الدور الدولي في ليبيا إلى التعطيل

23
الدور الدولي في ليبيا إلى التعطيل
الدور الدولي في ليبيا إلى التعطيل

خيري عمر

أفريقيا برس – ليبيا. على الرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على وضع ليبيا تحت الفصل السابع، ظلت نتائج تدخل الأمم المتحدة محدودة فيما يتعلق بإعادة السيادة لحكومة منتخبة، ويكشف التداول الجاري على الأزمة الليبية النقاش حول مستقبل دور مجلس الأمن في معالجة مشكلات السلطة والتنازع عليها وسياسات توزيع الثروة، وهذا ما يثير النقاش حول تَشَكُل البيئة الدولية تجاه النزاع على السلطة وطبيعة بعثة الأمم المتحدة وانعكاسها على الوضع الليبي.

الدول وأزمة السلطة

وعلى مدى الأشهر الماضية، تشكّلت مواقف الأعضاء النافذين في مجلس الأمن. فقد رحبت روسيا، 16 مارس/ آذار 2022، بحكومة فتحي باشاغا، كما طالبت بعدم التمديد لمستشارة البعثة، ستيفاني ويليامز، وتعيين مبعوث خاص يحظى بالتفويض الكافي لتسيير المهام الدولية في ليبيا. وفيما يتعلق بمسار البعثة الدولية، طالبت روسيا بتمديدها فترات قصيرة، ليس لمدة عام لزيادة فرصة مراجعة أعمالها لدى اختيار رئيس جديد لها.

وعلى الجانب الأوروبي/ الأميركي، بدت مساحة توافق كبيرة على تسيير الشؤون الليبية. فقد رأت فرنسا، وفق بيانات مختلفة لوزارة الخارجية، الاتفاقيات بين الحكومة الليبية وتركيا بعيدة عن القانون الدولي وتزيد من تعميق الأزمة، حيث تتعارض مع اتفاق بحري آخر بين اليونان، مصر، إسرائيل وقبرص. وذهبت إلى أن الحل السياسي يتطلب خروج القوات الأجنبية ومشاركة كل الأطراف الليبية، كما اعتبرت، كلمة مندوبها في 25 يوليو، توحيد الحكومة شرطاً لإجراء الانتخابات، وذلك على أساس حوار ليبي داخلي، بجانب مسار يشمل الأطراف الإقليمية وجوار ليبيا.

ومنذ مارس/ آذار الماضي، تلاقت الولايات المتحدة وبريطانيا على تحييد النفط من دون اتخاذ موقف واضح، واقتصرت على تأييد البعثة الأممية والتواصل مع كل أطراف ليبيا. وحسب بيان السفارة في ليبيا، 12 أبريل/ نيسان 2022، تقوم السياسة الأميركية على حماية الإيرادات السيادية من الاختلاس وتعزيز شفافية المصرف المركزي في الإنفاق العام وتوفير الدعم المالي لمؤسسة النفط. وقد تلاقى البلدان، حسب تصريحات للسفراء، على إمكانية الطعن القضائي في تغيير مجلس المؤسسة الوطنية، وهو تصريح تضعف جديته أمام تسارع الحديث عن مزايا تشغيل قطاع النفط على حياة الليبيين وسد نقص الكهرباء من دون اكتراث بتعقيدات الصراع واهتزاز الأمن وضعف الرقابة الإدارية.

وفي سياق متساند، حثّت البلدان الخمسة (فرنسا، إيطاليا، ألمانيا، بريطانيا والولايات المتحدة)، 25 يونيو/ حزيران 2022، مجلسي النواب والدولة على المضي في الإعداد للانتخابات، وفقاً لتوجهات المؤتمرات الدولية بشأن ليبيا منذ برلين 2020. وتناول البيان نقطتين، كانت الأولى في ربط انتهاء خريطة المرحلة التمهيدية بإجراء الانتخابات وليس في 22 يونيو/ حزيران الماضي، ما يعني تفضيل عدم تغيير حكومة الوحدة الوطنية، واكتفى بتسوية النزاع عبر التشاور والحوار لتكوين حكومة موحّدة تبسط سيطرتها في أنحاء ليبيا والعمل على منع تكوين مؤسسات موازية أو محاولة السيطرة على السلطة بالقوة. وفي النقطة الثانية، رفضت الدول الأعمال التي تؤدّي إلى العنف المُهدد للانتقال السلمي وانتهاك وقف إطلاق النار. وفي سياق متكامل، التقت مجموعة شركاء ليبيا، وتشمل، بالإضافة إلى الخمس دول كلاً من تركيا ومصر، في إسطنبول في 21 يوليو/ تموز، حيث توافقت على المضي في المسار الانتخابي وتوحيد السلطة وحياد المؤسسة الوطنية وعدالة استخدام الموارد الوطنية.

وبشكل عام، يميل التقارب الأوروبي/ الأميركي لتكريس الوضع القائم، فعلى الرغم من منح البرلمان الثقة لحكومة جديدة، استمر دعم الحكومة القائمة والتواصل معها مباشرة، فعلى مدى الشهر الماضي (يوليو/ تموز)، سارت تحركات المبعوث الأميركي، ريتشارد نورلاند، واضحة في تجنب الحديث عن تسليم السلطة، وحظيت لقاءاته بمكوّنات حكومة طرابلس بنشاط ديبلوماسي وتغطية إعلامية واسعة، فيما بقيت اتصالاته ببقية مكوّنات الدولة في حد أدنى لا يرقى إلى الرغبة في تسوية النزاع على السلطة والنفط والمصرف المركزي.

ومع توزّع المجموعات المسلحة على جانبي النزاع على السلطة، توقف التناول الدولي عند مستوى الحديث عن أخطار انتشار الأسلحة خارج سيطرة الدولة متجاهلة واقع استناد حكومتين لأساس من القانون، وأن السلطة حالة افتراضية ومُقسَّمة. وكان لافتاً، أنه بينما يتصاعد نشاط الجماعات المسلحة في طرابلس، وانفتاح النزاع على النفط، أبدت رئيسة البعثة الأممية، ستيفاني ويليامز، 30 يونيو/ حزيران 2022، تقييماً متفائلاً بتوافق وفدي المجلسين على معايير التحضير للانتخابات باستثناء شروط الترشيح للرئاسة، وشاركتها مساعدة الأمين العام 23 يوليو/ تموز 2022، جانباً من التفاؤل بتحقيق تقدّم في المسار الدستوري، غير أنها أشارت إلى غياب عناصر أساسية للانتقال السلمي الديمقراطي عندما أبدت قلقاً من انقسام المؤسسات، تقلص قطاع الخدمات واضمحلال المجتمع المدني.

وباعتباره تقييماً ليبياً، تَضمنت كلمة المندوب الليبي، 26 يوليو/ تموز، تصويراً لمدى فاعلية مجلس الأمن. ووفق المؤشرات الكَمية، بدت فجوة كبيرة بين مُخرجات المنظمة الدولية وتواضع إنجازها في نقل ليبيا من الوصاية للدولة ذات السيادة الكاملة. وبينما انعقد الكثير من الجلسات (172) وصدرت وثائق كثيرة (100 وثيقة)، تحولت ليبيا لدولة فاشلة تغمرها الصراعات وصارت شرعية حكوماتها في نطاق الجدل الشعبي.

حيرة مجلس الأمن

وبالنظر إلى قراري مجلس الأمن 2622 (15 يوليو/ تموز) و2627 (28 يوليو/ تموز)، كان النص واضحاً في التعامل على أن الوضع في ليبيا لا يزال يشكل تهديداً للأمن والسلم، وفق الفصل السابع، وفي هذا النطاق، تناول المجلس أربع مسائل، ارتبطت الأولى بالتصرّف إزاء النزاع على إدارة قطاع النفط، حيث أسندها المجلس إلى ما اعتبرها حكومة مشروعة ومنحها سلطة تحديد مناطق النفط الخاضعة لسيطرتها والاتصال بالأمم المتحدة، للإبلاغ عن الشحن غير القانوني، وتسهيل عمل المؤسسة الوطنية، وأنكر قيام المؤسسات الموازية غير التابعة للحكومة بتجارة النفط.

كما ارتبطت المسألة الثانية بتحديد الحكومة المشروعة، فعندما اعتبر القرار 2627/ 3 خريطة المرحلة التمهيدية تشكل الأساس القانوني للوضع الحالي حتى إجراء الانتخابات، انصرفت إرادته لتنطبق على حكومة الوحدة الوطنية دون غيرها. يتلاقى هذا التوجه مع تفسير رئيس الوزراء، عبد الحميد الدبيبة، في ربط مهمة الحكومة بالانتخابات، وهو سياق مهام لا زمانية، انطبقت على الهيئات العابرة للزمن والمستفيدة من سيولة القانون وتجزيء السلطة، وليس من المُمكن تصويرها سوابق قانونية، بقدر كونها تعبيراً عن غياب إرادة الدولة ونقص سيادتها.

أما المسألة الثالثة، فكانت في تكرار الكلام بشأن حل مشكلة انتشار السلاح، حيث أشار بشكل تلقائي إلى تطبيق حظر السلاح والرقابة على الشواطئ الليبية، بجانب التخطيط لنزع سلاح المليشيات. وتبدو هذه المشكلة أكثر تعقيداً، فمنذ قرار مجلس الأمن 2095 الصادر في 2013 لفرض رقابة دولية وعقوبات على دخول السلاح إلى ليبيا. وعلى مدى السنوات السابقة، ظلت ترتيبات الأمم المتحدة ضد المسلحين والرافضين برامجها أكثر سيولة وفوضوية.

وقد عكست المسألة الرابعة تأثير الصراعات الدولية على الوضع الليبي، فوفقاً للقرار 2627/ 1، كشف تمديد ولاية البعثة حتى 31 أكتوبر/ تشرين الأول عن وجه من التباين الدولي تجاه المشكلات الإقليمية. وقد ظهر اتجاهان بشأن تمديد البعثة الدولية. قامت المقاربة الروسية على أولوية تمديدها فترة قصيرة لثلاثة أشهر، حيث هي التسوية الوحيدة الممكنة في هذه المرحلة، كما اعتبر المندوب الروسي أن بقاء المستشارة الخاصة للأمين العام، ستيفاني وليامز، “غير مبرّر لأنها لا تتمتع بتفويض مناسب من مجلس الأمن، فيما شكّلت مواقف بقية الدول الاتجاه الآخر، حيث تتبنّى تمديدها سنة كاملة لتجنب شغور منصب الممثل الخاص وتوسيع صلاحيات البعثة الدولية للتكيف مع الوضع المضطرب”.

ولتفادي استخدام روسيا حق النقض، تبنّى القرار 2627 تمديد البعثة ثلاثة أشهر، تنتهي في 31 أكتوبر/ تشرين الأول، وإنهاء منصب المستشار الخاص، ويعدّ هذا التمديد الخامس على التوالي، فقد سبق أن شهدت البعثة التمديد القصير أربع مرات، كانت إحداها لأسبوعين، 15 سبتمبر/ أيلول 2021 وحتى 30 سبتمبر/ أيلول 2021، ثم تمديدها إلى أربعة أشهر حتى 31 يناير/ كانون الثاني الماضي، ثم لثلاثة أشهر بداية من 29 إبريل/ نيسان 2022.

تعدّد النفوذ والصراع بين الدول

وعلى الرغم من نفوذ الكتلة الغربية في صياغة قراري مجلس الأمن، فمنذ سبتمبر/ أيلول 2021، دخل مجلس الأمن حالة تعطيل لم يتمكّن فيها من اعتماد تغييرات تلبي احتياجات الانتقال السياسي والانتخابات واكتفى بالتحذير من الفوضى وتجاوز القانون، حيث عَبرَت مندوبتا الولايات المتحدة وبريطانيا عن خيبة الأمل لإكراه المجلس على تبني مدد قصيرة تضع صعوبات أمام خطط البعثة طويلة المدى، لا سيما ما يتعلق بالتحضير للانتخابات ومراقبة وقف إطلاق النار والإبلاغ عن قضايا حقوق الإنسان.

دار انقسام الأمم المتحدة على بدائل من شأنها إثارة الصراع حول بقاء البعثة الدولية وكيلاً لمجموعة الدول الغربية في مجلس الأمن. وبينما تُفسر عودة روسيا إلى البحث عن مناطق نفوذ في أفريقيا جانباً من الخلاف، يتشكل التنافس الدولي على أرضية مستقبل دور البعثة، وهنا، يُعبر تكرار التمديد القصير عن عدم القدرة على بناء موقفٍ مشترك تجاه المشكلات الثانوية في النظام الدولي.

ويُساعد عدم القدرة على اتخاذ قرارات جوهرية على فهم إبقاء الأوروبيين على الحكومة في طرابلس لصعوبة اعتراف مجلس الأمن بحكومة جديدة، غير أن هذا الموقف يثير التساؤل حول مدى الاعتداد بالسيادة الوطنية، حيث يوضح تجاهل مجلس النواب وقراراته بتشكيل حكومة جديدة، بتعليق سيادة الدولة على الإرادة الدولية، بل إنها صارت أكثر خضوعاً مع تحذير الحكومة تحت الاستلام، فتحي باشاغا، استخدام القوة أو تشكيل مؤسسات مناظرة.

وفي ظل هيمنة العلاقات الصراعية وضعف القانون، يُؤسّس الحديث عن إطلاق استقلالية مؤسسة النفط مناخاً خصباً لغموض الإدارة، ومن متابعة الخطوات الأولى للإدارة الجديدة، يبني تعطيل الرقابة الداخلية دوائر نفوذ لتقاسم إيرادات النفط، وهنا، لعمل تحيز التدخل الدولي على استمرار الاضطراب السياسي وتهديد مستقبل قطاع الطاقة وإضعاف قدرة الحكومة على توزيع الإيرادات، بجانب التسبب في نقص الخدمات العامة واهتزاز الإنفاق العام.

قد تبدو المناقشات في مزايا التدخل الدولي لليبيا وقيوده مرتبطة بتوقع فاعليته في المستقبل. ووفقاً لأداء مجلس الأمن في السنة الأخيرة، يمكن القول بتدهور الأمم المتحدة في تهدئة الأزمة الليبية بصورة تساعد على إثارة الصراع وتنمية ركائز عدم الاستقرار. ولذلك قد تساعد إثارة مطلب استعادة السيادة الوطنية على تكوين مِخيال للوعي المشترك والاستفادة من تحسُن العلاقات الإقليمية للتخلص من الوصاية.

المصدر: العربي الجديد

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here