البطالة في ليبيا: تحديات وحلول

42
البطالة في ليبيا: تحديات وحلول
البطالة في ليبيا: تحديات وحلول

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. تُعتبر البطالة من أكبر التحديات التي تواجه ليبيا حاليًا، حيث تتفاقم مشكلاتها نتيجة للأزمات الاقتصادية والسياسية المتكررة. تشير الإحصاءات إلى ارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين الشباب، مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني والتنمية الاجتماعية. وفقًا لدراسة البنك الدولي بعنوان “ديناميكيات سوق العمل في ليبيا”، تعاني البلاد من ظاهرة البطالة المقنعة، وهي شكل من أشكال البطالة المستترة داخل القطاع الحكومي. هذه الظاهرة تمثل عبئًا اقتصاديًا وتؤثر على كفاءة وإنتاجية الدولة.

تظهر البطالة المقنعة عندما يتم توظيف عدد من الأفراد بأكثر من الحاجة الفعلية أو عندما يتم تشغيل الأفراد في وظائف تقل عن كفاءاتهم، مما يؤدي إلى ضعف الإنتاجية وإهدار الموارد. هذا الوضع ينعكس على مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية ويجعل من الضروري تحليل أسباب هذه البطالة والبحث عن حلول فعّالة.

الوضع الراهن للبطالة في ليبيا

تشير بيانات عام 2023 إلى أن معدل البطالة العام في ليبيا يبلغ حوالي 19%، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بمعدلات البطالة في الدول المجاورة. تعاني فئة الشباب بشكل خاص، حيث تبلغ نسبة بطالة الشباب أكثر من 40% من الفئة العمرية من 15 إلى 30 عامًا.

وفي القطاع الحكومي، الذي يوظف غالبية القوى العاملة الليبية، تعاني البلاد من ظاهرة البطالة المقنعة، حيث يعمل نحو 30% من الموظفين في وظائف لا تحتاج فعليًا إلى وجودهم. وهذا يعني أن هؤلاء الموظفين لا يساهمون في الإنتاجية الاقتصادية، مما يعكس عدم كفاءة إدارة الموارد البشرية في الحكومة.

تعريف البطالة المقنعة وتأثيرها على الاقتصاد الليبي

تُعرف البطالة المقنعة بأنها حالة يتم فيها توظيف عدد من الأفراد بأكثر من الحاجة الفعلية أو تشغيلهم في وظائف تقل عن مؤهلاتهم. هذا النوع من البطالة يؤثر بشكل كبير على كفاءة الاقتصاد الوطني، حيث يتم استخدام موارد الدولة بشكل غير فعال.

تجدر الإشارة إلى أن البطالة المقنعة لها تأثيرات سلبية على الاقتصاد الكلي. ففي ظل تزايد الإنفاق الحكومي على الرواتب دون أي عائد إنتاجي واضح، يصبح من الصعب تحقيق التنمية المستدامة. تشير الدراسات إلى أن الإنفاق الحكومي على رواتب موظفي القطاع العام يمثل حوالي 50% من ميزانية الدولة، مما يزيد من العبء المالي على الحكومة ويقلل من قدرتها على الاستثمار في القطاعات الأخرى.

و كتب الخبير الاقتصادي “محمد أبوسنينة” حول هذا الموضوع: تتخد البطالة أشكالا متعددة في الأدب الاقتصادي، فهناك البطالة الهيكلية، والبطالة الموسمية، والبطالة الاحتكاكية، والبطالة المقنعة، وبصفة عامة يعتبر الشخص عاطلا عن العمل، إذا أمتلك القدرة على العمل ولديه رغبة في العمل وأنه يسعى أو يبحث عن عمل، وهو مايعرف بالبطالة اللاإرادية،أي الوضع الذي يكون فيه الشخص عاطلا عن العمل ليس بإرادته واختياره وإنما لعدم توفر فرصة للعمل، بمعنى أن الأشخاص القادرين عن العمل وغير راغبين فيه لا تشملهم أرقام البطالة، والمعدلات الطبيعية للبطالة تقدر في حدود 4 % إلى 5% ,عند استخدام كافة الموارد المتاحة.

لكن في ليبيا حيث يبلغ عدد العاملين في القطاع العام والقطاع غير الرسمي حوالي 2.5 مليون عامل، وهو رقم كبير بكل المقاييس نسبة إلى عدد السكان، وبالمقارنة بعدد العاملين بالقطاع الحكومي في تونس نجد أن العدد لا يتجاوز 690 ألف موظف وفي الجزائر في حدود 4.5 مليون موظف، وفي المغرب في حدود 800 ألف موظف بالرغم من أن عدد السكان في هذه الدول المغاربية يشكل أضعفاً مضاعفة لعدد السكان في ليبيا، ومع ذلك تشير تقارير دولية إلى أن معدل البطالة في ليبيا يقّدر بحوالي 19%، وهذا يعني أن الاقتصاد يعاني من مشكلة بطالة حادة، مما يشير إلى فشل سياسة التشغيل أو التوظيف في القطاع الحكومي في حل مشكلة البطالة، فضلا عن ما ترتب عن هذه السياسة من تضخيم حجم الانفاق العام، إذ وصل الباب الأول من الميزانية العامة إلى حوالي 60 مليار دينار!.

ونعتقد أن الاقتصاد الليبي يعاني من نوعين من أنواع البطالة: بطالة هيكلية وبطالة مقنعة، وترجع البطالة الهيكلية لأسباب ترتبط ببنية الاقتصاد الذي يتصف بعدم المرونة من مختلف الأوجه، فالاقتصاد الليبي غير منتج لفرص العمل.

فالقطاع الإنتاجي المحدود لا يستجيب لاية زيادة في الأجور أو المرتبات، بمعنى لا تزداد إنتاجية القطاع عندما تزاد الأجور، ولا يستجيب القطاع الإنتاجي بتوفير المزيد من فرص العمل عندما تحدت زيادة في الأجور أو الحوافر نتيجة لتأثر العملية الإنتاجية بالكتير من العوامل السلبية التي تشكل عوائق للإنتاج ويكمن وراءها عوامل ثقافية واجتماعية ونفسية لازالت مترسخة في المجتمع والتي تجعل من ثقافة العمل أمراً نادرا.

ويرجع ذلك لترسخ الثقافة الريعية، فالكل يعتمد على ما تقدمه الحكومة من دخل النفط، ويراه حقاً مكتسبا، حتى بدون عمل، بمعنى آخر البطالة التي يعاني منها الإقتصاد يرجع سببها إلى أن الاقتصاد الليبي غير مرن وغير منتج لفرص العمل، وفشل سياسة التشغيل أو التوظيف في القطاع العام (الحكومي) فيتخرج الاف المهندسين ولا يجدون فرص عمل، ويتخرج الاف من خريجي الجامعات في مختلف التخصصات الأخرى ولا يجدون فرص عمل، وظل القطاع العام المجال الوحيد للاستخدام، وهي سياسة دأب عليها صُناع القرار منذ أوائل السبعينات من القرن الماضى من خلال تنسيب الخريجين للمؤسسات وشركات وإدارات القطاع العام، في إطار هيمنة الدولة على النشاط الاقتصادي، وتهميش دور القطاع الخاص.

وعندما يكون الاقتصاد غير منتج للوظايف وفرص العمل، فان معدلات البطالة تزداد بزيادة عدد السكان، وزيادة عدد الباحتين عن العمل، وفي هذه الحالة لا سبيل للتغلب على مشكلة البطالة إلا من خلال اعادة هيكلة الاقتصاد برمته، والتركيز على تنمية رأس المال البشري المطلوب لاستغلال ما يتم أنجازه من تكوين لراس المال، ومن تم اعادة تخصيص الموارد الاقتصادية واستخدامها على نحو كفوء.

والنوع التاني من البطالة التي يعاني منها الاقتصاد هي البطالة المقنعة، حيث يتكدس إعداد كبيرة من الموظفين والعاملين في الكتير من المواقع العامة (مدارس، مستشفيات، مراقبات الخدمات، البلديات، الهيئات والمؤسسات العامة والوزارات) بمعدلات أكبر مما تحتاجه هذه المواقع، واعتبارهم ضمن القوى العاملة، ويتقاضون مرتبات وأجور، وبذلك تكون معدلات إنتاجيتهم متدنية جدا، أن لم تكن معدومة.

ولا علاج لهذه المشكلة إلا من خلال فتح المجال أمام القطاع الخاص للاطلاع بالدور الأكبر في النشاط الاقتصادي، واعادة تنظيم ورسم سياسات الاستخدام والدخل على مستوى الاقتصاد، وتنظيم سوق العمالة الوافدة، وإخضاع الكتير من القطاعات لإصلاحات هيكلية، وأن تتوقف الحكومة عن دور المشغّل الوحيد للباحتين عن العمل، وعوضا عن ذلك تمهد الحكومة مخططات لإقامة مشاريع انتاجية للشباب والبحثين عن العمل وأن تتولى المصارف تمويل هذه المشروعات بشروط ميسرة، وأن تتغيّر ثقافة الحكومة تصرف على الشعب، إلى ثقافة الشعب المنتج هو الذي يُموّل الحكومة ويحاسبها.

هذه التحولات الهيكلية في الاقتصاد تكون ضمن رؤية تتضمن شكل الدولة ونظامها الاقتصادي وهوية الاقتصاد ونمط تخصيص الموارد الاقتصادية، وبيئة تشريعية ضامنة ومحفزة للاستثمار، وإطار زمني وخارطة طريق للوصول إلى الأهداف المرجوة.

أسباب البطالة المقنعة وفقًا لدراسة البنك الدولي

أظهرت دراسة البنك الدولي “ديناميكيات سوق العمل في ليبيا” عدة أسباب جوهرية لانتشار البطالة المقنعة، ومنها:

1. الاعتماد الكبير على القطاع العام: يعتمد الكثير من الليبيين على القطاع العام كمصدر رئيسي للتوظيف، حيث يشغل القطاع الحكومي حوالي 80% من إجمالي القوى العاملة. هذا الاعتماد يؤدي إلى زيادة عدد الموظفين أكثر من الحاجة، مما يخلق بيئة مناسبة للبطالة المقنعة.

2. التوزيع غير الفعال للموارد البشرية: يُلاحظ غياب مفهوم إدارة الموارد البشرية الفعالة في العديد من المؤسسات الحكومية. بدلاً من توظيف الأفراد بناءً على احتياجات العمل الفعلية، يتم توظيف أعداد زائدة، ما يؤدي إلى تكوين فرق عمل تفوق الحاجة.

3. ضعف القطاع الخاص: يعاني القطاع الخاص في ليبيا من العديد من التحديات، منها غياب الأمن والاستقرار. وهذا يحد من قدرته على توفير فرص عمل، مما يجعل الشباب يتجهون نحو القطاع الحكومي بحثًا عن الأمان الوظيفي.

4. البرامج الحكومية قصيرة الأمد: تلجأ الحكومة أحيانًا إلى توظيف أعداد إضافية في القطاع العام كوسيلة لتخفيف معدلات البطالة. لكن هذه الحلول المؤقتة تؤدي إلى تراكم العمالة الزائدة وزيادة البطالة المقنعة.

5. التضخم الوظيفي وهيمنة الوظائف الإدارية: معظم الوظائف المتاحة في القطاع الحكومي هي وظائف إدارية لا تحتاج إلى مهارات إنتاجية عالية، مما يؤدي إلى تضخم وظيفي وزيادة في البطالة المقنعة.

تأثير البطالة المقنعة على الاقتصاد الليبي

تؤثر البطالة المقنعة بشكل كبير على الاقتصاد الليبي، ومن أبرز آثارها:

1. تبديد الموارد المالية: يكلف توظيف العمالة الزائدة الدولة مبالغ كبيرة لدفع رواتبهم دون تحقيق مستوى إنتاجية يساوي تلك التكاليف. وقد أظهرت الأرقام أن نسبة الإنفاق الحكومي على الرواتب تمثل حوالي 50% من ميزانية الدولة، مما يشكل ضغطًا كبيرًا على المالية العامة.

2. انخفاض الإنتاجية العامة: في بيئة يهيمن فيها عدد كبير من الموظفين غير المنتجين، ينخفض مستوى الكفاءة العامة، مما يؤدي إلى تراجع الخدمات العامة وانخفاض جودة الأداء الحكومي.

3. تراجع جاذبية العمل في القطاع الخاص: يُفضل العديد من الشباب العمل في القطاع الحكومي على القطاع الخاص نظرًا لضمان الأمان الوظيفي.

وهذا يُعطّل قدرة القطاع الخاص على النمو ويحد من الابتكار.

4. تفاقم العجز المالي: تؤدي البطالة المقنعة إلى زيادة العجز المالي في الدولة، حيث تضطر الحكومة إلى زيادة الإنفاق على الرواتب دون عوائد إنتاجية.

التوصيات والحلول لمعالجة البطالة المقنعة وفقًا لدراسة البنك الدولي

قدمت دراسة البنك الدولي عدة توصيات للتعامل مع مشكلة البطالة المقنعة، ومنها:

1. إصلاح هيكل التوظيف في القطاع العام: من الضروري إعادة هيكلة القطاع العام وتخفيض عدد الموظفين الزائدين. يتطلب ذلك وضع سياسات تحدد معايير التوظيف والترقية بفعالية.

2. تحفيز القطاع الخاص: دعم القطاع الخاص يعد خطوة أساسية لتقليل الاعتماد على القطاع العام. يتطلب ذلك إنشاء بيئة عمل آمنة وتسهيل الإجراءات اللازمة للاستثمار.

3. دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة: تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة يعتبر محركًا رئيسيًا لخلق فرص عمل حقيقية. من خلال تقديم الدعم المالي والتدريبي، يمكن تمكين الشباب من بدء مشاريعهم الخاصة.

4. إعادة هيكلة برامج الدعم الحكومي: ينبغي على الحكومة تطوير برامج دعم مستدامة تهدف إلى تمكين الأفراد من العمل في مجالات إنتاجية.

5. التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية: تحتاج ليبيا إلى وضع استراتيجيات متكاملة لإدارة الموارد البشرية في القطاع الحكومي.

الإحصائيات والبيانات ذات الصلة

تتطلب معالجة البطالة المقنعة فهمًا عميقًا للأبعاد المختلفة لهذه المشكلة. وفقًا لدراسة البنك الدولي، يتم توظيف نحو 60% من القوى العاملة في القطاع الحكومي، حيث أن هذا القطاع يوفر أكثر من 80% من الوظائف المتاحة.

في المقابل، يُظهر القطاع الخاص انكماشًا كبيرًا في فرص العمل، حيث تقل نسبة التوظيف فيه عن 20% من إجمالي الوظائف. تشير البيانات إلى أن 50% من خريجي الجامعات لا يجدون فرص عمل بعد التخرج، مما يشير إلى فشل النظام التعليمي في تلبية احتياجات سوق العمل.

وأشارت بعض الدراسات المحلية إلى أن البطالة المقنعة في القطاع العام الليبي تُقدر بنسبة تصل إلى 30% من القوى العاملة في هذا القطاع، مما يعني أن جزءاً كبيراً من الموظفين لا يساهمون في تطوير الاقتصاد بشكل فعّال.

تجارب دولية ومقارنات

لمعالجة قضايا البطالة، يمكن أن تستفيد ليبيا من تجارب دول أخرى واجهت تحديات مشابهة. فمثلًا، نجحت دول مثل تونس والأردن في تحسين بيئة العمل من خلال دعم القطاع الخاص وتطوير برامج تدريبية موجهة نحو الشباب.

تجربة تونس في تعزيز ريادة الأعمال من خلال توفير قروض ميسرة وتسهيل إجراءات التسجيل قد تكون نموذجًا يحتذى به. كما يمكن النظر في تجارب دول مثل كندا، حيث تتمكن الحكومات من دعم برامج التعليم والتدريب المهني التي تتماشى مع احتياجات سوق العمل.

في الختام، تمثل البطالة المقنعة في ليبيا تحديًا اقتصاديًا واجتماعيًا كبيرًا يحتاج إلى إصلاحات عميقة وشاملة. معالجة هذه المشكلة تتطلب تطوير سياسات مستدامة تسهم في تحويل الاقتصاد الليبي إلى اقتصاد إنتاجي، يعتمد على الكفاءة ويقلل من الاعتماد على القطاع الحكومي كمصدر رئيسي للتوظيف. كما أن تعزيز القطاع الخاص وتشجيع ريادة الأعمال يعدان من الخطوات المهمة نحو تحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام، يسهم في تقليل البطالة وتوفير فرص عمل حقيقية للشباب

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here