء المصلحة واستيفاء الغرض.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here