ماذا وراء تصريحات المنقوش حول لقائها بإيلي كوهين؟

10
ماذا وراء تصريحات المنقوش حول لقائها بإيلي كوهين؟
ماذا وراء تصريحات المنقوش حول لقائها بإيلي كوهين؟

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. في أغسطس 2023، أثار لقاء وزيرة الخارجية الليبية السابقة نجلاء المنقوش مع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في روما جدلاً واسعًا في ليبيا. اللقاء الذي اعتبره البعض محاولة لتطبيع العلاقات بين ليبيا والكيان الإسرائيلي، أدى إلى إقالة المنقوش من منصبها وسط ردود فعل متباينة على الساحة السياسية الليبية.

بعد أكثر من عام من تلك الحادثة، تواصل الجدل حول تفاصيل اللقاء وتأثيراته على الوضع الداخلي والخارجي لليبيا.

أهداف اللقاء

وفقًا لتصريحات نجلاء المنقوش الأخيرة عبر منصة أثير الجزيرة، كان اللقاء مع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين بتكليف من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، حيث كانت المناقشات تدور حول “قضايا استراتيجية تتعلق بأمن واستقرار البحر الأبيض المتوسط”. وأكدت المنقوش أن اللقاء لم يكن يهدف إلى تطبيع العلاقات بين ليبيا والكيان الإسرائيلي، بل كان جزءًا من جهود دبلوماسية في سياق أوسع يتعلق بالأمن الإقليمي. لكن في المقابل، رفضت حكومة الدبيبة هذه التصريحات وأكدت أن اللقاء كان “عابرًا” و”غير محسوب”.

تداعيات اللقاء

أدى اللقاء إلى أزمة سياسية كبيرة في ليبيا، حيث تمت إقالة نجلاء المنقوش من منصبها على خلفية اللقاء وتحت ضغط الشارع وقتها. الدبيبة، الذي كان قد صرح في البداية أن اللقاء لم يكن له علم به، واجه ضغوطًا كبيرة بعد تصاعد ردود الفعل الغاضبة في الداخل. واعتبرت بعض القوى السياسية هذا اللقاء “سقوطًا أخلاقيًا” يتناقض مع مواقف الشعب الليبي التاريخية المناهضة للكيان الإسرائيلي، لا سيما في شرق ليبيا حيث أعلن رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب أسامة حماد أن اللقاء “يجرمه القانون الليبي” الذي يجرم أي تطبيع مع إسرائيل.

تنصل حكومي واحتجاجات شعبية

تصريحات نجلاء المنقوش الأخيرة، التي أكدت فيها أنها كانت تتصرف بتكليف من الدبيبة، أثارت المزيد من الجدل. في الوقت الذي اعتبرت فيه بعض الأطراف أن اللقاء كان محاولة لفتح قنوات تواصل دبلوماسي، اعتبر آخرون أن الحكومة “تنصلت” من مسؤوليتها عن اللقاء بعد تسريب تفاصيله. وعلى الصعيد الشعبي، شهدت ليبيا احتجاجات مناهضة لأي محاولة للتطبيع، حيث كان هناك تحرك عسكري من قبل بعض القوات العسكرية في طرابلس والزاوية، مما يعكس تصاعد التوترات السياسية والعسكرية في البلاد.

التحقيق والمحاسبة

في وقت لاحق، طالب خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي عبر حسابه على الفيس بوك، بالتحقيق مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ووزيرة الخارجية السابقة نجلاء المنقوش، على خلفية لقائهما مع وزير الخارجية الإسرائيلي. المشري اعتبر أن هذا اللقاء يمثل “جريمة” يعاقب عليها القانون الليبي، وطالب المشري النائب العام الليبي بمحاكمة كل من شارك في تنسيق هذا اللقاء السري، داعيًا إلى عرض نتائج التحقيق أمام الشعب الليبي.

كما أكد التجمع الوطني للأحزاب الليبية في بيان له على ضرورة محاسبة جميع الأطراف المسؤولة عن ترتيب لقاء وزيرة الخارجية السابقة نجلاء المنقوش بوزير الكيان الصهيوني، مشددًا على أهمية تشكيل حكومة وطنية موحدة تضم كافة الأطراف لتحقيق الاستقرار والسلام.

وأصدر التحالف الليبي لأحزاب التوافق الوطني بيانًا استنكر فيه تصريحات وزيرة الخارجية السابقة نجلاء المنقوش بشأن لقائها بوزير خارجية الكيان الصهيوني، بمعرفة رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، واعتبر ذلك جريمة سياسية وقانونية تمثل إساءة للشعب الليبي وتجاوزًا صارخًا للمبادئ الوطنية.

ودعا التحالف إلى محاسبة كل من تورط في هذه الواقعة، مطالبًا النائب العام باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.

كما دعا أبناء الشعب الليبي إلى التعبير عن رفضهم لهذه الخطوة التي وصفها بأنها خيانة وطنية لتحقيق مصالح شخصية ضيقة.

تبرير وانتقاد

في تصريحٍ خاص لـ”أفريقيا برس” عبّر صلاح البكوش، المستشار السياسي السابق للمؤتمر الوطني العام، عن موقفه قائلاً: “نحن في موقف لا نحسد عليه: هل نصدق نجلاء 2023 أم نجلاء 2025؟ هل نصدق تصريحات الدبيبة؟ وما الذي دفع نجلاء اليوم للإثناء على القيادة العامة؟”. هذا التصريح يعكس التردد والتناقضات في تصريحات المنقوش، حيث كانت قد وصفت اللقاء في البداية بالعرضي في 2023، ثم عادت لتؤكد في 2025 أن اللقاء لم يكن عرضيًا على الإطلاق، وأنه جاء بتكليف من حكومة الوحدة الوطنية.

وهو ما يثير تساؤلات حول موقفها الحقيقي، خاصة أن المنقوش لم تُشر في أي من تصريحاتها إلى اعتراضات على تلك التعليمات.

ومن جانبه قال المحلل السياسي محمود إسماعيل لـ”أفريقيا برس” أن المنقوش كلفت بوزارة الخارجية ليس لها أي دراية عن السياسة الخارجية ولكنها كانت كأمر واقع مع الحكومة وأشار أن ملف التطبيع بدأ من سنة 1993 عندما بعث القذافي وفدا خاصا إلى الكيان الاسرائيلي وكرر هذا في عديد المحطات وكان في إطار وظروف تختلف عما هو الآن ولكن هذا التحول اللافت من قبل حكومة الوحدة لدفع باتجاه لقاءات بحجم وزراء خارجية هو ما أدى إلى انفجار الأوضاع واتهام الحكومة بمحاولة التطبيع.

ويوضح إسماعيل أن كل الأجسام التي ليس لها شرعية شعبية تعتقد أن اسرائيل هي بوابة الولايات المتحدة والغرب ولأجل البقاء في السلطة تقديم مايمكن تقديمه من أجل الكرسي.

ومن جهة أخرى يرى إسماعيل أن هذا الملف وهذه التصريحات قد يستخدمها خصوم حكومة الوحدة من أجل الإطاحة بها عبر مظاهرات وتحركات شعبية واللعب على عاطفة الليبين الرافضين لأي شكل من أشكال التطبييع.

تعزيز القوى العسكرية في طرابلس

تزامنًا مع الجدل حول اللقاء، شهدت العاصمة طرابلس تصعيدًا في التوترات العسكرية. في وقت لاحق من يناير 2025، تم تعزيز وجود القوات العسكرية في طرابلس وفي مدينة الزاوية غرب ليبيا، وهو ما يعكس تفاقم الوضع السياسي في البلاد. حكومة الدبيبة قامت بنقل قوات من مصراتة لدعم المواقع العسكرية في طرابلس، في خطوة تهدف إلى تعزيز الاستقرار في العاصمة وسط تصاعد الاحتجاجات ضد الحكومة من قبل بعض الفصائل العسكرية والشعبية.

ختاما، رغم محاولات بعض المسؤولين الليبيين، فتح قنوات تواصل مع شخصيات إسرائيلية سواء سياسية أو مدنية، إلا أن الشعب الليبي ظل ثابتًا في رفضه القاطع لأي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل. تاريخ ليبيا وقوانينها الداعمة للقضية الفلسطينية، وتأكيدها على مواقفها الراسخة ضد الاحتلال الإسرائيلي، لا يزال يشكل حاجزًا قويًا أمام أي محاولة للانخراط في علاقات مع تل أبيب.

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات السياسية والعسكرية في البلاد، تبقى القضية الفلسطينية ورفض التطبييع بكل أشكاله جزءًا لا يتجزأ من مبادئ الشارع الليبي مهما كانت الظروف، ويظل الشعب الليبي متماسكًا في رفضه لكافة المساعي التي تسعى لتغيير هذه الثوابت.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here