التهديدات العسكرية لمواجهة الهجرة: تصعيد سياسي أم خطوة نحو الحرب؟

20
التهديدات العسكرية لمواجهة الهجرة: تصعيد سياسي أم خطوة نحو الحرب؟
التهديدات العسكرية لمواجهة الهجرة: تصعيد سياسي أم خطوة نحو الحرب؟

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. أثارت تصريحات رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبدالحميد الدبيبة بشأن التلويح بالقوة من أجل السيطرة على الحدود الجنوبية للبلاد لمواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية استنكارًا واسعًا، خاصة من قبل الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان بقيادة أسامة حماد، التي اعتبرت هذه التصريحات غير مسؤولة وتتناقض مع الشعارات المعلنة ضد التوطين. في هذا السياق، تظهر تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذه التهديدات ومدى تأثيرها على المشهد السياسي والأمني في ليبيا.

تصريحات الدبيبة: دعوة للتصعيد العسكري

جاءت تصريحات الدبيبة خلال اجتماع موسع لمناقشة أزمة الهجرة غير الشرعية، حيث دعا إلى تعزيز الإجراءات الأمنية على الحدود الجنوبية للبلاد، معتبرًا أن أمن الليبيين “خط أحمر”. ورفض أي تسوية من شأنها أن تؤدي إلى توطين المهاجرين غير الشرعيين، مشددًا على أن ليبيا لن تتحمل عبء مراقبة الحدود بمفردها، مطالبًا الاتحاد الأوروبي بتقديم الدعم اللازم. في الوقت ذاته، أشار إلى أن حكومته مستعدة لاتخاذ إجراءات عسكرية لحماية الحدود من أي تهديدات محتملة.

ولكن هذه التصريحات لم تمر مرور الكرام على سلطات الشرق الليبي التي اعتبرت تهديدات الدبيبة خطوة تصعيدية غير مبررة. ففي تصريح لرئيس الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان، أسامة حماد، أشار إلى أن “التصريحات التي أطلقها الدبيبة بشأن إرسال قوات إلى الجنوب غير مسؤولة، وتكشف عن عدم وجود أي قدرة حقيقية على السيطرة على الحدود”. واعتبر حماد أن هذه التصريحات تأتي في وقت غير مناسب، مشددًا على أن “أمن الحدود الجنوبية في يد الجيش والأجهزة الأمنية التابعة له”. وأضاف أن “الدبيبة يحاول تغطية العجز الحكومي في مكافحة الهجرة من خلال إطلاق تهديدات جوفاء تهدف إلى كسب الرأي العام، وهو ما يتناقض مع مواقف حكومته السابقة في مسألة توطين المهاجرين”.

الدوافع الحقيقية وراء تصريحات الدبيبة وحماد

في تصريح خاص لـ”أفريقيا برس”، للمتحدث باسم مبادرة القوى الوطنية محمد شوبار، حيث صرح بأن الدوافع الحقيقية خلف تصريحات رئيس حكومة الوحدة الوطنية هي محاولة لخلق حالة من عدم الاستقرار في ليبيا بالإضافة إلى إثارة الفوضى الأمنية، وأضاف أن حكومة الوحدة الوطنية تظن أن مثل هذه التحركات تؤدي إلى تأجيل الحل القادم إلى ليبيا الذي تعمل عليه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. ونوه أن تحريك ملف الهجرة غير الشرعية من قبل حكومة الوحدة الوطنية عبر صفحاتها الإعلامية على صفحات التواصل الاجتماعي هو مسلسل من مسلسلات الحكومة، والليبيون يدركون جيدًا أن كل ما يجري يتم بالاتفاق بين جميع الأطراف السياسية والعسكرية المتواجدة في السلطة، وبالتالي كل هذه التصريحات التي صدرت من حكومة الدبيبة وحكومة حماد عبارة عن فقاعات إعلامية تهدف إلى الفوضى. وشدد بأن كل الليبيين يترقبون ما سيصدر من قبل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وما تخلص إليه توافقات اللجنة الاستشارية بخصوص قوانين الانتخابات والوصول إلى الإعلان عن سلطة تنفيذية بوجوه جديدة تبسط سيطرتها على كامل التراب الليبي لتبدأ مرحلة الاستقرار والازدهار.

التصعيد العسكري: نوايا أم ردود فعل؟

تكشف تصريحات الدبيبة عن نية واضحة لتصعيد التوتر العسكري على الحدود الجنوبية، وهو ما يثير قلق العديد من المراقبين والمحللين السياسيين. ويرى البعض أن هذه التصريحات تأتي في إطار محاولات لحشد الدعم الدولي والمحلي في مواجهة أزمة الهجرة، التي تُعد إحدى القضايا الملحة في ليبيا. لكن هذه التصريحات أثارت تساؤلات حول جدوى التصعيد العسكري في وقت تشهد فيه ليبيا حالة من الانقسام السياسي والأمني. فكما أشار طلال الميهوب، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، في تصريحات لموقع “عربي 21” القطري، فإن تهديدات الدبيبة “تهدف فقط إلى كسر موجة الغضب الشعبي بسبب مساعيه لتوطين المهاجرين الأفارقة”. وأكد الميهوب أن “الدبيبة لا يملك القدرة على التحشيد العسكري في الجنوب، حيث إن الحكومة التي يقودها ليست سوى مجموعة من الميليشيات التي تسترزق على المال الليبي، وليست لديها القدرة على اتخاذ قرارات عسكرية حاسمة”. وأضاف: “لن يكون هناك قتال حقيقي بين الشرق والغرب الليبي، حيث إن الميليشيات في الغرب لا تملك عقيدة جيوش النظامية التي تأتمر بأمر واحد”.

تحذير من التصعيد المتهور

من جانبه، حذر وكيل وزارة الخارجية الأسبق حسن الصغير من مغبة التصعيد العسكري في الجنوب الليبي، داعيًا الدبيبة إلى عدم التورط في مخاطر جديدة قد تؤدي إلى المزيد من الانقسامات والفوضى في البلاد. واعتبر الصغير في منشور له عبر “فيسبوك” أن “الدبيبة يعتقد أنه يمتلك قرار الحرب، لكن الحقيقة هي أنه لا يستطيع تحشيد أي قوات حقيقية، ولن يجد من يسانده إلا الفارين من بنغازي ودرنة والغرياني”.

وأشار إلى أن “الدبيبة لم يعد يمتلك النفوذ الكافي لتنفيذ تهديداته، وأنه يسعى فقط إلى استعراض القوة أمام الرأي العام الداخلي والخارجي”. وأكد الصغير أن “التهديدات بإرسال قوات إلى الجنوب لا معنى لها، حيث إن الجنوب الليبي مؤمّن بالفعل من قبل القوات التابعة للجيش الوطني”. وأضاف: “الدبيبة يسعى للاستمرار في منصبه بأي ثمن، عبر عقد صفقات مالية وسياسية قد تديم وجوده على الكرسي، ولكن لن يستطيع مواجهة حقيقة أن خصومه أصبحوا في مدينته وفي محيطه، ولن يكون بمقدوره العودة إلى الحرب تحت أي ظرف”.

الحدود الجنوبية: تحديات أمنية ومخاطر ديموغرافية

تعد الحدود الجنوبية لليبيا من أكثر المناطق تحديًا في البلاد، حيث تتداخل فيها عدة قضايا أمنية وديموغرافية. من جهة، تواجه ليبيا تحديات كبيرة في التعامل مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية، التي أصبحت تهدد استقرار البلاد، كما أن مسألة ضبط الحدود الجنوبية أصبحت معقدة بسبب تنامي الأنشطة الإجرامية مثل تهريب البشر والمخدرات. من جهة أخرى، يعتبر البعض أن التصعيد العسكري على الحدود الجنوبية قد يؤدي إلى نتائج غير محمودة، ويزيد من تعقيد الوضع الأمني في المنطقة. وفي هذا السياق، أشار حماد إلى أن “أي محاولة من حكومة الدبيبة لتحريك وحدات مسلحة نحو الجنوب ستكون بمثابة خطوة تصعيدية ستواجه بما يقتضيه الأمر من ردع وحزم”. وأكد أن “الجيش الوطني والأجهزة الأمنية لن تسمح بأي تحركات تهدد الأمن الوطني واستقرار البلاد”.

تصعيد أم سياسة واقعية؟

إن التصريحات الأخيرة لعبدالحميد الدبيبة بشأن التلويح بالقوة لسيطرة على الحدود لمواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية تفتح الباب أمام المزيد من التساؤلات حول النوايا الحقيقية لهذه التهديدات. في الوقت الذي ترى فيه حكومة الشرق أن التصعيد العسكري غير مبرر في ظل حالة الانقسام السياسي، يبقى الشعب الليبي في حيرة بشأن كيفية التعامل مع هذا الملف الشائك. ومع استمرار الجدل حول مسألة توطين المهاجرين والاتهامات بالتواطؤ مع جهات خارجية، تظل ليبيا أمام تحدٍ كبير يتمثل في إيجاد حلول واقعية لهذا الملف دون الانزلاق إلى مزيد من التصعيد والعنف وتبادل الاتهامات بين الأطراف المتنازعة على الشرعية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here