عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. تعيش ليبيا مرحلة حساسة من حيث التوازن السياسي والاقتصادي، حيث تتداخل المؤسسات السيادية والسلطات التنفيذية مع الانقسامات الداخلية. واحدة من أبرز هذه القضايا هي مسألة استمرار رئيس ديوان المحاسبة، خالد شكشك، في منصبه في ظل التحديات القانونية والسياسية المعقدة التي تواجه البلاد.
التوترات القانونية والسياسية في ليبيا
في خطوة غير مسبوقة، وجه رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، خطابًا إلى رئيس ديوان المحاسبة، خالد شكشك، يطلب منه الاستمرار في عمله حتى يتم توحيد المؤسسات السيادية في ليبيا. وتُعتبر هذه الخطوة جزءًا من مساعي الحكومة الليبية لضمان استقرار المؤسسات المهمة في الدولة، رغم الانقسام السياسي الحاد الذي يعصف بالبلاد.
ومع ذلك، لم تقتصر هذه القضية على الجانب السياسي فقط، بل امتدت إلى الجانب القانوني أيضًا. حيث كانت محكمة استئناف طرابلس قد أصدرت حكمًا يقضي بإلغاء قرار تعيين عطية السعيطي وكيلا لديوان المحاسبة. ورغم ذلك، أصدر مجلس النواب خطابًا جديدًا يعزز من استمرار خالد شكشك في منصبه، مؤكدًا على ضرورة استكمال مهامه حتى يتم التوافق مع مجلس الدولة بشأن المناصب السيادية.
وفي تصريح لـ”أفريقيا برس”، أوضح المستشار القانوني في القطاع الحكومي ومستشار قانوني لمنظمات محلية ودولية هشام الحاراتي أنه من المعروف في النظام القانوني الليبي أن الاستشكال في التنفيذ هو أداة قانونية تمكن الشخص من طلب وقف تنفيذ حكم قضائي مؤقتًا بناءً على أسباب قانونية، مثل عدم وجود مبرر قانوني لتنفيذ الحكم في تلك المرحلة.
لذلك، تقدم السيد خالد شكشك عقب صدور حكم قضائي عن محكمة نالوت ضده باستشكال في التنفيذ، مما ترتب عليه وقف تنفيذ حكم محكمة نالوت إلى حين الفصل في موضوع الاستشكال.
وبالتالي، فإن قرار عقيلة صالح يمكن أن يُنظر إليه كإجراء مؤقت يعكس التصارع بين السلطات في ليبيا، وقد يرتبط بالاستشكال القانوني المقدم من رئيس ديوان المحاسبة. وأضاف أنه وبالنظر إلى أن الاستشكال يوقف تنفيذ الحكم مؤقتًا، فإن تنفيذ حكم محكمة نالوت (فيما يخص شغور المنصب) قد يتأجل لحين الفصل في الاستشكال.
من جانبه، أكد أن القرار الصادر بتكليف خالد شكشك قد يكون قانونيًا قائمًا حتى تنتهي الإجراءات القانونية المتعلقة بالاستشكال.
ونوه الحاراتي إلى أن القرار الصادر عن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح يُعتبر في إطار المناورة السياسية بهدف بسط السيطرة على أكبر قدر من المؤسسات السيادية. أما من الناحية القانونية، أوضح الحاراتي أنه باعتبار أنه قد تم تقديم استشكال قانوني على الحكم من قبل السيد خالد شكشك، فإن هذا الاستشكال يوقف تنفيذ الحكم القضائي المتعلق بشغور منصب رئيس ديوان المحاسبة إلى حين الفصل في موضوع الاستشكال.
دعم المجتمع الدولي
على الصعيد الدولي، أكدت سفارات دول أمريكا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا دعمها الكامل لديوان المحاسبة وقيادته، في بيان مشترك. وقد شددت هذه الدول على ضرورة احترام استقلالية المؤسسة ونزاهتها من قبل جميع الأطراف، بعيدًا عن أي تدخلات سياسية. وأوضح البيان أن ديوان المحاسبة يعد جزءًا أساسيًا من الدولة الليبية ويسهم في تعزيز الثقة الدولية في ليبيا، وهو ما يعكس أهمية هذه المؤسسة في البناء المؤسسي للدولة.
هذا الموقف الدولي يعكس الدعم الغربي لحكومة ليبيا في مواجهة التحديات الداخلية، ويعكس أيضًا المخاوف من تأثير الصراعات السياسية على استقلالية المؤسسات الرقابية مثل ديوان المحاسبة، التي تلعب دورًا رئيسيًا في محاربة الفساد وتعزيز الشفافية.
القرار القضائي وتأثيراته على ديوان المحاسبة
من جهة أخرى، أثار القرار القضائي الصادر عن محكمة جنوب طرابلس الابتدائية، الذي يقضي بإيقاف رئيس ديوان المحاسبة، خالد شكشك، تساؤلات حول دور القضاء في هذه الأزمة. فبحسب القرار، تم إيقاف شكشك بناء على حكم المحكمة الذي يشكك في شرعية تعيينه من قبل البرلمان. وهذا القرار يضع ديوان المحاسبة في موقف حساس، ويزيد من تعقيد الوضع القانوني للعديد من المؤسسات الحكومية الليبية.
لكن خالد شكشك، في رده على هذه القضية، أكد التزامه بالاستمرار في منصبه بناء على كتاب إدارة القضايا في طرابلس وقرار مجلس النواب، مشيرًا إلى تأكيد المحكمة العليا على صحة موقفه القانوني. وطلب من جميع المديرين والإدارات في ديوان المحاسبة مراعاة التعليمات الصادرة عنه باعتباره الممثل القانوني لهذه المؤسسة.
تحديات المستقبل
من المتوقع أن تزداد التحديات أمام ديوان المحاسبة في ظل هذه الأوضاع المعقدة. فالتوازن بين القرار السياسي والتطبيق القانوني يمثل صراعًا مستمرًا في ليبيا، ويزيد من تعقيد المهمة الأساسية لديوان المحاسبة في مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في إدارة الأموال العامة.
كما أن التحديات التي تواجه المؤسسات السيادية الليبية قد تؤثر على الاستقرار السياسي، مما ينعكس على الوضع الاقتصادي في البلاد.
في الختام، إن استمرار رئيس ديوان المحاسبة، خالد شكشك، في منصبه يتقاطع مع مسألة أساسية تتعلق بمستقبل المؤسسات السيادية في ليبيا. في الوقت الذي يدعم فيه المجتمع الدولي استقلالية ديوان المحاسبة، يبقى السؤال حول كيفية تجاوز التحديات السياسية والقانونية التي تواجه هذه المؤسسة، وكيفية تحقيق التوافق الداخلي في ليبيا بشأن المناصب السيادية لضمان استقرار البلاد واستعادة الثقة المحلية والدولية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس