عقيلة صالح في روما.. أبعاد استراتيجية وتحديات سياسية في سياق الأزمة الليبية

7
عقيلة صالح في روما أبعاد استراتيجية وتحديات سياسية في سياق الأزمة الليبية
عقيلة صالح في روما أبعاد استراتيجية وتحديات سياسية في سياق الأزمة الليبية

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. تعد زيارة رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح إلى إيطاليا، خطوة استراتيجية في وقت حساس تمر به الأزمة الليبية.

زيارة تحمل أبعادًا متعددة، تشمل المواقف السياسية والاقتصادية والأمنية، وهي تأتي في سياق جمود سياسي عميق يعصف بليبيا منذ سنوات، ما يجعلها محط اهتمام داخلي وخارجي. يهدف صالح من خلال هذه الزيارة إلى تعزيز موقعه السياسي في معادلة الحل الليبي، بينما تسعى إيطاليا إلى توسيع دورها في ليبيا، لا سيما في المناطق الشرقية.

وفي لقاء لـ”أفريقيا برس” مع المحلل السياسي إبراهيم بلقاسم، أشار إلى أن هدف الزيارة يتمثل بشكل رئيسي في تعزيز موقفه السياسي في الساحة الليبية. فمنذ أن أصبح رئيسًا للبرلمان، سعى صالح لتكوين تحالفات سياسية إقليمية ودولية تضمن له دورًا مؤثرًا في مستقبل ليبيا السياسي. ويُضيف بلقاسم أن صالح يسعى من خلال هذه الزيارة إلى الحصول على دعم إيطاليا لمبادرته السياسية، التي تقوم على تشكيل حكومة مؤقتة جديدة تشرف على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.

الجزرة الاقتصادية في يد صالح

أما عن الدوافع الاقتصادية، فإن صالح، وفقًا لتحليل إبراهيم بلقاسم، يقدم “جزرة” للجانب الإيطالي، حيث يطرح أمامهم فرصًا في مجال إعادة إعمار المنطقة الشرقية من ليبيا.

الشرق الليبي يعتبر منطقة استراتيجية هامة لإيطاليا، لكونه يشكل نقطة انطلاق بحرية نحو أوروبا، بالإضافة إلى كونه نقطة جوهرية في شبكة المصالح الدولية التي ترتبط بليبيا. كما أن إيطاليا تسعى دائمًا لتعزيز وجودها الاقتصادي في هذه المنطقة، كونها شريكًا رئيسيًا في مشاريع البنية التحتية ومجالات الاستثمار الأخرى وخاصة في مجال الطاقة. وبذلك، يسعى صالح إلى استثمار هذه الفرصة للحصول على دعم إيطالي لمبادرته السياسية عبر ضمان استثمارات اقتصادية في الشرق الليبي، مما يعزز من موقعه السياسي في البرلمان والشارع الليبي.

إضافة إلى ذلك، يمكن فهم هذا الطرح من صالح ضمن سياق أكبر، حيث أن إيطاليا تعتبر شريكًا استراتيجيًا مهمًا في الاتحاد الأوروبي. ويُبين بلقاسم أن صالح، عبر هذا العرض، يهدف إلى تقوية علاقاته مع إيطاليا لتوسيع دائرة الدعم الأوروبي لمبادرته السياسية في ليبيا. فالعلاقات بين ليبيا وإيطاليا تظل محورية في مختلف الملفات، سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي، ولذلك، فإن هذه الزيارة تمثل خطوة هامة لتحسين العلاقات الثنائية.

دعم إيطاليا قبل المفاوضات السياسية

فيما يتعلق بتوقيت الزيارة، يُبرز إبراهيم بلقاسم أهمية التوقيت في سياق الأزمة السياسية المستمرة في ليبيا.

فالأزمة الليبية تمر منذ سنوات بحالة من المراوحة دون تحقيق أي تقدم ملموس على الصعيد السياسي.

هذا التوقيت الحساس يعد مثاليًا من منظور صالح، فهو يسعى إلى توظيف زيارة إيطاليا للحصول على دعم سياسي من إيطاليا، ومن خلفها الاتحاد الأوروبي، لتعزيز موقفه السياسي في أي مفاوضات قادمة.

بلقاسم يرى أن صالح قد اختار هذا التوقيت بهدف الحصول على تأييد إيطاليا في طرحه السياسي بل وذهب أبعد من ذلك بمطالبة رئيسة وزراء ايطاليا والسلطات الإيطالية الإعتراف بحكومة حماد المنبثقة عن النواب والمتمركزة في الشرق، خاصة مع وجود دعوات أوروبية لضرورة إيجاد حل سياسي شامل للأزمة الليبية.

ففي الوقت الذي يتزايد فيه الضغط الدولي على الأطراف الليبية للانخراط في حوار شامل، يسعى صالح إلى تأكيد مكانته باعتباره أحد الفاعلين الرئيسيين في العملية السياسية المقبلة. في هذا السياق، يمكن للضغط الدولي المدعوم بمواقف إيطالية، أن يعزز قدرة صالح على المضي قدمًا في تنفيذ رؤيته السياسية.

ووفقًا لهذا التحليل، يطمح صالح إلى تأمين دعم إيطالي لنفسه في مواجهة الأطراف السياسية الأخرى في ليبيا، وعلى رأسها حكومة الوحدة الوطنية في الغرب.

بلقاسم يشير إلى أن هذا الدعم السياسي سيمكّن صالح من أن يتفاوض مع الأطراف المختلفة من موقع قوة، وهو ما يمنحه موقعًا متقدمًا في أي مفاوضات سياسية قد تجري في المستقبل.

ملف الهجرة والأبعاد الأمنية تعاون مشترك

إبراهيم بلقاسم يشير أيضًا إلى الأبعاد الأمنية التي تكتسبها الزيارة، حيث يناقش صالح خلال الزيارة ملف الهجرة غير الشرعية.

يقول بلقاسم الشرق الليبي أصبح نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين غير الشرعيين، الذين يعبرون نحو أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط.

وتعد إيطاليا واحدة من أكثر الدول الأوروبية تأثرًا بهذه الظاهرة، حيث استقبلت على مدار السنوات الماضية أعدادًا كبيرة من المهاجرين القادمين من ليبيا عبر هذه المنطقة.

إيطاليا، إذًا، تولي اهتمامًا خاصًا لهذا الملف الأمني، وتبحث عن طرق لتحجيم هذه الظاهرة التي تشكل تحديًا أمنيًا وإنسانيًا. بلقاسم يوضح أن صالح يدرك أهمية هذا الملف بالنسبة لإيطاليا، وبالتالي يعرض التعاون مع روما في معالجة قضايا الهجرة، مما يعزز موقفه على الساحة الدولية ويقدم نفسه كطرف قادر على التوسط في القضايا الأمنية الليبية.

كما يضيف بلقاسم أن صالح يسعى من خلال هذا التعاون الأمني إلى تعزيز شرعيته أمام المجتمع الدولي، حيث يبرز نفسه كطرف ملتزم بمكافحة الهجرة غير الشرعية، وهو ما يعكس تطورًا في موقفه السياسي الذي يربط بين المصالح الداخلية والخارجية في إطار حل الأزمة الليبية.

التموقع الإقليمي وتحقيق الطموحات الشخصية

يوضح إبراهيم بلقاسم أن صالح يسعى إلى تعزيز موقفه عبر هذه الزيارة. كما يشير إلى أنه يدرك جيدًا أهمية هذه المنطقة بالنسبة لمصالح إيطاليا الاستراتيجية، ويرى فيها فرصة لتعزيز موقعه السياسي من خلال هذه العلاقات. فإيطاليا، إلى جانب مصالحها الاقتصادية، تسعى إلى ضمان استقرار المنطقة، خاصة في ظل التحولات السياسية التي تشهدها ليبيا.

ويعكس هذا التوجه رغبة صالح في تحقيق طموحاته الشخصية، حيث يسعى إلى استثمار العلاقات مع إيطاليا لتوسيع قاعدة دعمه على الصعيدين المحلي والدولي. بلقاسم يرى أن هذه الزيارة ليست مجرد خطوة لخدمة المصلحة الوطنية، بل أيضًا لتحقيق الطموحات الشخصية لصالح في تعزيز سلطته ونفوذه في الساحة السياسية الليبية. وتُعتبر هذه الزيارة جزءًا من استراتيجياته لتعزيز شرعيته في الداخل وتوسيع رقعة تأثيره في الخارج.

بين حشد الدعم الخارجي والتسويق الداخلي

تبقى زيارة عقيلة صالح إلى إيطاليا خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز موقفه السياسي داخليًا وإقليميًا.

ومن الواضح أن هذه الزيارة تحمل أهدافًا متنوعة تجمع بين المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية.

فإيطاليا، تسعى إلى تعزيز دورها في ليبيا من خلال توسيع نفوذها في المنطقة الشرقية، والتعاون في ملفات الهجرة والأمن.

ومع ذلك، لا يمكن إغفال أن هذه الزيارة قد تخدم أيضًا الطموحات الشخصية لصالح، حيث يسعى إلى تحقيق موقع متقدم في المشهد السياسي الليبي، وهو ما يعكس تفاعل المصالح الشخصية مع السياسية الوطنية.

تبقى الأسئلة مفتوحة حول تأثير هذه الزيارة على مسار الأزمة الليبية، وهل ستسهم في دفع عملية الحل السياسي إلى الأمام، أم ستظل مجرد خطوة أخرى في سلسلة محاولات لتسويق النفوذ السياسي على حساب المصلحة العامة للشعب الليبي.

وختاما يبقى ملف الأزمة الليبية بحاجة إلى خطوات أكثر وضوحًا وتعاونًا حقيقيًا بين الأطراف الليبية، بدلاً من التكتيكات السياسية التي قد تركز أكثر على المصالح الفردية والإقليمية دون أن تؤدي إلى نتائج ملموسة في عملية الحل الشامل.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here